استمرار حملات تشويه الحركات النسوية في العالم العربي
استمرار حملات تشويه الحركات النسوية في العالم العربي

في ندوة عقدت على "تويتر سبيس" منذ أيام والتي تحدث فيها دكتور من كلية الشريعة في جامعة الكويت حول خطورة الفكر النسوي على المجتمع، وردت بعض الأطروحات الخارجة ليس فقط خارج إطار الزمان فكرياً، ولكن حتى تعبيرياً كذلك. فعلى الرغم من أن معظم الأديان تطورت خطاباتها بما يناسب العصر ومنطقه وقابلية جمهوره لتلقي ما يقال، إلا أن الملاحظ أن "خطابيي" الدين الإسلامي المحافظين لا يغيرون شيئاً لا من فكرهم ولا حتى من طريقة طرحه، ذات التخويف الممجوج بضياع الهوية المحافِظة وذات التهديد المستهلك بهدم المجتمع، وخصوصاً إذا كان الموضوع يخص المرأة.  

كل ما ورد على لسان الدكتور كان قديم فعلاً، شكلاً وموضوعاً، وذلك بخلاف إشكالياته الحقوقية والعلمية والاجتماعية والفلسفية. طبعاً، كان لعملية ضرب المجتمع الغربي بذات المعاول القديمة نصيب الأسد من الحوار، جمل تبدو وكأنها قادمة من تلفزيون ثمانينيات القرن الماضي، حين لم تكن هناك سوى هذه القناة وذلك البرنامج وهذا المتحدث المتشنج الغريب. تحدث الدكتور عن المجتمعات الغربية مفككة الأسر حتى أنها مجتمعات اضطرت لخلق محاضن يلجأ لها الأبناء، بل هي مجتمعات اضطرت لتعيين أيام احتفالية للأم والأب والطفل نظراً لشدة تفكك وضياع الأسر. هذا الخطاب القديم الذي يحاول باستمرار شيطنة المجتمعات الغربية لم يتخل حتى عن سذاجة أسلوب الشيطنة، هذا الأسلوب الذي يعتمد تضخيم أسوء ما في الثقافة المضادة، تسفيه حتى الجوانب الإنسانية والرحيمة فيها، وتجاهل الجوانب الإيجابية التقدمية العظيمة التي تتعدى في عظمتها إيجابيات ثقافاتنا بسنوات ضوئية.  

وفي محاولته لإعلاء قيمة المرأة، وقع الدكتور في عدد من المطبات الحقوقية وفي بعض الثغرات التمييزية شديدة الغرابة. أشار الدكتور مثلاً إلى أن المرأة لا تستطيع أن تعمل في "مهن دنيئة" مثل قيادة سيارات الزبائل حسب تعبيره وذلك تأكيداً على الفروق البيولوجية بين الرجل والمرأة وأتصور في محاولة منه لرفع قيمة الأخيرة. لكن السؤال يلح هنا، وما مشكلة مهنة قيادة سيارات القمامة؟ لم يراها الدكتور مهنة دنيئة وما ذنب العاملين فيها؟ ولماذا يرى الدكتور صعوبة على المرأة في قيادتها إذا كانت اليوم تقود السيارة والقطار والطائرة كذلك؟ وإذا كانت مهنة تنظيف شوارع البلد دنيئة، فلماذا يوكل للمرأة تنظيف البيت؟ إذا كان التنظيف مهنة دنيئة وهي موكلة للرجال فقط لسبب ما، فالأولى بهم تنظيف بيوتهم ورفع هذه الدناءة عن أكتاف زوجاتهم طبقاً لهذا المنطق الغريب. 

