محمد أبو تريكة - مجتمع الميم - مباراة كرة قدم - نيجيريا - منخب مصر
"لديك في منظومتك ما يكفيك لتتعامل معه يا سيد أبو تريكة، الله يرضى عليك"

ما علاقتك أنت بموقف حقوقي إنساني في مجتمع لا تنتمي له؟ تعليقك يا سيد أبو تريكة هو خطاب كراهية، وهو لا علاقة له بقيم أو أخلاق أو مبادئ، ذلك أن القيم والأخلاق والمبادئ ليست حصرية عليك وثقافتك ومجتمعك، أنت لا تحددها للبشرية كلها ولا تملك فرضها على العالم أجمع. 
 
فكما أن لك منظومتك الأخلاقية لغيرك منظومتهم الأخلاقية التي قد تتضارب مع منظومتك وتتناقض معها، إما تعيش بسلام مع بقية العالم أو تعيش في صراع محاولاً أن تفرض أخلاقك على الآخرين، وهذه معركة خاسرة بكل تأكيد.
 
وليست الدعوة هنا، حتى يكون الكلام واضحاً، هو لأن تغير أنت نظرتك تجاه الفئات الجندرية المختلفة أو أن تؤمن بأخلاقية وصحية ممارساتها، ليس هذا المطلوب وليس عكسه كراهية.
 
أي أن عدم تأييدك لاختيارات الناس الخاصة أو لأسلوب معيشتهم أو لهوياتهم الجندرية أو العرقية أو الدينية أو الاجتماعية، ليس تحديداً هو الكراهية، قد يكون ضيق أفق أو جهلاً أوعدم إلمام بالجانب الديني أو العلمي أو الثقافي للموضوع، لكنه ليس كراهية بالمعنى الكامل.
 
متى تتحقق الكراهية؟ حين تخرج أنت في برنامج رياضي لا ناقة له ولا بعير في القضايا الثقافية الجندرية لتستعرض عضلات رأيك حول موضوع اجتماعي إنساني مطروح في مجتمع غير مجتمعك، والقائمين عليه أناس ليسوا أناسك، وما يحركه هو منظومة أخلاقية مغايرة لمنظومتك، فمالك أنت وبأي حق تملي على مجتمع آخر بأكلمه فرضياتك الأخلاقية؟ وبأي حق تفرض على مجتمعك كاملاً، والذي قد لا يتفق جله مع معاييرك الأخلاقية والقيمية، هكذا مقاطعة؟ ومن أي منطلق وبأي منطق تفرض على قنوات رياضية مستفيدة من البث مقاطعة هؤلاء الفرق والأشخاص بسبب اختياراتهم الشخصية ومواقفهم الحقوقية؟
 
لديك في منظومتك ما يكفيك لتتعامل معه يا سيد أبو تريكة، الله يرضى عليك. ابق في منطقتك فهي ملغمة ولا تفتح عليك باباً لن تستطيع إغلاقه. 
 
هل تعدد الزوجات وزواج الصغيرات وملك اليمين ونعت غير المسلمين بالكفار وغيرها من الممارسات الشائعة والقادمة من قلب المنظومة الأخلاقية العربية المتأثرة ببعض القراءات الإسلامية، لا لب الدين الإسلامي، لطيفة مثلا؟ 
 
وهل يستطيع لاعب ما أن يخرج محتجاً على منظومتكم الأخلاقية (سواءً أعلنتم تأييدها أو مارستموها خفاءً) رافضاً التعامل معكم أو بث مبارياتكم قبل تطهير ساحة لاعبيكم وكتم صوت منظومتكم الأخلاقية؟ 
 
هؤلاء أفراد يعيشون في المستقبل بالنسبة لنا، علومهم ومنظومتهم الحقوقية (لا السياسية بالطبع) واتساع دائرة الاستحقاق الإنسانية عندهم أكبر من استيعابنا وتصورنا.
 
هل اطلعت على العلوم والأبحاث التي تتكلم عن التعدد الجندري والتي تسائل أصلاً صحة تقسيم الجنس البشري إلى ذكر وأنثى مثلاً؟ أم أن ذكر مثل هذه الأبحاث والدراسات بحد ذاتها تشكل صدمة بالنسبة لك؟ ليس فرضاً عليك أن تؤمن بمنظومتهم ولا علومهم ولا مساحاتهم الحقوقية والحرياتية، كل المطلوب هو أن تتركهم لشأنهم، لدينا في الداخل العربي ما يكفي من الأقليات ومن كل التصنيفات التي تستطيع حضرتك نقدها وضربها واضطهادها.
 
