تاريخ لبنان.. إشكاليات عدة
تاريخ لبنان.. إشكاليات عدة

كان معلمنا الراحل المؤرخ كمال الصليبي يبتسم في كل مرة نسأله فيها رأيه حول أعمال فؤاد أفرام البستاني، كاتب تاريخ لبنان بصيغته الرسمية، وصاحب الأفكار المؤسسة للقومية اللبنانية، التي يتبناها اليمين اللبناني ذو الغالبية المسيحية.

كان الصليبي يكتفي بالقول إن البستاني لم يدرس التاريخ، بل درس وعلّم الأدب العربي، ومع ذلك، فإن البستاني اكتسب شهرته بسبب نظرياته عن التاريخ العربي واللبناني.

وبحسب رواية "اليمين المسيحي"، لبنان دولة فينيقية سحيقة، ورد اسمه وشخصيات منه في التوراة، وهو ما يجعله حضارة سابقة وأكثر عراقة من حضارة العرب المسلمين، التي اجتاحت لبنان في القرن الميلادي السابع، وفرضت تعريبه وأسلمته وفصله عن محيطه المتوسطي الأوروبي.

وبنى اليمين المسيحي نظرياته على نصوص، بعضها مثير للضحك، مثلما ورد في القرن السابع عشر في كتاب البطريرك الماروني أسطفان الدويهي، من أن شفيع الطائفة القديس مارون، الذي عاش في القرن الميلادي الرابع، كان ابن اخت مؤسس فرنسا وألمانيا الملك شارلمان، الذي مات في القرن التاسع.

واعتبر "اليمين المسيحي" أنه على الرغم من تسلط المسلمين على الأقليات في شرق المتوسط، فان غير المسلمين من المسيحيين والدروز ناضلوا لإقامة إمارة مستقلة عن السلطنة العثمانية في جبل لبنان، قادها المعنيون الدروز وتلاهم الشهابيون المسيحيون. واعتبر "اليمين المسيحي" أن تلك الإمارة شكلت نواة "متصرفية جبل لبنان"، أساس قيام لبنان بشكله الحالي، أي أن لبنان لم يكن صنيعة الاستعمار الأوروبي بل سبقه.

ومع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، ربط "اليمين المسيحي" في لبنان نفسه بالغرب، أي أميركا وأوروبا، وراح أبطاله من أمثال بشير الجميل يشيدون باقتصاد السوق والحضارة الغربية، ويسخرون من "حضارة الجمال"، أي العربية، ويرتبطون بإسرائيل للتخلص من حكم الفلسطينيين للبنان.

وعلى نقيض "اليمين المسيحي" وصف "اليسار المسلم" الفينيقيين بالأسطورة، واعتبر أن الإماراتين المعنية والشهابية خيال، وأن حكامهما كانوا جباة ضرائب عملوا بإمرة السلطنة العثمانية، وأن دولة لبنان أسسها الفرنسيون كجزء من المشروع الاستعماري الأوروبي لتقسيم المنطقة وإضعافها وإخضاعها.

وعلى عكس "اليمين المسيحي" الرأسمالي، تبنى "اليسار المسلم" النظريات الاقتصادية الاشتراكية، خصوصا أسطورة "الاكتفاء الذاتي". واتهم أهل اليسار اليمين بالاحتكار، والإثراء غير المشروع، والفساد في الحكم، واستغلال موارد الدولة، وإفقار اللبنانيين.

ومن مدرسة "اليسار المسلم" في التاريخ والاقتصاد يبرز اليوم شارل حايك، الذي تحول إلى ظاهرة بين اللبنانيين على مواقع التواصل الاجتماعي، مستفيدا من الأمية الثقافية المدقعة التي غرق فيها غالبية اللبنانيين، فقدم لهم روايات عن التاريخ مغايرة لتاريخ البستاني الذي درسه اللبنانيون في مناهجهم المدرسية، وزيّن حايك رواياته بالكثير من التأريخ الاجتماعي غير السياسي، المبني غالبا على ما دونه معاصرو أحداث الماضي.

