الأمير حمزة بن الحسين - ولي العهد السابق للأردن
الأمير حمزة بن الحسين - ولي العهد السابق للأردن

يبدو واضحا أن الأمير حمزة بن الحسين، يعيش حالة ارتباك واضح قد تكون تداعيات ما تم تسميته بقضية "الفتنة" قد عملت على تعميقها في داخله، وهذا شأن يخص أسرته ومقربيه لو كانت الدولة الأردنية محصنة بمؤسساتها الدستورية كاملة، لكن تغريدات الأمير و"إعلاناته" التي لا تستند على موقع رسمي ولا وظيفة حقيقية له، لها تأثيرها في فضاء متخم بالاحتقان الشعبوي، والتي يقابلها معالجات ارتجالية أمنية "بوليسية" تغذي الاحتقان بمزيد من الغضب.

الأمير، المسكون بهواجس عهد والده الملك الراحل حسين، ربما كان الأكثر تأثرا بوفاة أبيه، وهي وفاة كان الملك الراحل نفسه مستعدا لها بشجاعة استثنائية تجلت بتحضيره لتفاصيل جنازته المهيبة التي جمعت حول نعشه كل أضداد السياسة من زعماء العالم.

يغرد الأمير على حسابه في موقع "تويتر" ناشرا رسالة يقرر فيها من طرف واحد، تخليه عن لقب "الأمير" وهو اللقب الذي يحمله منذ الولادة حسب القانون مثله مثل باقي أفراد العائلة المالكة، التي ينظم شؤونها ذات القانون الصادر منذ أيام إمارة شرق الأردن.

تلك فقرة استهلالية ستثير غضبا عارما لدى التيار الشعبوي الجارف والطاغي في الأردن حاليا، وهو موجود ويتمدد لأن الدولة بمعناها المؤسساتي كامل الأهلية قانونيا ودستوريا غير حاضرة وغائبة أمام حالة ميوعة نخبوية ومرجعيات "حكم" تجاوزت مفهوم الدولة نفسه، ومرجعيات "مخابراتية متعددة" تحاول التفذلك بالسياسة رغم تأكيد "تراجع الدور الأمني" في القرارات السياسية والذي أثبتت الوقائع عدم صحته.

هذا الغياب "الفادح" للدولة بمعناها الحقيقي والذي خلق فراغا لتمدد الشعبويات وكتل "اعتراض" فراغية بلا محتوى حقيقي أيضا كان فيه فضاءات تحرك كافية لطموحات الأمير بالغ التهذيب والمبالغ بتوهماته أيضا، وهي طموحات يسندها الأمير نفسه في خطاباته وأحاديثه إلى "أمنيات" الملك الراحل ووصاياه، وهي أمنيات لها احترامها بلا شك، لكنها للأسف لا قيمة دستورية لها، والدولة - أي دولة في عصرنا الحديث - شرعيتها هو ذلك الدستور، متفق عليه ذلك الدستور أو مختلف عليه.

الأمير، شديد التهذيب والمتمثل "بإتقان الصوت والصورة" حركات وسلوك والده الراحل (والمحبوب عند غالبية الأردنيين) أيضا ينتقد غياب الدولة والقانون، منتهجا هو نفسه تغييب القانون في تحركاته التي تجلت بقضية "الفتنة"، والتي نجا من عواقبها القانونية بحماية شخصية من رأس الدولة، الملك، ليتم اشتقاق "المسار العائلي" له كطوق نجاة.

الحصول على مصادر المعلومات في الأردن عملية شاقة لغياب الشفافية، لكن مما علمته حد التأكيد الموثوق أن رسالة الاعتذار "المعلنة" والتي نشرتها وسائل الإعلام الأردنية أوائل آذار- مارس الماضي قد سبقها جلسة خاصة بين الملك وأخيه "الغاضب"، وفي الجلسة إياها أعلن الأمير "المحاصر بضغوط نفسية كبيرة" أمام الملك رغبته بخوض المسار القانوني! والخروج من المسار "العائلي" ومعاملته باستثنائية مميزة، وهو مطلب قابله الملك بتحذير الأمير من تداعيات ذلك المسار على الأمير نفسه.

تلك المعلومة وجدت صداها أكثر عندي بعد اطلاعي على ما قيل لي إنها "نسخة" من رسالة غير معلنة وتحيطها السرية من الملك إلى أخيه الأمير، الرسالة التي اطلعت عليها (وهي من أربع صفحات وباللغة العربية) مليئة بالعتب والرد على معطيات يبدو أن الأمير حمزة كتبها في رسالة أولى "أيضا غير معلنة" سبقت رسالة الاعتذار الشهيرة.