لماذا تتدخل في نشاط حقوقي أبعد من علمك ومتناقض ومنظومتك؟ الناس تحترم رفضك وتحريمك واستحرامك وحتى كراهيتك، أنت حر، لكن أحداً عند الغرب "الكافر" لن يقبل ترويج هذه الكراهية وتشجيع الناس على عزل وعدم قبول الآخرين على أساس أي هوية كانت: جندرية، إثنية، دينية أو غيرها. 
 
ثم أن حجة "ماذا نقول لأبنائنا" ماعت وذهب طعمها وأصبحت، ونحن نسمعها، كأننا نسمعك تعلك مطاطاً بين فكيك. التلفزيون غير مسؤول عن تربية أبنائك، والدولة برمتها غير مسؤولة عن تربية أبنائك، وفي كل الشوارع العربية، بما فيها المصري، أحداث ومشاهد تخرب أجيال بأكملها، إلا إذا حضرتك تنقل أبناءك بالهليكوبتر حتى لا يتعرضوا لما يسوؤهم ويسوؤك. 
 
منظر أطفال الشوارع والشحاذين والمشردين، منظر الخناقات اليومية والمتحرشين، مناظر القمامة المتناثرة والعشوائيات المرعبة، إلى غيرها من المناظر التي تملأ الشوارع العربية، يفترض أن ترعبك على أخلاقيات الأبناء أكثر ألف مرة من شريطة ملونة على يد أو معقوفة في حذاء رياضة.
 
هل يا ترى تمنع الأبناء من مشاهدة فيلم فيه شرب خمر أو زيارة لكنيسة أو غيرها من التصرفات الخارجة عن منظومتك الأخلاقية؟ هل تحظر عليهم التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي المبنية أصلاً على فكرة حريات ممتدة لا نهائية، تذهب إلى أبعد من خيالك العربي المحصور بالمحاذير والمحرمات والخطوط الحمر؟ 
 
حضرتك تربي أبناءك وتزرع فيهم منظومتك وقيمك لتكون قادرة على الصمود حتى حين تغيب أنت بممنوعاتك وتوجيهاتك، أو هكذا يفترض للوضع أن يكون، ذلك أنك لن تقص العالم من "بترون" على مقاس قيمك وأخلاقك، كل ما تملك هو أن تحصن أبناءك بإقناعهم بارتداء ثوب أخلاقي من صنعك وعلى مقاسك يحتمون به أياً كانوا وحيثما ذهبوا، ويا حبذا لو ارتدوه "بشياكة" بلا كراهية وإقصاء وعنف للآخر.
 
"هم على خطأ يحتمل الصواب وأنت على صواب يحتمل الخطأ"، لربما تزرع ذلك في صغارك حتى يستطيعوا أن يتعايشوا في دنيا تكبر وتتسع وتتلون وتتغير كل يوم. لا تشعرهم بالغربة عن بقية البشر وإن اختلفوا عنهم، هذه أكبر خطيئة نرتكبها بحق الأبناء.
 
لا داع لبث الكراهية تجاه الآخر، يكفي جداً رفض أسلوب حياته والخروج خارج منظومته القيمية والتعايش بجانبها وبمنحى عنها وبسلام. 
 
لا قدر الله أن يحيى الإنسان في هذا الشرق الأوسط بوجهه الحقيقي وبأسلوب حياتيّ من اختياره، لابد لنا كلنا أن نلبس أقنعة طوال الوقت، ولا أتصور للحظة أنك بحد ذاتك تستطيع أن تنكر قناعك أياً كان نوعه. ولكن يبقى أن ارتداء القناع من إزالته اختيار حياتيّ كذلك، قد يسهل الحياة علينا جميعاً في محيطنا القاسي الجاف.
 
ويا سيدي لما يبقوا ييجوا هؤلاء يلعبوا في ملاعب مصر إبقى امنعهم واشرط عليهم أن يطولوا الشورتات حسب القياس الشرعي وأن يغضوا النظر في الملعب.
 
إذا أتوك إلى عقر دارك، افرض منظومتك عليهم وعلى بقية أهل بلدك والعالم العربي كله، فهي أصلاً منطقة "متعودا" بلسان عادل إمام. ولكن وفي خضم ذلك لا تنسى أن دولتك بأكملها تتعامل اليوم سياسياً واقتصادياً مع دول أخرى يقودها أناس، من خلال مراكز سياسية حساسة، متعددي الهويات الجنسية، أم أنك ستطلب من مصر قطع العلاقات الدبلوماسية خشية على أخلاق النشء الله يحفظهم؟ 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.