ولم يحد الحايك، المسيحي المولد، عن التقليد اليساري السائد، فهو لا يعادي الأوروبيين ويصادق العثمانيين فحسب، بل هو يكره اقتصاد السوق ويكيل المديح للاكتفاء الذاتي، الذي يشير الى ممارسته في بلدة بيصور ذات الغالبية الدرزية في جبل لبنان الجنوبي، حسبما ورد في مقابلة لحايك عبر "برنامج سردة"، الشهر الفائت.

في لبنان، تتناقض روايتا التاريخ والاقتصاد بين "اليمين المسيحي" و"اليسار المسلم" لأسباب سياسية آنية أكثر منها بناء على دراسات أكاديمية حصيفة. ويتبنى اللبنانيون روايات تاريخية منقوصة، أولا بسبب آرائهم المسبقة وانحيازهم الموروث مجتمعيا، الذي يدفعهم في اتجاه رواية دون أخرى، وثانيا بسبب الكاريزما التي يتمتع بها الحكواتيون من أمثال البستاني، الذي لم يدرس التاريخ ولا يعرف القوانين التي تحكم كتابته أو تقديم الفرضيات الممكنة لكيفية حدوثه.

ومثل البستاني، يتمتع حايك بكاريزما ودماثة أخلاقية حسب من يعرفونه. وكذلك على غرار البستاني، تعاني الرواية التي يقدمها حايك من ثغرات واضحة في المنهجية، وتاليا في جودة الرواية نفسها.

مثلا، حتى يُقنع اللبنانيين باقتصاد "الاكتفاء الذاتي" بدلا من اقتصاد الخدمات، الذي تتبناه الإمارات المزدهرة والذي صممه الراحل رفيق الحريري وقبله "اليمين المسيحي" في لبنان، يستخدم حايك التاريخ بقوله إن لبنان يعتاش تقليديا على الزراعة، قبل أن يدمّر بعض الطمّاعين الاقتصاد الطبيعي باقتصاد إنتاج الحرير أواخر القرن التاسع عشر، فانهارت البلاد مطلع القرن العشرين.

ومن نافل القول إن لا الفينيقيين ولا أي من الأجيال اللبنانية المتعاقبة امتهنت الزراعة خارج الحاجة المحلية الضيقة، فعلى عكس حضارتي وادي النيل والرافدين الزراعيتين، تكاد تنعدم المساحة الزراعية في لبنان الجبلي.

إلا أن جبال اللبنانيين قدمت لهم أشجارا سمح طولها بإقامة سفن كبيرة، على عكس أشجار وادي النيل القصيرة التي لم تسمح ببناء أكثر من زوارق نقل. ثم أن ثروة الأشجار في سلسلتي لبنان الجبليتين قدمت للبنانيين حطبا للتعدين، وهو ما سمح للفينيقيين ببناء أقدم الأساطيل والاستيطان في حوض المتوسط وبعض سواحل الأطلسي الشرقية، مثل مدينة لشبونة عاصمة البرتغال، التي أسسها الفينيقيون وأسموها أخبونة، أي مختبئة. لم تكن نجاحات الفينيقيين بسبب اكتفائهم الذاتي، بل بسبب تجارتهم الدولية.

وموقع لبنان على طرق التجارة الدولية هو الذي دفع إمارة المعنيين اللبنانية الى الصدارة، إذ في سعيها للالتفاف على الطريق إلى الهند، الذي كانت تمسك به السلطنة وتقدمه حصرا لبريطانيا، حاولت الإمارات التجارية الإيطالية التحالف مع اللبنانيين لاستخدام مرافئهم لفتح طريق منافس للعثمانيين والبريطانيين إلى الهند، وهو مشروع لم ينجح، وانما قدم للبنانيين فرصة ممارسة بعض الحكم الذاتي، وبناء عائلات إقطاعية لا وجود لها في الولايات العثمانية الاخرى، مثل عكا أو القدس أو دمشق.