أما حين تحدث الدكتور عن الحركة النسوية بحد ذاتها، فقد أبدع في الغرابة بشكل غير مسبوق. تجاهل الدكتور، عن قصد أو دونه، البدايات الغائرة في القِدم للحركة النسوية وكذلك تعدداتها الثقافية واختلاف منهجياتها الاجتماعية، ليتجه بعدها مباشرة لأسلوب "إلى يحب النبي يضرب" حيث أخذ يشوح بكلماته يميناً يساراً في سردية غريبة عصابية المنحى. يقول الدكتور أن النسوية تسعى لإلغاء الأُسر التقليدية وتبديلها بالأسرة الذكورية والأسرة الأنثوية ولذلك، هو يقول، هناك هذا "التلازم في العلاقة بين الشذوذ والنسوية".  يتهم الدكتور النسوية بفتح أبواب المتع والدفع بالتعدد العلاقاتي وبكراهية الرجال ولذلك فهي تشجع على سد الشهوة بالعلاقة الأنثوية المثلية. يشير الدكتور إلى علاقة ما للنسوية بالرأسمالية، إلى تحريضها ضد تكوين الأسر، بل وإلى معاداة الحمل والولادة، إلى التسويق لتأجير الأرحام (لا أدري كيف يتسق ذلك ومعاداة الحمل والولادة). ثم كان هناك ذكر لتورط القصة المسيحية لآدم وحواء في عملية ازدراء المرأة، ثم ظهر نيتشه وهيجل فجأة في الحديث، وتلتهم سيمون دي بوفوار ليمطرها الدكتور بوابل من الاتهامات أغربها أنها كانت تحتقر النساء، ليختم بأن الحركة النسوية كلها أصلاً تحتقر النساء لأنها تطالب بمساواتهم بالرجل. كنت أنتظر فقط أن يشير إلى صهيونية الحركة ونازيتها وتحالفها السري مع الماسونية حتى تكتمل الصورة السيرالية المريضة تلك. 

لقد تعدى خطاب الدكتور الغرابة والتآمر والادعاء وصولاً إلى الجهل العميق بطبيعة وتدرج وتموجات الفكر النسوي، إلى تجاهل التنوعات الثقافية للحركة ومحاولاتها المستمرة لإصلاح خطاباتها كأي حركة إنسانية حقوقية. مثلاً، انتهت تماماً اليوم مطالبات الموجة الأولى بالمساواة بالرجل، نظراً لرفض الحركة النسوية اعتبار الرجل مقياساً للحقوق لتأخذ الإنسانية اليوم هذا الموقع المهم، كما وأن حدة الموجة الثانية التي حاكمت المرأة بقسوة تم نقدها بشدة وتخطيهاً لتصبح الموجة الثالثة أكثر تفهماً وإنسانية، بل وشمولية للثقافات النسائية المختلفة. لم يفرق الدكتور بين الكتابة النقدية التنظيرية وبين الكتابة التوجيهية والتطبيق على أرض الواقع، حيث دائماً ما يذهب التنظير ليخوض في أفكار عميقة وبعيدة وأحياناً غير قابلة للتطبيق المباشر، وهذا صحيح في كل الأفكار والأيديولوجيات بما فيها ولربما على رأسها الإسلامي منه. هناك أبحاث اليوم تعالج مثلاً الفكرة العامة للتقسيم البشري لذكور وإناث، وهي أبحاث بيولوجية وعلم اجتماعية ونسوية، لكنها أبحاث تنظيرية، تدرس في المجال الأكاديمي ولا تطبق بمباشرة وجفاف علميتها على الشارع مطلقاً. الدكتور في خطابه خلط الحابل بالنابل بطريقة توحي أولاً بتقصده تشويه صورة الحراك وثانياً باطلاعه الضحل التصفحي السريع على الفكر الجندري والنسوي. هذا ولكلمة جندر قصة أخرى لطيفة عند مدير الندوة الأكاديمي هو الآخر، حيث يراه هو على أنه "إحدى المعاول التي تهدم الأخلاق" وأنه "مسمى مشترك"، وهي جمل لا أفهم لها معنى من حيث إن جندر هي كلمة تشير للتصنيف المجتمعي لا البيولوجي وحالياً هي توسعت لتشير لتصنيفات بشرية جديدة. لقد أتى معظم الكلام ليكون خارج نطاق أي شيء معروف ومنظر له نسوياً حتى أنه من الصعب فعلياً فهمه أو التعامل معه.  

