العلاقات الحميمية محل جدل في المجتمعات العربية
العلاقات الحميمية محل جدل في المجتمعات العربية

هل تتذكر مسلسل "عائلة الحاج متولي"، الذي قام بدوره النجم المصري الكبير الراحل نور الشريف؟ دعني أذكرك.. هو مسلسل مصري شهير تم تقديمه في رمضان 2001، يحكي عن متولي الذي يعمل كصاحب محل أقمشة ويتزوج من 5 نساء، 4 بعد وفاة زوجته الأولى. والأربع زوجات يعيشن في نفس البيت مع الأولاد.  

حسنا، هل تتذكر مسلسل "الزوجة الرابعة"، الذي يحكي عن الحاج فواز الصياد، الذي قام بتجسيد دوره الفنان مصطفى شعبان، والذي يظهر فيه رجل الأعمال الناجح والمرح والجذاب والذي لديه 3 زوجات، ويبدل من حين لآخر الرابعة، كلما قابل أنثى جميلة وجذابة. أو فيلم "سهر الليالي" الذي يظهر فيه خالد، صاحب محل بيع السيارات، الذي قام بدوره النجم فتحي عبد الوهاب وهو يخون زوجته مرات عديدة، ويطالبها في كل مرة بأن تسامحه طالما تحبه. وعندما يواجهه أحد أصدقائه، يشير إلى أحد أوردة الدم في يده ويقول "أنا دمي ده بيجري فيه كرات دم حمرا وبيضا ونسوان". 

كل هذه الأعمال تشترك في صفة واحدة، هي تناقش فكرة الشريك، الذي لا يجد السعادة الزوجية والإشباع العاطفي أو الجنسي الكافي مع شريكته، فيتزوج عليها أو يخونها.

تقدم هذه الأعمال الصراع العاطفي والجنسي الذي يتعرض له كثيرون بعد سنوات من الزواج والمعروف باسم "الملل أو الفتور الزوجي" ولكن من خلال عيني الرجل. أعمال فنية أحببناها جعلتنا في الأغلب نتعاطف مع هذا البطل كشخص يمر بصراعات ولديه احتياجات، بشر يخطأ ويصيب وله ضعفاته ونزواته. 

ولكن ماذا لو كان بطل الصراع هذه المرة هي الزوجة، المرأة وليس الرجل؟ هي التي تمر بصراعات عن مدى إشباع زوجها لها؟ هل كان سيتعاطف الجمهور معها؟ لا أعتقد. هذا ما قدمه مسلسل أميركي شاهدته على نيتفليكس منذ حوالي شهر بالصدفة، وحرك داخلي العديد من الأسئلة. 

المسلسل يبدأ بمشهد للبطلة الجميلة في بيت زوجية هادئ وجميل. زوجة وأم لطفلين صغيرين أحدهما مازال رضيعا. متزوجة من رجل وسيم، غني، ناجح ورياضي ويعاملها بكل حنان وود. اختار الكاتب مشهدا لعلاقة زوجية مثالية مع زوج مثالي، ليؤسس لفكرة الصراع (the conflict) الدرامي في المسلسل. 

الصراع هنا داخل هذه المرأة بين ذكرياتها مع حبيبها/خطيبها السابق وبين علاقتها مع زوجها الحالي. حيث تبدأ الأزمة عندما تشعر البطلة بالملل أو عدم الرضا تجاه علاقتها الجنسية مع زوجها، لتبدأ في كتابة مذاكرتها عن حبيبها/صديقها السابق، والتي تصف فيها علاقة حميمية أكثر إشباعا وحيوية بشكل واضح.

تنفجر الأزمة عندما يكتشف الزوج هذه المذكرات، لتبدأ رحلة درامية شيقة من الصراع النفسي والتقلبات بين مشاعر حبها لزوجها ولأطفالها، ورغبتها في الحفاظ على حياتها الزوجية المستقرة، في مقابل افتقادها لمشاعر النشوة والحياة، التي كانت تشعر بها مع حبيبها السابق.   

تتعقد الأمور أكثر عندما يظهر الحبيب السابق في المشهد محاولا استرجاعها بكل الطرق، وهو الذي تخلي عنها سابقا مرات ومرات. وبعد صراعات وتقلبات عديدة يوهمك الكاتب أنها اختارت زوجها بعد تفكير طويل، بعد أن اقتنعت أن السعادة الحقيقية هي في الأسرة والاستقرار، لينتهي المسلسل على مشهد انهيارها وهي تجري ذاهبة لحبيبها القديم، في نهاية درامية مفتوحة واضعة عشرات الأسئلة برأسك كمشاهد بلا إجابات. 

ورغم أن المسلسل يحدث في سياق ثقافي مختلف عن السياق الثقافي الذي نعيش فيه، ورغم أنه قد يكون صادما للبعض ممن لم يشاهدوا دراما من هذه النوعية من قبل، ولكن ما لفت انتباهي له هو وصف الصراع من خلال عيني المرأة هذه المرة. فالدراما التي تناقش قضايا مثل تعدد العلاقات أو تعدد الزوجات أو الخيانة الزوجية، حاضرة بقوة في الإنتاج المصري أو العربي، ولكن باستمرار من وجهة نظر الرجل.

الدراما، بل والثقافة العربية في العموم، تصور لنا الجنس باعتباره احتياجا ذكوريا، في إنكار وتجاهل معظم الوقت لحق المرأة في المتعة الجنسية. فمثلا نناقش قضية التعدد باعتبار أن الرجل من حقه أن يشعر بالإشباع الجنسي، وأنه في حال عدم حصوله على هذا الإشباع من زوجته الأولى يحق له الزواج من ثانية. ولكن ماذا لو لم تشعر المرأة بالإشباع الجنسي فماذا عليها أن تفعل؟ 

نتحدث عن أن دور المرأة هو أن تعف زوجها من النظر خارج المنزل، ولكن لا نتكلم عن الرجل بنفس الطريقة. نعامل المرأة كمفعول به في أي حوار عن الجنس، نضعها تحت ضغط هائل من الضغوط النفسية والاجتماعية. نخضعها في أنحاء كثير من بلادنا حتى الآن لعملية متوحشة وغير إنسانية لبتر جزء حساس في جسدها (ختان الإناث)، بغرض حرمانها من الشعور بالمتعة الجنسية الكاملة مدى الحياة. نضع عليها عبء "شرف العيلة" والقبيلة والحي، ثم نطالبها بعد الزواج بأن تؤدي دورها في العملية الجنسية بشكل يُشبع الرجل، في نفس اللحظة التي ربما يهاجمها زوجها لو أظهرت بعضا من مشاعرها الجنسية بصراحة. 

باختصار، نتعامل معها وكأنها بلا احتياجات. متجاهلين أن للنساء رغبات جنسية أيضا، ولكن هن فقط يجدن الكبت أكثر منًا كرجال! 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.