الحضارة الفينيقية عاشت قرابة ألفية ونصف، أي أكثر من عمر الإسلام اليوم، ولم تكن قصة قرية عابرة أو حكاية محلية. ولم يكن الفينيقيون دولة لبنانية واحدة، بل دويلات متنافسة انبثقت منهم إمبراطورية عاصمتها قرطاج في تونس. ولم يكن أمراء جبل لبنان حكاما مستقلين بالكامل عن السلطنة، ولكنهم في نفس الوقت لم يكونوا رعايا عثمانيين عاديين. الرواية الأصح هي مزيج من روايتي البستاني وحايك.

وعدا عن أن سكان جبال لبنان وساحله اعتاشوا على التجارة منذ فجر التاريخ، ومن الخدمات (مثل في بنائهم قوة بحرية للعراقيين لإلحاق الهزيمة بالإيرانيين)، ومن الارتزاق لإمبراطورية أو غريمتها، لم يعد في العالم اليوم دولة اقتصادها يكتفي ذاتيا. حتى الصين، مصنع العالم، بحاجة لاستيراد ضخم لتغطية حاجتها لعدد كبير من المواد الأولية والصناعات الأجنبية.

ثم أن روايات حايك تعاني من انحياز واضح للعثمانيين، فهو يسعى لتقليص مسؤوليتهم عن حدوث مجاعة في لبنان في الحرب العالمية الأولى، ويحاول عوضا عن ذلك إلقاء اللائمة على "النخبة" اللبنانية والمحتكرين، وعلى الأوروبيين لمحاصرتهم ساحل شرق المتوسط. لكن العثمانيين أنهوا حكم لبنان الذاتي إبان الحرب، وهو ما يعني أن مكافحة المحتكرين كانت مسؤولية السلطنة. ومن يعرف الفساد المستشري في السلطنة يعلم أن المحتكرين اللبنانيين كانوا شركاء الحكام العثمانيين، من ولاة وعسكر وموظفين حكوميين.

والحرب العالمية الأولى كان أبرز أسبابها السباق التجاري بين طريقي التجارة إلى الهند، بين خط قطار برلين بغداد الألماني العثماني وقناة السويس البريطانية.

ويقول الصليبي إن بريطانيا رعت انفصال الكويت عن ولاية البصرة العثمانية لحرمان القطار مرفأه إلى الهند، وهذا كان أحد أسباب اندلاع الحرب، التي جرّ العثمانيون المشرقيون اليها، ومضوا يجندونهم للقتال في حرب ليست حربهم.

كما استولى العثمانيون على محاصيل القمح لإطعام جيوشهم الحافية بسبب فساد ضباطها. كل هذا، ويقول حايك إن المشكلة الأكبر خلف مجاعة لبنان كانت محلية، مثل أزمة لبنان اليوم، التي يراها حايك محلية، ولا يرى أن كل دولة وصلها نفوذ إيران الإسلامية وميليشياتها تعاني من الشقاء نفسه، فيما الدول المتحالفة مع الغرب تعيش في وضع أفضل ودون اكتفاء ذاتي.

وفي ربط الماضي بالحاضر، أي محتكري الحرب الأولى مع المصرفيين الفاسدين ومحتكري البضائع في لبنان اليوم مشكلة منهجية كذلك، إذ هي تعيد التاريخ إلى وظيفة كانت مطلوبة منه في زمن ما قبل الحداثة، وهي اعتبار أن دوره هو تقديم العِبَر للتعلم من الأخطاء، وهذه مشكلة لا مجال للتوسع في نقدها هنا.

على أن المشكلة الأكبر تكمن في أن عددا كبيرا من اللبنانيين يأخذون الروايات التاريخية الخاطئة ويتبنونها كحقائق تخدم ما تتمناه أنفسهم، فيما الروايات التي تراعي المنهجية التاريخية تبقى وحيدة مع غبارها على رفوف المكاتب، وتبقى دوائر التاريخ في الجامعات اللبنانية والعربية خاوية، فيما ثرثرة اللبنانيين والعرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي حافلة.

FILE - A U.S. Marine watches a statue of Saddam Hussein being toppled in Firdaus Square in downtown Baghdad on April 9, 2003…
"حطيت في واشنطن لأول مرة في حياتي فيما كانت تتردد في رأسي هلهولة صدام اسمك هز أميركا".