لقد كان من المعيب حقاً الإشارة للفكر النسوي الذي أنقذ حيوات الملايين من النساء وحقق مكاسب إنسانية عظيمة ليس فقط لهن ولكن للعديد من الأقليات المقموعة الأخرى من حيث مبادئه وجهود ناشطاته ونشطائه، على أنه فكر ابتذالي استمتاعي رخيص، ليس فقط لفحش هذا الادعاء على هذه الحركة الإنسانية العظيمة ولكن لما يحتويه هذا الكلام من قذف في حق العديد من النساء العربيات المسلمات وغير المسلمات وامتهان لكرامتهن ومساس بسمعتهن. ترى كيف تكون أستاذ شريعة وتستطيع أن تعمم هكذا امتهان للكرامة ومساس بالسمعة والشرف على جموع من النساء؟ هذا بخلاف الأخطاء الفادحة في إشارات إرباكية للقارئ، كإشارة الدكتور للأسر الذكورية والأنثوية، وأتصوره يعني Matriarchal وPatriarchal والتي هي مصطلحات تشير لمعنى قائم وقديم ومختلف تماماً عن الأسر المثلية. 

ويبقى أن نبشركم أن الدكتور يقول إن حالات التعنيف عندنا في مجتمعاتنا هي حالات شاذة ولا نملك عليها إحصائيات، ليس لصعوبة التبليغ ولفضائيحة محاولة الكلام وللوضع التهديدي الذي يمكن أن تعيشه المبلغة بعدها ولعدم توافر دور رعاية للمعنفات، لا، ليس لكل ذلك، لكن لأنه ليس لدينا تعنيف كظاهرة أصلاً. أما إذا "سايرنا" النسوية، فطبقاً لكلام الدكتور، كل هذه المصائب ستحدث عندنا: سيقع عندنا تعنيف للنساء (المحميات الآمنات الآن)، ستحدث حالة من الانحلال الأخلاقي العام حيث سيتراكض الناس بجنون في الشوارع إرضاءاً لشهواتهم، ستتوقف النساء عن الحمل والولادة وستجهض كلهن أجنتهن وسيتحول الجميع لتأجير الأرحام، ستقود النساء سيارات المزابل، سيتحول الزوج لمجرد "حصالة نقود" حسب تعبير الدكتور مهمته فقط الانفاق على المرأة (رغم أن أحد أهم مبادئ النسوية هي الاستقلال المادي)، وستنتهي الأسر تماماً ويتحول الكل للمثلية (الدكتور يقول أن كراهية النسوية للرجال دفعت بالمثلية بين النساء، طيب وما دفع بها بين الرجال؟ كراهيتهم للنساء في حركة رجولية خفية مثلاً؟). 

النسوية حركة بشرية في النهاية، لها ما لها وعليها من النقد المستحق ما عليها، وهي تحتاج أن تصحح مساراتها مثل كل فكر بشري باستمرار، لكن هذه الخيالات التي لم ترد حتى في أفضل أفلام دستوبيا الخيال العلمي تحتاج لوقفة. لا بأس بالصراع الفكري، وجميل النقد مهما قسى من الآخر ومن الذات، فبلاه لا يوجد تصحيح مسار، أما هذا الضرب الأهوج بكل سلاح وبأي ادعاء وبخدش يصل حد قذف النساء المهتمات والفاعلات في هذا الفكر، فهذا موضوع آخر، موضوع يستدعي مساءلة مواءمة الدكتور للأخلاق التي يحاول أن يدافع عنها والأسلوب الذي ينتهجه. الغاية مهما بلغ سموها عندك يا دكتور لا يمكن أن تبرر هكذا وسيلة. للحرب الفكرية ميثاق شرف، عند تعديه تتحول هذه الحرب من مناظرة فكرية إلى معركة سفك كرامات واستحلال سمعات وشرف الناس. يمكنك أن تنقد الكثير من التوجهات النسوية على مدى موجاتها الأربع وتداخلاً مع الموجات العربية وغيرها من الموجات الثقافية حول العالم دون هكذا تداخلات عشوائية وربط لامنطقي وقذف وإساءات للمعنيات بالحراك. يفترض أنك "حاميها" يا دكتور، "حاميها". 

FILE - A U.S. Marine watches a statue of Saddam Hussein being toppled in Firdaus Square in downtown Baghdad on April 9, 2003…
"حطيت في واشنطن لأول مرة في حياتي فيما كانت تتردد في رأسي هلهولة صدام اسمك هز أميركا".

