A handout picture provided by the Lebanese photo agency Dalati and Nohra on September 13, 2021 shows Lebanon's Minister of…
جورج قرداحي

قدّم وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، في الجزئية اليمنية من مواقفه الداعمة لـ"محور الممانعة"، "خدمة ذهبية" للمملكة العربية السعودية التي كانت تتعرّض، على مدى السنة الأخيرة، لضغوط عربية ودولية من أجل أن تعيد النظر في "سياسة الإهمال" التي بدأت اعتمادها، تدريجياً، منذ العام 2017، تجاه لبنان. 

كان الجميع قبل بثّ البرنامج الحواري الذي أطلق فيه قرداحي مواقفه "الإستراتيجية" الداعمة لعمليات تنظيم "أنصار الله" اليمني، يحثّون السعودية على إعادة الإنخراط في الساحة اللبنانية. فرنسا بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، فعلت هذا. مصر ومعها الإمارات العربية المتّحدة والكويت، أيضاً. 

وقد ارتفعت وتيرة الحثّ هذه، بعد تشكيل الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي الذي راح يُكثر من الكلام المعسول تجاه الرياض. 

لكنّ القيادة السعودية لم تحرّك ساكناً. تجاهلت كلّياً تشكيل الحكومة. قراءتها للوقائع اللبنانية مختلفة تماماً عن قراءة شركائها الإقليميين والدوليين. هي مقتنعة تمام الاقتناع بأن ما من شخصية يمكن أن تصل إلى أيّ منصب في لبنان، إذا لم تكن تخدم مشروع "حزب الله" الذي تصنّفه في خانة التنظيمات الإرهابية، أو على الأقل، إذا لم تكن أعجز من أن تؤثّر سلباً على هذا المشروع. 

في حمأة هذا "النزاع" السعودي-الإقليمي-الدولي خرجت مواقف وزير الإعلام إلى الضوء، لتُعطي الرياض دليلاً على وجوب تمسّكها بمقارباتها للوقائع اللبنانية، وتالياً لتزيدها اقتناعاً ب"سياسة الإهمال" المعتمدة. 

لم تُعِر السعودية أيّ اهتمام للتوضيحات الصادرة في بيروت التي تمحورت حول أنّ كلام قرداحي لا يمثّل الحكومة وهو أصلاً جرى تسجيله قبل شهر وخمسة أيّام من تعيينه في الحكومة التي تعهّد بأن يحترم بيانها الوزاري. 

هذه التوضيحات لا تغيّر في واقع الحال، بل العكس هو الصحيح، إذ إنّ قرداحي أعطى الدليل على أنّ "الإختصاصيين" الذين جرى اختيارهم، بدقة ليشغلوا مناصب وزارية إنّما جيء بهم من مجموعات إمّا توالي "حزب الله" وسياساته الإقليمية أو لم تُسجّل لهم، في تاريخها الحديث، مواقف أو سلوكيات يمكن أن تثير حفيظة "حزب الله". 

وبالفعل، فإنّ التدقيق في تاريخ الأكثرية الساحقة من الوزراء لا يسمح بأيّ شذوذ عن هذه القاعدة التي تجعل من جورج قرداحي "فضيحة" حكومية لبنانية. 

إنّ محاولة قرداحي وضع المواقف التي أطلقها في خانة حرية التعبير لا تستقيم، فاختيار الوزراء، يتم على أساس آرائهم وقناعاتهم، وتالياً فإنّ إيجاد فوارق بين الآراء من جهة والتوزير من جهة أخرى، هو "ضحك على العقول". 

وهذه القاعدة لا يتم إملاؤها على لبنان، كما يزعم "سياديو إيران"، بل هي قاعدة معتمدة، حتى في أعرق الديموقراطيات، حيث يمكن حتى لتصريح قديم جداً منسوب الى وزير أو مرشّح للوزارة أن يطيح به، إذا جاء مناهضاً للسياسة التي تتعهّد بها الحكومة التي ينتمي إليها.  

