Volunteers evacuate pets from eastern Ukraine to Russia
يقدم البعض على تعذيب الحيوانات الأليفة.

امتلأ بيتي هذه الفترة بالحيوانات الأليفة، ولكن على غير الطريقة المعتادة، هي ليست مجرد حيوانات منزلية مشتراة من محلات تقدمها بشكل لطيف وجذاب، هي حيوانات متبناة، ملتقطة من ظروف صعبة، ومليئة بالجراح الجسدية والنفسية التي فتحت علي، من خلال معايشتي لتجربة الإنقاذ، باب جديد من الوحشية الإنسانية ونكأت في قلبي جرحاً شخصياً يدمى كلما شهدت ألماً، إن كان ذي علاقة بهذا الجرح أم لم يكن.

ولقد عشت معظم حياتي مع حيوانات منزلية، فمنذ أن تزوجت كان زوجي يمتلك قطة رائعة الجمال وكذلك ببغاء بهيج الروح كان يحفظ أسماءنا جميعاً، يغني لنا أغاني لطيفة ويقرأ أدعية على طريقة السردية البكائية الشيعية يقول زوجي إنه التقطها من مجالس الدعاء التي كان يقيمها بعض أصدقائه إبان دراسته في أميركا في شقتهم المشتركة. 

"جمول" الببغاء كان يطلب القٌبل باستمرار كذلك، مكرراً "بوسة، بوسة" مما أثار حفيظتي، والكثير من ضحكات زوجي، أن أين سمع طلبات القبل هذه؟ توفى جمول قبل بضع سنوات تاركاً ألماً في قلوبنا جميعاً، ارتبطنا به أكثر مما كنا نعتقد، ولا زلنا نذكره كفرد من العائلة لا يمكن أن ننساه. 

مؤخراً تبنى ابني وزوجته كلبين لطيفين جداً، أحدهما أتى من ظروف قاسية كان يعيش خلالها في بيئة شديدة القذارة، مهملاً ووحيداً، مما أصابه بأمراض عدة. يعتني ابني بالكلبين صحياً، ويطلب منا بين الفترة والأخرى أن نتفاعل معهما وأن نقدم لهما بعض الحب لعل جراح الجسد وكسور النفس تجد شيء من الالتئام. وقعت أنا في حبهما مباشرة، ألاعبهما كثيرا وأرغب في عناقهما، رغماً عنهما، وأتفاعل معهما بطريقة ما كنت أتوقعها من نفسي. لا أحب أبداً التدريبات الضرورية، كما يصفها ابني، التي لابد من اتمامها ليعيشا بسلام وهدوء في البيت، أكره الرباط الجلدي حول رقبتيهما، وأحاول تحريرهما كلما سنحت لي الفرصة. في نظرات أعينهما الكسيرة وحبهما الشديد وتعلقهما المرضي بنا أصحاب البيت قصة طويلة حول قسوة الإنسان وتاريخه الشائك الطويل مع الطبيعة والحيوانات التي روضها رغماً عن طبيعتها.

أما ابنتي فقد أخذت الموضوع لمستوى آخر، حيث كرست نفسها والغرفة الخلفية للبيت لإنقاذ القطط.، تعرف هي معظم قطط الحي، تسميهم بأسمائهم وتسمح لهم بالدخول لمنجرة والدها، وهي غرفة ذات شباك على الحديقة عودت ابنتي قططها العديدة على دخولها للتمتع بالصحبة والدفء. تمتلئ حديقة منزلنا بصحون الطعام والشراب والحليب، حيث توضع هذه الوجبات في أوقات محددة وبشكل يومي لكافة حيوانات الحي لتجد فيها قوتاً وفي حديقتنا مأوى. قبل بضعة أشهر، عثرت ابنتي على قط وليد أتت به أطرافه الضعيفة إلى حديقتنا. بدا القط في حالة مزرية بشقفة من أذنه مقطوعة، وبشعر جسده مغطى بالكيروسين، حيث يبدو أنه كانت هناك خطة لحرقه، وبعينين مغمضتين من التلوث وبجسد بالكاد قادر على التحرك جوعاً وعطشاً. شاهدت ابنتي تجلس في الحديقة محاولة تنظيفه قدر الإمكان وإطعامه وإراحته، ثم انطلقت داخلة للبيت لأقف أنا منتظرة إياها، فقد كنت أعرف تماماً القادم على شفتيها وفي عينيها.

