رجل دين شيعي يدلي بصوته في السفارة اللبنانية بطهران
رجل دين شيعي يدلي بصوته في السفارة اللبنانية بطهران

السؤال الأكثر تداولاً عند المواطن، غير العقائدي او المستزلم لمن هم في السلطة: هل أقترع  ام لا؟ أو لمن أقترع؟ 

ربما لأن أحداً لم يقنعه، وربما لأن نزاهة وصحة الانتخابات غير مضمونة، يظن البعض أن المقاطعة أفضل من الاقتراع في ظل هيمنة سلاح غير شرعي، فرض مع حلفائه قانون انتخاب مفصّل على قياسهم، مخالف لجميع قواعد  التمثيل الانتخابي النسبي المعروفة. فالقوانين النسبية تفترض تشكيل لوائح منسجمة ذات برنامج واضح يختارها الناخب على أساسه؛ وليس لوائح تجمع الأعداء المتحاربين على الصوت التفضيلي، لتتفرق بعد يوم الانتخاب.  

إن السلطة غير الحيادية والمشهورة بفسادها على مستوى العالم، تستخدم جميع الأساليب من اجل البقاء:  

الرشاوى والمساعدات وشراء الاصوات وتقديم الخدمات من المال العام. وفي ظل غياب الشفافية ووجود السرية المصرفية، تضعف الرقابة ما يسمح بتغطية المخالفات. يضاف قدرة الممسكين بالسلطة وخبرة ماكيناتهم الانتخابية في تسخير أجهزة الدولة لخدمتهم.  وآخر إنجازاتهم تعطيل القضاء وجميع آليات المراقبة والمحاسبة التي أرستها فترة حكم الراحل فؤاد شهاب. 

ما كان يمكن ان تحصل هذه الانجازات لولا هيمنة سلاح حزب الله ومرشده الذي يرفض زعم تحكّمه بلبنان، فيخبرنا المرشد أنه لم يتمكن من تعطيل عمل قاضٍ واحد!! السؤال: أين هو القاضي البيطار الآن؟ وكيف توقّف التحقيق في تفجير المرفأ؟ وكيف يحق له تعطيل قاضٍ أصلاً؟ 

طبعا لم يتمكن حزب الله بعد من تحويل لبنان الى دولة استبداد يسيطر عليها بشكل مطلق ويتحكم بجميع مفاصلها على غرار سلطة خامنئي؛ لكنه يحكم لبنان بآلية التعطيل وباسم التوافقية التي أدخلها مع الفيتو قسراً الى النظام منذ اتفاق الدوحة عام 2008.  

لكنه يتحكم بخيار الطائفة الشيعية الانتخابي، باستخدام سلاح الدين والتكليف الشرعي الذي يرسل من يخالفه ولا ينتخب من يريده الحزب الى جهنم!! وهذه مخالفة واضحة للدستور وينسف مبدأ الانتخابات نفسها. 

فالانتخابات تفترض المساواة بين الناخبين في الاقتراع بحرية، وبين المرشحين في امكانية الوصول للناخب بالطرق القانونية؛ لكن الواقع ينفي ذلك. فممارسات القمع والتهديد العلنية في مناطق نفوذه هي السائدة. منعت في الجنوب اللائحة الوحيدة المعارضة من تقديم برنامجها في الصرفند وتحت أعين السلطات الرسمية. وفي البقاع مورست الضغوط على مرشحي لائحة الشيخ عباس الجوهري وأجبروا على الانسحاب، كما ضُرِب مرشحها حسين رعد في مناسبة عامة، الى حد الاغماء دون محاسبة المعتدين. ومسلسل الانسحابات يتعمم. 

إنها سلطة منحازة بوضوح، لأن المرشحين لا يحظون بنفس الحماية او الحقوق. ففي حين يدّعي النائب جبران باسيل على حزبي القوات اللبنانية والكتائب لتجاوزهما السقوف الإنتخابية، نجده ينعم، كمرشح، بحماية أمنيّة "إستثنائيّةٍ"، من الجيش والقوى الأمنيّة الأخرى!! ما يحمّل الخزينة أعباء إضافية، في الوقت الذي تتأخر فيه عملية البحث عن جثث ضحايا زورق طرابلس لعدم توفر الامكانيات لدى الدولة!!  

في نفس الوقت تحلّق مسيّرة فوق منزل المرشح فارس سعيد، ويزوره في مساء اليوم التالي شخصان، قطعا الحواجز في سيارة مشبوهة تحمل رقماً مزوراً، باحثين عن د. سعيد!! 

هل يمكن ان يتعرّض لذلك أحد مرشحي السلطة؟ 

رفع حزب الله دعوى قضائية على فارس سعيد بتهمة تهديد السلم الأهلي وضرب العيش المشترك بسبب مواقفه المناهضة للحزب وللاحتلال الايراني، في حين يتحفنا الشيخ الجشي المقرب منه، بخطبة تفيض كراهية وتحريضاً غير مسبوقين في لبنان!! خطاب طائفي عنصري يهين نمط حياة اللبنانيات واللبنانيين، خصوصاً المسيحيين المنتمين الى القوات اللبنانية، لارتيادهم المسابح والنوادي والملاهي، ومعتبراً انها مراكز دعارة وانحطاط وإدمان!!  