في نسخة الرسالة التي قيل لي إن الملك كتبها للأمير، يرد الملك على اتهامات وجهها الأمير توحي بأنه "مستهدف"، وبلغة عتب شديدة يفند الملك ادعاءات أخيه بما مفاده أن الاستهداف كان من لدن الأمير نفسه حين نصب كمائن التسجيل لرئيس هيئة الأركان الذي لم يفاجئه بالزيارة والتي استأذنه بها مسبقا.

كما يورد الملك "في الرسالة التي لم أحصل على تأكيد رسمي لها رغم تكرار سؤالي" امتعاضه من علاقة الأمير بالشريف حسن بن زيد "المسجون والمدان بحكم محكمة"، وتورد الرسالة على لسان الملك لقاء تم في بيت الأمير علي بن الحسين عام 2019 حضر فيه الشريف، وأن الملك حينها رأى في عيون الشريف حسن المكر والخديعة وحذر الأمير من مواصلة العلاقة مع ذلك الشخص.

في الرسالة ذاتها والتي اطلعت عليها دون أي فرصة الحصول على نسخة منها، يفند الملك شكوى الأمير من تقاعده المبكر بأن هذا التقاعد يشمل كل الأمراء في العائلة، ليتسنى لهم الخدمة في مواقع أخرى - حسب الرسالة- وأن الأمير ليس استثناء عن أشقائه وإخوانه وأولاد عمومته الذين يخدمون في القوات المسلحة.

الرسالة "المتخمة بالعتب الشخصي" حملت أيضا رؤية الملك الشخصية لعلاقته مع الأمير، وفيها إقرار بإصرار الملك على حماية الأمير من طموحاته التي قادته إلى التواصل مع كثيرين لخلق حالة مقلقة من الفوضى في الأردن.

الرسالة - إن كانت صحيحة - فهي مكتومة عن النشر، مع أنها توضح الكثير من الالتباسات في تلك العلاقة بين الملك عبدالله الثاني وأخيه الأمير حمزة.

منطقيا، يمكن فهم حرية التعبير عند الأمير حمزة كرجل لا يحمل موقع مسؤولية، فتغدو تصريحاته خالية من الكلفة الرسمية حين إطلاقها، لكن الأمر قد يكون مختلفا في حسابات ملك ورأس دولة، فالتصريح من طرفه له كلفته السياسية الثقيلة، مع حرج إضافي أن القضية امتزج فيها البعد الشخصي والعائلي مع أبعاد عامة "إقليمية" حساسة، التعثر فيها له أثمانه الباهظة على دولة اقتصادها منهك، والغضب الشعبي فيها وصل حد الاحتقان، ومع تفهمي لموقع المسؤولية عند الملك وهو رأس الدولة، فإنني أرى في نشر تلك الرسالة لو كانت - كما أعتقد شخصيا- صحيحة.

--

وعودة لآخر تصريحات الأمير حمزة بقراره من طرف واحد تخليه عن لقبه الرسمي كأمير، وضمن بوصلة الدستور والقوانين، فإن تصريحاته كلفتها السياسية الوحيدة إثارة القلق في سياق "شعبوي" سائد، وفي دولة محصنة بالدستور والقوانين فإن قراره لن يتعدى قرارات مشابهة لأمراء في عائلات ملكية راسخة في دول أخرى في العالم.

لكن قرار الأمير بالتخلي عن لقبه، يحكمه قانون خاضع لدستور، والقانون حسب رأي منشور للدكتور نوفان العجارمة "أحد فقهاء القانون العام الثقات في الأردن" يمنح الملك استرداد الألقاب أو منحها، وفي حالة الأمير فإن اللقب ممنوح بالضرورة له "قانونا" منذ ولادته، على عكس والدته مثلا، السيدة المحترمة ليزا الحلبي، زوجة الملك الراحل حسين بن طلال، والتي لا تزال تحمل لقبا منحها إياه الملك الراحل، ويملك الملك عبدالله الثاني استرداده بشرعية الدستور، ولم يفعل، كما لم يفعل بمنح ذات اللقب "ملكة" لوالدته السيدة المحترمة أنطوانيت غاردنر، والتي تحمل لقب "الأميرة" مع تسميتها بمنى منذ زواجها بالملك الراحل.

لا يمكن فهم تصرف الأمير باتخاذه هذا القرار إلا بارتباك واضح في عملية اتخاذ القرارات عنده، إلا إذا كان لدى الأمير شعور بأن اللقب الملكي يقيد "أجنداته السياسية" إن كان هناك نية لديه بخوض الحياة السياسية بحرية، مما سيشكل سابقة نوعية مثيرة في الحياة السياسية الأردنية، وشخصيا لا أعتقد أن الأمير حمزة "وقد كان دستوريا ولي عهد أخيه الملك قبل إعفائه دستوريا أيضا" غير ملم بالدستور والقوانين المتعلقة بموقعه وصفته كأمير، مع أن بعض المصادر القريبة من الأمير تؤكد إلمامه الشخصي بالدستور والقانون، والأمير فعليا شخصية نالت أفضل درجات التعليم في المعاهد والجامعات العالمية، رغم أنه - حسب القريبين جدا منه- متأثر بطرق متصوفة كان يسافر لها كمريد من مريديها تكرارا، وهذا يوضح طريقته في الخطاب الذي يتعمد أن يسبغ عليه تلك "المسحة الصوفية الزاهدة"، وهي ما تتسق تماما مع تيار شعبوي قابل لابتلاع الفكرة وتفسيرها كما يريده "الجمهور".