لا أحد يمكن أن يعترض على حق أيّ كان في الإعراب عن قناعاته، مهما كان شكلها أو وجهتها، ولكن هذه المواقف تصبح محورية، عندما يصبح مطلقها في موقع مسؤول، لأنّها، حينئذ، يمكن أن تعكس حقيقة سياسية "مضمرة"، تتناقض مع الشعارات السياسية المعلنة، لأنّ اختيار الوزراء يتم على قاعدة "ما هم عليه" وليس على قاعدة "ما سيكونون عليه". 

لقد سبق أن أطلق قرداحي، قبل أن يصبح وزيراً، مواقف كثيرة، إعتبرها معارضوها "مقيتة" لكنّها لم تُحدث أيّ ضجّة سياسية أو أيّ استياء دبلوماسي، ولكنّ هذه المواقف أصبحت ذات "قيمة دليلية"، بمجرّد أن جرى تعيين مطلقها وزيراً في الحكومة. 

إنّ حكومة تزعم أنّها تريد العمل لجسر الهوة التي أبعدت دول مجلس التعاون الخليجي عموماً والمملكة العربية خصوصاً عن لبنان، يستحيل أن تضع في قائمتها شخصيات تملك توجّهات مسؤولة عن حفر هذه الهوّة، مثل جورج قرداحي. 

إنّ قرداحي، بالمواقف الملتصقة به، يصلح أن يكون وزير إعلام في حكومة تسعى الى "مواجهة"، وليس في حكومة تتطلّع الى "مصالحة". 

لقد أبعد الثنائي "حزب الله"-"التيار الوطني الحر" شخصيات كثيرة كانت مرشّحة للتوزير، لأنّ "تاريخها" لا يطمئنه، وتالياً فإنّ "ملف" جورج قرداحي مرّ "على الرقابة" وحصل على الموافقة، وعليه لا يمكن أن تعثر في هذه الحكومة على وزير له في "الأرشيف" مواقف لمصحلة الفريق الذي يناهضه الفريق الذي أتى قرداحي الى الحكومة من صفوفه. 

وهكذا تحوّل وزير الإعلام في الحكومة اللبنانية إلى عنوان جديد لعائق جديد يمنع انطلاق أيّ بحث في إعادة العلاقات اللبنانية-الخليجية الى طبيعتها. وحدها إقالة قرداحي يمكن أن تُعيد الحياة الى المساعي الإقليمية-الدولية في المملكة العربية السعودية، وتُعطي مواقف ميقاتي "العسلية" قيمة عملية، خصوصاً مع تراكم الأدلّة على أنّ لسانه "الإيجابي" لا يستّر تنازلاته "السلبية". 

مساع كانت صعبة قبل "اكتشاف" كامل "منظومة" مواقف وزير الإعلام، وهي، باستمراريته، أصبحت مستحيلة. 

إنّ لبنان في كارثة حقيقية. هو أضعف من أن يحل مشكلة توفير الطاقة الكهربائية، وأفقر من أن يوفّر رغيف خبز لجائع، وعلبة دواء لمريض، وصفيحة بنزين لعامل، وأعجز من أن يحمي حقوق ضحايا انفجار مرفأ بيروت من "العبث السياسي"، ويحول دون تكرار المشاهد المخيفة لأحداث الطيونة، ويتمكّن من رفع القمامة-على مختلف أنواعها-من الطرق، ومع ذلك  تجد فيه حزباً يتحدّث عن امتلاكه مائة ألف مقاتل، وناهبي مال الشعب الذين لا تكشفهم سوى وزارة الخزانة الأميركية بعد أن يكونوا قد ملأوا الفضاء صراخاً إصلاحياً، كما هي عليه حال النائب بفضل "حزب الله" جميل السيّد، وسلطة تختار أمثال جورج قرداحي وزيراً في حكومة تزعم أنّها جاءت للإنقاذ، وتتمسّك به، على الرغم من ثبوت ضرره. 

إنّ الاستسلام لتمسّك "حزب الله" بجورج قرداحي وزيراً، لن يقض مضاجع السعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجي، ولكنّه، بالتأكيد، سوف يعمّق الهوة التي جرى دفع اللبنانيين إليها، لأنّه سيكون دليلاً إضافياً على أنّ لبنان سقط كلّياً تحت سطوة "حزب الله" وتالياً يستحيل إنقاذه قبل "تحريره". 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.