كانت العينان الجميلتان مغرورقتان، "لابد أن ننقذه يا ماما، لابد أن ندخله البيت، أرجوك ساعديني." طفح ألم تجربتها الخاصة القريبة على وجنتيها الرقيقتين، اتسعت عيناها بدموع ثقيلة تمنيتها لو تطلقها فتريح نفسها وتريحني معها، جر وجع القط الوليد وجعها، ومعها تفجرت أوجاع روحي. في ألم هذا القط الوليد وفي ألم ابنتي الذي يدور في جنباتها تفجر ألمي أنا، فسارعت أضمها لصدري وأعدها بالتآمر لإدخال القط للبيت الممتلئ أصلاً بالحيوانات دون إعلام والدها الذي سنحتاج للكثير من التمهيد لإعلامه بالمقيم الجديد. 

كانت الفكرة أن يقيم "كاسبر" معنا إقامة مؤقتة لحين أن يتعافى، إلا أنه وبعد أن تلقى العلاج على يد الطبيب البيطري وأخذ كافة التطعيمات وكبر ليصبح قطاً ناصع البياض خلاب الجمال لطيف المعشر على غير عادة القطط، أعلنت ابنتي تبنيها الدائم له، مصرة، وهي تملس على أذنه المقطوعة، أنها لن تتركه لقسوة الشارع مرة أخرى. 

خصصت ابنتي غرفة جانبية خلف البيت للقطط المشردة، مؤخراً استخدمتها "لي لي" لتلد فيها قططها الصغار. أصبح الحوار في البيت طوال الوقت يدور حول الأطبة البيطريين، أنواع الطعام المطلوب ابتياعها وطرق الحماية التي يمكن توفيرها، وأصبحت حركة الأولاد تدور طوال الوقت حول حركة الحيوانات، ملء الصحون بطعامهم، تنظيف أماكنهم، استدعاء الرعاية الطبية لهم، وطلب الخدمات التنظيفية، من وقت لآخر، لأجسادهم. تحول البيت لملجأ كبير للحيوانات، ومع هذا التحول، كلنا أصحاب البيت، أصبحنا أشخاص أفضل. 

تجربة إنقاذ الحيوانات هي تجربة قاسية، مؤلمة بكل المقاييس، من خلالها كان علينا أن نواجه قسوة بشرية غير مسبوقة، سادية غير مفهومة، وأحياناً كثيرة شر غير مبرر. في مجتمعاتنا التي تعاني من نقص الحقوق الإنسانية، يصعب جداً إيصال فكرة عذابات الحيوانات وأخلاقية العناية بهم، حيث يبدو أن هناك فكرة عامة بأن الحيوان لا يستشعر ذات الآلام لربما لأنه غير قادر على التعبير، مما يجعل هذا الحيوان منفذاً للكثير من الرغبات السادية الشريرة العنيفة التي تدور في نفوس الناس. 

هناك ظاهرة مرعبة كذلك لتعذيب الصغار تحديداً للحيوانات ولتعامل الأهل مع الموضوع على غير ذات درجة الخطورة المستحقة. فالطفل الذي لا يستوعب فظاعة وبشاعة فعل تعذيب الحيوان، يصبح أقل قدرة على الاتصال بآلام البشر وبعذابات الآخرين، يفقد القدرة على التعاطف المباشر وقد يتحول إلى حالة بثولوجية حقيقية تمنعه من الحياة الطبيعية ومن مساعدة المتألمين. 

يأتي كل قط أو كلب، وذات مرة أرنب، يجد طريقه إلى حديقتنا، بقصة عذاب جديدة موسومة على أجسادها، متجلية في أعينها الزائغة المرتعبة وفي ألسنتها الجافة اللاهثة الباحثة عن أي قوت. ولأننا كائنات غاية في الأنانية، تجر آلام كل هؤلاء ذكرى الآلام الشخصية، وتصبح المعاناة جمعية، كل ألم يذكر بألم، وكل وجع يستدعي وجع. أصبحت حديقة بيتي الصغيرة ملجئ آمن صغير للحيوانات وفي الوقت نفسه مخزن كبير للآلام والأوجاع، كلما مررت فيها والتقطت عيناي أحد هذه الكائنات الموجوعة، تسربت الذكرى لنفسي وهاج وجعي وتمنيت لو أنني كنت أستطيع ألا أشعر كل فوج الألم هذا ولو إلى حين. 

لدينا عدد من المؤسسات الإنقاذية للحيوانات في أشد الحاجة للمساعدة المادية والمعنوية. ساعدوها، لربما عبر تخفيف آلام هذه الكائنات البريئة، تخف أحمالنا وتشفى بعض جراحنا وتحن الأقدار والدنيا علينا.

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.