يصادف هذا الشهر بدء عامي العشرين في الولايات المتحدة، وهي بلاد انتقلت إليها للمساهمة في نشر الحرية والديمقراطية في دنيا العرب. لم يأت التغيير العربي الذي كنت أحلم به، فاتخذت من أميركا وطنا لي، وأكرمتني وأكرمتها، وأحببتها، وصرتّ أحدّث بنعمتها. لكن المقال هذا ليس عن الولايات المتحدة، بل عن خيبات الأمل العربية التي عشتها مرارا وتكرارا، والتي أثرت بي ولم أؤثر بها، والتي أفقدتني كل الأمل بالتغيير والتطوير والمستقبل في المشرق العربي وعراقه.

هذه الرحلة بدأت مع سنوات نضالي الطلابي في صفوف اليسار اللبناني. كنا تعتقد أن الطغاة هم أزلام الإمبريالية، زرعتهم بيننا لقمعنا وحماية إسرائيل، وأن العراقيين أكثر الشعوب العربية المتعلمة والمثقفة، شعب المليون مهندس. كنا نردد أن الأسد يحتل لبنان بمباركة أميركية وإسرائيلية، وكنا نصرخ "أسد أسد في لبنان، أرنب أرنب في الجولان".

ثم حدث ما لم يكن في الحسبان. انقلبت أميركا على إمبرياليتها، وأطاحت بصدام، وفتحت الباب للعراقيين للبدء من نقطة الصفر لبناء دولة حرة وديمقراطية. كنت أول من آمن ببناء العراق الجديد. زرت بغداد، وحوّلت منزل العائلة إلى مكتب مجلة بالإنكليزية اسميناها "بغداد بوليتين". بعد أشهر، قتل إرهابيون أحد صحافيينا الأميركيين، فأقفلنا وهربنا. ثم عرضت علي محطة أميركية ناطقة بالعربية يموّلها الكونغرس فرصة عمل في واشنطن. مهمتي كانت المساهمة في بناء القناة العراقية لهذه المحطة. كان مقررا تسمية القناة "تلفزيون الحرية"، لكن الرأي استقرّ على اسم مرادف، فكانت "الحرة".

حطيت في واشنطن لأول مرة في حياتي فيما كانت تتردد في رأسي هلهولة "صدام اسمك هز أميركا". على عكس ما كنت أعتقد وأقراني العرب، الأميركيون لم يسمعوا، ولم يأبهوا، بالعراق، ولا بإيران، ولا بباقي منطقة المآسي المسماة شرقا أوسطا. المعنيون بالسياسة الخارجية الأميركية هم حفنة من المسؤولين والخبراء وكبار الضبّاط. 

لم يكد يمرّ عامين على انتقالي إلى واشنطن حتى قتل "حزب الله" رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري، حسب الحكم الصادر عن محكمة الأمم المتحدة. أصدقائي في لبنان ممن اتهموني بالخيانة والانتقال إلى صفوف الإمبريالية الأميركية في حرب العراق تحوّلوا وصاروا مثلي، يرون في الولايات المتحدة مخلصا من "القضية" و"المقاومة" و"الممانعة" و"التحرير" التي صارت تلتهمهم. نفس مشكلة العراق، كذلك في لبنان، كيف ينجب شعب قبلي طائفي لا يفهم معنى الحرية أو الديمراطية دولة ديمقراطية؟ 

غرقت "انتفاضة الاستقلال" اللبنانية في بحيرة من الدماء، من الحريري إلى العزيز سمير قصير وبعدهما زهاء 20 سياسيا واعلاميا وضابطا كان خاتمتهم الصديق لقمان سليم. أما القاتل، فلبناني يعمي بصيرته فكر قروسطوي وتعصب مذهبي وعشائري، ويقضي على اداركه أن المواطنية والديمقراطية في مصلحته، وأن مصائبه ومصائب لبنان سببها غياب الحرية والديمقراطية، وأنه لا يمكن للإمبريالية، ولا للسفارات الغربية، ولا لإسرائيل، أن تهتم بمصير ومستقبل لبنان وخلاصه أكثر من اللبنانيين أنفسهم .