وكأن نمط حياة محازبي حليفهم التيار العوني تختلف عن نمط الحياة المذكور!؟ أو أن الفضيلة مرتبطة بالملابس وبحزب سياسي أو طائفة، متجاهلاً الفلتان المتعدد الاوجه في الضاحية الجنوبية والذي يستدعي "السماح للأجهزة الامنية" للدخول لضبط الوضع من وقت لآخر. وكأن معامل الكبتاغون وسائر المواد المخدرة ليست في مناطق نفوذ الحزب وتهرّب عبر العابر الشرعية، وكأن الشباب الشيعي لا يرتاد ملاهي جونية والمعاملتين فينعشها بدولاراته!! 

الجشي يحترم العيش المشترك والحريات المكفولة من الدستور ولا يستحق المحاسبة!! 

على كل حال كثيرة هي أقنعة الحزب التي تسقط تباعاً أمام اللبنانيين. ذكّرتنا وسائط التواصل بحديث السيد نصرالله الذي يتوجه فيه الى الايرانيين المقيمين في لبنان، وتناقلته الصحف اللبنانية في 13 مارس عام 2018 وفي موقع "فردا نيوز" في 9 ابريل 2020 يقول فيه: " إن مكانة ولاية الفقيه فوق دستور لبنان". أيضاً خطبهم الحديثة تتباهى علناً بأنها غيّرت ثقافة اللبنانيين وفرضت عليهم سبل عيش مختلفة. يؤكد الشيخ نعيم قاسم لقناة الميادين الإيرانية: "ان كونه مسلماً يلزمه بالعمل على جعل لبنان دولة اسلامية"، وأن الذمية تحفظ حقوق باقي الطوائف!!  في وقت تعنون الصحف تهديد أوساطهم للمسيحيين: "أعلامنا سترفرف في بشري ودير الأحمر". 

اختفى زعم اعتدالهم وطمأنتهم باحترام حريات اللبنانيين ونظامهم الديموقراطي. يخيفهم الاستحقاق القادم واحتمال انفلات لبنان من قبضتهم، فيشيطنون اخصامهم ممن لديهم الحظ بالوصول الى الندوة البرلمانية، بواسطة اشاعة البلبلة والتهويل، إضافة الى القمع المباشر والتهديد والتلميح لمرحلة الاغتيالات، فيتحفنا النائب محمد رعد : “.. نقول إنّ هذا البلد رهن إرادة أبنائه فقط، وتوافق أبناؤه على تسوية سياسية قوامها الديمقراطية التوافقية، والذي يريد أن يحكمنا غداً بأكثرية، عليه أن يدرك أنّ “الأكثرية التي حكمت لم تستطع أن تحكم”.  

وهذا مخالف للدستور، فلبنان نظام برلماني اكثري. عدا عن انه تهديد بالتعطيل في حال عدم نجاحهم بتأمين أكثرية نيابية. 

لذا ومع أن لسان حال المواطن: أن لا أمل من الاقتراع في ظل منظومة مجرمة وأن الانتخابات يعني إعطاءهم الثقة، وأن أحداً من المرشحين لم يقنعه؛ يظل الاقتراع واجباً، لأن المقاطعة لن تفعل سوى إعطاءهم مزيداً من الشرعية لتمكينهم من الحكم بوحشية أكبر.   

ألم يسبق أن قاطع المسيحيون الانتخابات في مطلع التسعينات فحصدوا التهميش والاحباط لمدة 15 عاماً؟

هل يمكن السماح باستمرار الانهيار الحالي؟ واستمرار استنزاف الطاقات الشابة التي هاجر 77% منها؟ هل يمكن السماح ببقاء من لا يحترم المرأة وحقوقها السياسية والمشاركة في السلطة؟ أو لمن منع التحقيق بجريمة العصر

ارسلوا على الأقل رسالة تفيد أنكم غير راضين عن أدائهم؟ 

يقول المثل الانجليزي: اذا لم تستطع أن تهزمهم، انضم اليهم.  

ولا أظن ان أحداً يرغب بلبنان الحالي الغارق في الفقر والمرض والعتم مع ان شعارهم "نبني ونحمي" أو الاصلاح والتغيير، لكن ما خلونا!!  

هل من يرغب بحكم الولي الفقيه؟ 

إذن ليس أمامكم سوى هزيمتهم او إضعافهم.  

وفي مثل أوضاعنا أن تنتخب صح يعني أن تقطع الطريق على الأسوأ. وهذا ما يسمى بالانتخاب المفيد: ان تنتخب المرشح السيادي الذي لديه الحظ بالنجاح حتى ولو لم يكن من تفضله. هذا قد يمنع المرشح السيء من النجاح. أنه الاقتراع الاستراتيجي الذي قد يحفظ لبنان من الزوال في حال استيلائهم على الشرعية. 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.