يصادف هذا الشهر بدء عامي العشرين في الولايات المتحدة، وهي بلاد انتقلت إليها للمساهمة في نشر الحرية والديمقراطية في دنيا العرب. لم يأت التغيير العربي الذي كنت أحلم به، فاتخذت من أميركا وطنا لي، وأكرمتني وأكرمتها، وأحببتها، وصرتّ أحدّث بنعمتها. لكن المقال هذا ليس عن الولايات المتحدة، بل عن خيبات الأمل العربية التي عشتها مرارا وتكرارا، والتي أثرت بي ولم أؤثر بها، والتي أفقدتني كل الأمل بالتغيير والتطوير والمستقبل في المشرق العربي وعراقه.

هذه الرحلة بدأت مع سنوات نضالي الطلابي في صفوف اليسار اللبناني. كنا تعتقد أن الطغاة هم أزلام الإمبريالية، زرعتهم بيننا لقمعنا وحماية إسرائيل، وأن العراقيين أكثر الشعوب العربية المتعلمة والمثقفة، شعب المليون مهندس. كنا نردد أن الأسد يحتل لبنان بمباركة أميركية وإسرائيلية، وكنا نصرخ "أسد أسد في لبنان، أرنب أرنب في الجولان".

ثم حدث ما لم يكن في الحسبان. انقلبت أميركا على إمبرياليتها، وأطاحت بصدام، وفتحت الباب للعراقيين للبدء من نقطة الصفر لبناء دولة حرة وديمقراطية. كنت أول من آمن ببناء العراق الجديد. زرت بغداد، وحوّلت منزل العائلة إلى مكتب مجلة بالإنكليزية اسميناها "بغداد بوليتين". بعد أشهر، قتل إرهابيون أحد صحافيينا الأميركيين، فأقفلنا وهربنا. ثم عرضت علي محطة أميركية ناطقة بالعربية يموّلها الكونغرس فرصة عمل في واشنطن. مهمتي كانت المساهمة في بناء القناة العراقية لهذه المحطة. كان مقررا تسمية القناة "تلفزيون الحرية"، لكن الرأي استقرّ على اسم مرادف، فكانت "الحرة".

حطيت في واشنطن لأول مرة في حياتي فيما كانت تتردد في رأسي هلهولة "صدام اسمك هز أميركا". على عكس ما كنت أعتقد وأقراني العرب، الأميركيون لم يسمعوا، ولم يأبهوا، بالعراق، ولا بإيران، ولا بباقي منطقة المآسي المسماة شرقا أوسطا. المعنيون بالسياسة الخارجية الأميركية هم حفنة من المسؤولين والخبراء وكبار الضبّاط. 

لم يكد يمرّ عامين على انتقالي إلى واشنطن حتى قتل "حزب الله" رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري، حسب الحكم الصادر عن محكمة الأمم المتحدة. أصدقائي في لبنان ممن اتهموني بالخيانة والانتقال إلى صفوف الإمبريالية الأميركية في حرب العراق تحوّلوا وصاروا مثلي، يرون في الولايات المتحدة مخلصا من "القضية" و"المقاومة" و"الممانعة" و"التحرير" التي صارت تلتهمهم. نفس مشكلة العراق، كذلك في لبنان، كيف ينجب شعب قبلي طائفي لا يفهم معنى الحرية أو الديمراطية دولة ديمقراطية؟ 

غرقت "انتفاضة الاستقلال" اللبنانية في بحيرة من الدماء، من الحريري إلى العزيز سمير قصير وبعدهما زهاء 20 سياسيا واعلاميا وضابطا كان خاتمتهم الصديق لقمان سليم. أما القاتل، فلبناني يعمي بصيرته فكر قروسطوي وتعصب مذهبي وعشائري، ويقضي على اداركه أن المواطنية والديمقراطية في مصلحته، وأن مصائبه ومصائب لبنان سببها غياب الحرية والديمقراطية، وأنه لا يمكن للإمبريالية، ولا للسفارات الغربية، ولا لإسرائيل، أن تهتم بمصير ومستقبل لبنان وخلاصه أكثر من اللبنانيين أنفسهم .