في العام 2006، هاجم "حزب الله" إسرائيل، فاندلعت حرب، ووقف عدد كبير من اللبنانيين ضد ميليشيا "حزب الله"، ورحنا نتظاهر أمام البيت الأبيض، فما كان إلا من السوريين الأميركيين أن عيبونا واتهمونا بالخيانة، وحملوا أعلام "حزب الله" وصور نصرالله. السوريون أنفسهم عادوا فأدركوا أن نصرالله، وبشار الأسد، وأصحاب القضية لا يقاتلون لحمايتهم، بل للبقاء متسلطين عليهم. بعد اندلاع ثورة سوريا في 2011، انقلب هؤلاء السوريون أنفسهم، مثل العراقيين واللبنانيين قبلهم، من قوميين عرب صناديد الى أعداء العروبة ومؤيدي الإمبريالية والغرب والديمقراطية.

وحدها غالبية من الفلسطينيين لم تدرك أن كل أرباب القضية والتحرير والمقاومة هم مقاولون منافقون. هللت غالبية من الفلسطينية لصدام، ولاتزال تهلل للأسد وقاسم سليماني وعلي خامنئي. لم يدرك الفلسطينيون ما فهمناه أنا وأصدقاء من العراقيين واللبنانيين والسوريين: إسرائيل شمّاعة يعلّق عليها العرب فشلهم في إقامة دول. لا توجد مؤسسات عربية من أي نوع أو حجم قادرة على العمل بشفافية أو يمكن الإشارة اليها كنموذج عمل مؤسساتي. كل نقيب في لبنان أورث النقابة لولده، وكل رئيس ناد رياضي فعل الشيء نفسه. حتى المفتي الجعفري الممتاز في لبنان أورث منصبه إلى ابنه. ثم يقولون لك إسرائيل وسفارة أميركا والإمبريالية.

قبل ستة أعوام، بعد مرور أعوام على استقالتي من الحرة وانقطاعي عنها، تسلّم رئاسة القناة أميركي مثقف من الطراز الرفيع، فقلب المحطة رأسا على عقب، وطوّر موقعها على الإنترنت، وقدم الفرصة لكتّاب مثلي للنشر أسبوعيا. 

على مدى الأسابيع الـ 290 الماضية، لم أنقطع عن الكتابة أو النشر ولا أسبوع. مقالاتي تمحورت حول شرح معنى الحرية والديمقراطية وأهميتهما، وأهمية أفكار الحداثة وعصر الأنوار الأوروبي، والإضاءة على التاريخ الغني للعرب، والتشديد على ضرورة التوصل لسلام عربي فوري وغير مشروط مع إسرائيل. ناقشت في التاريخ، والأفلام العربية والمسلسلات، والسياسة والاجتماع. رثيت أصدقاء اغتالتهم أيادي الظلام في بيروت وبغداد. 

بعد 20 عاما على انخراطي في محاولة نشر الحرية والديمقراطية والسلام، أطوي اليوم صفحة تجربتي مع الحرة، في وقت تضاعف يأسي وتعاظم احباطي، وتراجعت كل زاوية في العالم العربي على كل صعيد وبكل مقياس، باستثناء الإمارات والسعودية والبحرين. حتى أن بعض الدول العربية انهارت بالكامل وصارت أشباه دول، بل دول فاشلة ومارقة يعيش ناسها من قلّة الموت.

لن تأتي القوة الأميركية مجددا لنشر الحرية أو الديمقراطية بين العرب. تجربتها بعد حرب العراق ومع الربيع العربي علّمتها أن لا فائدة من محاولة تحسين وضع شعب تغرق غالبيته في نظريات المؤامرة، وتتمسك بتقاليد قرسطوية تمنع تطور ثقافة الديمقراطية لبناء دولة حديثة عليها.

اليوم، أترجّل عن مسرح الحرة. سأواصل سعيي لنشر مبادئ الحرية والديمقراطية عبر مواقع أخرى، في مقالات ودراسات وتغريدات وغيرها، لكن رهاني على التغيير انتهى. المحاولات ستتواصل حتى لو بلا جدوى، عسى ولعل أن يسمع الصوت من يسمعه.