في الخلاصة، إن استعادة "الدولة" لا يكون بتغييب المنهجيات الدستورية، ومن العبث أن ندعي رغبتنا بحضور دولة القانون والمؤسسات ومحاربة الفساد بأدوات غير دستورية ولا قانونية. هل سيحدث ذلك كله، لو كانت الدولة الدستورية "بكامل أهليتها" حاضرة؟

FILE - A U.S. Marine watches a statue of Saddam Hussein being toppled in Firdaus Square in downtown Baghdad on April 9, 2003…
"حطيت في واشنطن لأول مرة في حياتي فيما كانت تتردد في رأسي هلهولة صدام اسمك هز أميركا".

يصادف هذا الشهر بدء عامي العشرين في الولايات المتحدة، وهي بلاد انتقلت إليها للمساهمة في نشر الحرية والديمقراطية في دنيا العرب. لم يأت التغيير العربي الذي كنت أحلم به، فاتخذت من أميركا وطنا لي، وأكرمتني وأكرمتها، وأحببتها، وصرتّ أحدّث بنعمتها. لكن المقال هذا ليس عن الولايات المتحدة، بل عن خيبات الأمل العربية التي عشتها مرارا وتكرارا، والتي أثرت بي ولم أؤثر بها، والتي أفقدتني كل الأمل بالتغيير والتطوير والمستقبل في المشرق العربي وعراقه.

هذه الرحلة بدأت مع سنوات نضالي الطلابي في صفوف اليسار اللبناني. كنا تعتقد أن الطغاة هم أزلام الإمبريالية، زرعتهم بيننا لقمعنا وحماية إسرائيل، وأن العراقيين أكثر الشعوب العربية المتعلمة والمثقفة، شعب المليون مهندس. كنا نردد أن الأسد يحتل لبنان بمباركة أميركية وإسرائيلية، وكنا نصرخ "أسد أسد في لبنان، أرنب أرنب في الجولان".

ثم حدث ما لم يكن في الحسبان. انقلبت أميركا على إمبرياليتها، وأطاحت بصدام، وفتحت الباب للعراقيين للبدء من نقطة الصفر لبناء دولة حرة وديمقراطية. كنت أول من آمن ببناء العراق الجديد. زرت بغداد، وحوّلت منزل العائلة إلى مكتب مجلة بالإنكليزية اسميناها "بغداد بوليتين". بعد أشهر، قتل إرهابيون أحد صحافيينا الأميركيين، فأقفلنا وهربنا. ثم عرضت علي محطة أميركية ناطقة بالعربية يموّلها الكونغرس فرصة عمل في واشنطن. مهمتي كانت المساهمة في بناء القناة العراقية لهذه المحطة. كان مقررا تسمية القناة "تلفزيون الحرية"، لكن الرأي استقرّ على اسم مرادف، فكانت "الحرة".

حطيت في واشنطن لأول مرة في حياتي فيما كانت تتردد في رأسي هلهولة "صدام اسمك هز أميركا". على عكس ما كنت أعتقد وأقراني العرب، الأميركيون لم يسمعوا، ولم يأبهوا، بالعراق، ولا بإيران، ولا بباقي منطقة المآسي المسماة شرقا أوسطا. المعنيون بالسياسة الخارجية الأميركية هم حفنة من المسؤولين والخبراء وكبار الضبّاط. 

لم يكد يمرّ عامين على انتقالي إلى واشنطن حتى قتل "حزب الله" رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري، حسب الحكم الصادر عن محكمة الأمم المتحدة. أصدقائي في لبنان ممن اتهموني بالخيانة والانتقال إلى صفوف الإمبريالية الأميركية في حرب العراق تحوّلوا وصاروا مثلي، يرون في الولايات المتحدة مخلصا من "القضية" و"المقاومة" و"الممانعة" و"التحرير" التي صارت تلتهمهم. نفس مشكلة العراق، كذلك في لبنان، كيف ينجب شعب قبلي طائفي لا يفهم معنى الحرية أو الديمراطية دولة ديمقراطية؟ 

غرقت "انتفاضة الاستقلال" اللبنانية في بحيرة من الدماء، من الحريري إلى العزيز سمير قصير وبعدهما زهاء 20 سياسيا واعلاميا وضابطا كان خاتمتهم الصديق لقمان سليم. أما القاتل، فلبناني يعمي بصيرته فكر قروسطوي وتعصب مذهبي وعشائري، ويقضي على اداركه أن المواطنية والديمقراطية في مصلحته، وأن مصائبه ومصائب لبنان سببها غياب الحرية والديمقراطية، وأنه لا يمكن للإمبريالية، ولا للسفارات الغربية، ولا لإسرائيل، أن تهتم بمصير ومستقبل لبنان وخلاصه أكثر من اللبنانيين أنفسهم .