في العام 2006، هاجم "حزب الله" إسرائيل، فاندلعت حرب، ووقف عدد كبير من اللبنانيين ضد ميليشيا "حزب الله"، ورحنا نتظاهر أمام البيت الأبيض، فما كان إلا من السوريين الأميركيين أن عيبونا واتهمونا بالخيانة، وحملوا أعلام "حزب الله" وصور نصرالله. السوريون أنفسهم عادوا فأدركوا أن نصرالله، وبشار الأسد، وأصحاب القضية لا يقاتلون لحمايتهم، بل للبقاء متسلطين عليهم. بعد اندلاع ثورة سوريا في 2011، انقلب هؤلاء السوريون أنفسهم، مثل العراقيين واللبنانيين قبلهم، من قوميين عرب صناديد الى أعداء العروبة ومؤيدي الإمبريالية والغرب والديمقراطية.

وحدها غالبية من الفلسطينيين لم تدرك أن كل أرباب القضية والتحرير والمقاومة هم مقاولون منافقون. هللت غالبية من الفلسطينية لصدام، ولاتزال تهلل للأسد وقاسم سليماني وعلي خامنئي. لم يدرك الفلسطينيون ما فهمناه أنا وأصدقاء من العراقيين واللبنانيين والسوريين: إسرائيل شمّاعة يعلّق عليها العرب فشلهم في إقامة دول. لا توجد مؤسسات عربية من أي نوع أو حجم قادرة على العمل بشفافية أو يمكن الإشارة اليها كنموذج عمل مؤسساتي. كل نقيب في لبنان أورث النقابة لولده، وكل رئيس ناد رياضي فعل الشيء نفسه. حتى المفتي الجعفري الممتاز في لبنان أورث منصبه إلى ابنه. ثم يقولون لك إسرائيل وسفارة أميركا والإمبريالية.

قبل ستة أعوام، بعد مرور أعوام على استقالتي من الحرة وانقطاعي عنها، تسلّم رئاسة القناة أميركي مثقف من الطراز الرفيع، فقلب المحطة رأسا على عقب، وطوّر موقعها على الإنترنت، وقدم الفرصة لكتّاب مثلي للنشر أسبوعيا. 

على مدى الأسابيع الـ 290 الماضية، لم أنقطع عن الكتابة أو النشر ولا أسبوع. مقالاتي تمحورت حول شرح معنى الحرية والديمقراطية وأهميتهما، وأهمية أفكار الحداثة وعصر الأنوار الأوروبي، والإضاءة على التاريخ الغني للعرب، والتشديد على ضرورة التوصل لسلام عربي فوري وغير مشروط مع إسرائيل. ناقشت في التاريخ، والأفلام العربية والمسلسلات، والسياسة والاجتماع. رثيت أصدقاء اغتالتهم أيادي الظلام في بيروت وبغداد. 

بعد 20 عاما على انخراطي في محاولة نشر الحرية والديمقراطية والسلام، أطوي اليوم صفحة تجربتي مع الحرة، في وقت تضاعف يأسي وتعاظم احباطي، وتراجعت كل زاوية في العالم العربي على كل صعيد وبكل مقياس، باستثناء الإمارات والسعودية والبحرين. حتى أن بعض الدول العربية انهارت بالكامل وصارت أشباه دول، بل دول فاشلة ومارقة يعيش ناسها من قلّة الموت.

لن تأتي القوة الأميركية مجددا لنشر الحرية أو الديمقراطية بين العرب. تجربتها بعد حرب العراق ومع الربيع العربي علّمتها أن لا فائدة من محاولة تحسين وضع شعب تغرق غالبيته في نظريات المؤامرة، وتتمسك بتقاليد قرسطوية تمنع تطور ثقافة الديمقراطية لبناء دولة حديثة عليها.

اليوم، أترجّل عن مسرح الحرة. سأواصل سعيي لنشر مبادئ الحرية والديمقراطية عبر مواقع أخرى، في مقالات ودراسات وتغريدات وغيرها، لكن رهاني على التغيير انتهى. المحاولات ستتواصل حتى لو بلا جدوى، عسى ولعل أن يسمع الصوت من يسمعه.