في العام 2006، هاجم "حزب الله" إسرائيل، فاندلعت حرب، ووقف عدد كبير من اللبنانيين ضد ميليشيا "حزب الله"، ورحنا نتظاهر أمام البيت الأبيض، فما كان إلا من السوريين الأميركيين أن عيبونا واتهمونا بالخيانة، وحملوا أعلام "حزب الله" وصور نصرالله. السوريون أنفسهم عادوا فأدركوا أن نصرالله، وبشار الأسد، وأصحاب القضية لا يقاتلون لحمايتهم، بل للبقاء متسلطين عليهم. بعد اندلاع ثورة سوريا في 2011، انقلب هؤلاء السوريون أنفسهم، مثل العراقيين واللبنانيين قبلهم، من قوميين عرب صناديد الى أعداء العروبة ومؤيدي الإمبريالية والغرب والديمقراطية.

وحدها غالبية من الفلسطينيين لم تدرك أن كل أرباب القضية والتحرير والمقاومة هم مقاولون منافقون. هللت غالبية من الفلسطينية لصدام، ولاتزال تهلل للأسد وقاسم سليماني وعلي خامنئي. لم يدرك الفلسطينيون ما فهمناه أنا وأصدقاء من العراقيين واللبنانيين والسوريين: إسرائيل شمّاعة يعلّق عليها العرب فشلهم في إقامة دول. لا توجد مؤسسات عربية من أي نوع أو حجم قادرة على العمل بشفافية أو يمكن الإشارة اليها كنموذج عمل مؤسساتي. كل نقيب في لبنان أورث النقابة لولده، وكل رئيس ناد رياضي فعل الشيء نفسه. حتى المفتي الجعفري الممتاز في لبنان أورث منصبه إلى ابنه. ثم يقولون لك إسرائيل وسفارة أميركا والإمبريالية.

قبل ستة أعوام، بعد مرور أعوام على استقالتي من الحرة وانقطاعي عنها، تسلّم رئاسة القناة أميركي مثقف من الطراز الرفيع، فقلب المحطة رأسا على عقب، وطوّر موقعها على الإنترنت، وقدم الفرصة لكتّاب مثلي للنشر أسبوعيا. 

على مدى الأسابيع الـ 290 الماضية، لم أنقطع عن الكتابة أو النشر ولا أسبوع. مقالاتي تمحورت حول شرح معنى الحرية والديمقراطية وأهميتهما، وأهمية أفكار الحداثة وعصر الأنوار الأوروبي، والإضاءة على التاريخ الغني للعرب، والتشديد على ضرورة التوصل لسلام عربي فوري وغير مشروط مع إسرائيل. ناقشت في التاريخ، والأفلام العربية والمسلسلات، والسياسة والاجتماع. رثيت أصدقاء اغتالتهم أيادي الظلام في بيروت وبغداد. 

بعد 20 عاما على انخراطي في محاولة نشر الحرية والديمقراطية والسلام، أطوي اليوم صفحة تجربتي مع الحرة، في وقت تضاعف يأسي وتعاظم احباطي، وتراجعت كل زاوية في العالم العربي على كل صعيد وبكل مقياس، باستثناء الإمارات والسعودية والبحرين. حتى أن بعض الدول العربية انهارت بالكامل وصارت أشباه دول، بل دول فاشلة ومارقة يعيش ناسها من قلّة الموت.

لن تأتي القوة الأميركية مجددا لنشر الحرية أو الديمقراطية بين العرب. تجربتها بعد حرب العراق ومع الربيع العربي علّمتها أن لا فائدة من محاولة تحسين وضع شعب تغرق غالبيته في نظريات المؤامرة، وتتمسك بتقاليد قرسطوية تمنع تطور ثقافة الديمقراطية لبناء دولة حديثة عليها.

اليوم، أترجّل عن مسرح الحرة. سأواصل سعيي لنشر مبادئ الحرية والديمقراطية عبر مواقع أخرى، في مقالات ودراسات وتغريدات وغيرها، لكن رهاني على التغيير انتهى. المحاولات ستتواصل حتى لو بلا جدوى، عسى ولعل أن يسمع الصوت من يسمعه.