فنون - دبي إكسبو - صورة تعبيرية
"فالكنيسة هنا هي الدولة، وهي الأدرى بمصالح رعاياها"

#انقذوا_ماري_مجدي، هاشتاغ انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا، بعد فيديو ظهر فيه زوج في مصر يضرب زوجته بلوح خشبي على رأسها وعلى أماكن متفرقة من جسدها بكل وحشية. 

الزوج وليد سعد أيوب يمسك بلوح خشبي سميك ويضرب زوجته ماري مجدي بشكل يُوصف قانونا بالشروع في القتل، وليس حتى بالضرب، حيث أن الأداة المستخدمة كان من الممكن بسهولة أن تتسبب في إنهاء حياة الزوجة. 

الفيديو صادم للغاية ولا يُنصح بمشاهدته، نظرا لقسوته. ولهذا خلق موجة من تعاطف الناس معها على مواقع التواصل. ولكن كيف وصلت الزوجة المسكينة لهذا الوضع؟ وهل هي الوحيدة التي تتعرض لهذه الدرجة من العنف دون حل حقيقي لإنهاء مأساتها؟ 

بعد التضامن الواسع على مواقع التواصل، تحركت الشرطة وقبضت على الزوج، ليتضح أنه مدمن مخدرات وأن هذه ليست هي المرة الأولى الذي يضرب فيه زوجته وبناته بهذه القسوة. الزوجة قد حاولت مساعدته لتلقي العلاج من الإدمان ولكن دون جدوى. وقد أبلغت عنه الشرطة من قبل، غير أنه كان يعود ليكرر نفس الفعل، فكثيرا ما يتم التعامل مع هذا النوع من البلاغات باستهانة، باعتبارها مشاكل أسرية. 

بحسب صفحة "Speak Up" (أي تكلّمي) وهي صفحة متخصصة في مساندة النساء على الفيسبوك، الزوجة عمرها 37 عاما، وارتبطت به منذ 16 عاما، تعرضت خلالها للعنف مرارا وتكرارا.

وفي ظل قانون الأحوال الشخصية يمنع بشكل عملي طلاق المسيحيين إلا في حالتي إثبات الزنا على أحد الطرفين أو تغيير ديانة أحد الطرفين، تظل ماري أشبه بأسيرة حرب لدى الزوج المُعنّف إلى أن يفرقهما الموت. 

ماري ليست الوحيدة التي تعيش هذه المأساة، فهناك الآلاف من المواطنين المسيحيين والمسيحيات في مصر الذين يعيشون حياة أشبه بالسجن المؤبد، الذي يشعر صاحبه أنه حي ولكنه محروم من كل شيء. تمر الأيام والسنون من أمامه ولكنه يمنع من ممارسة أبسط حقوقه في اختيار علاقة تناسبه. 

فالأصل في فلسفة القانون الذي يحتكم إليه القضاء في التعامل مع قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين هو أن الزواج علاقة أبدية، بناء على نص من الكتاب المقدس بحسب الآية التي تقول: "ما جمعه الله لا يفرقه إنسان". وفي حالة وجود مشاكل زوجية، حتى لو وصلت لاستحالة العِشرة، فإن الشخص عليه أن يصبر على شريكه ويطلب من الله أن يصلح من حاله، ولكن لا يحق له طلب الطلاق. 

وعندما تسأل لماذا عليه أن يتحمل هذه الحياة القاسية والتعيسة؟ يكون الرد التقليدي، كان للشاب والفتاة حق الاختيار قبل الزواج وعليهما تحمل تبعات اختيارهما. 

ولكن هذه الفلسفة الدينية، وإن بدت في ظاهرها تعلي من شأن رباط الزواج ومن قيمة الحب بين الرجل والمرأة باعتباره حبا أبديا لا ينهيه إلا الموت. إلا أنها في الحقيقة تتجاهل العديد من الحقائق البسيطة. 

أولا: أننا نتغير كبشر، وربما من اخترنا الارتباط به في العشرينات من عمرنا لم يعد الشخص المناسب لنا بعد خمس أو عشر سنوات وربما أقل بكثير. 

ثانيا: الزواج بطبعه يكشف طبائع لا تكشفها فترة الخطوبة. وكلما كانت البيئة والعائلات محافظة، قلت مساحة التعارف في الخطوبة، خصوصا لو كنا نتكلم عن الريف أو الصعيد. حيث لا يسمح للخطيب والخطيبة بالتقارب إلا في حدود ضيقة. وعليه فعندما يتزوجا، يُفاجأ كلاهما بطباع الآخر. طباع ربما لن يستطيع أحدهما تحملها أو التعايش معها، مثل العصبية أو البخل أو التعنيف... إلخ.

ثالثا: العلاقات الزوجية أو العاطفية معقدة وليست بسيطة، ولا تسير في كثير من الأحيان كما نتمنى أو نأمل. هذه هي إحدى حقائق الحياة، والتغافل عنها ينتج عنه كوارث. ولذا فالطلاق، هو في بعض الأحيان الاختيار الوحيد الحقيقي لبداية جديدة بدلا من الاستمرار في حياة تعيسة تقتل أرواحنا ببطء، تحت مسميات دينية.

رابعا: هذه الفلسفة تتجاهل بشكل صارخ حق الإنسان في اختيار شريك الحياة مرة أخرى. فهي تمنحه هذا الحق لمرة واحدة، ولو أخطأ الاختيار تنزع منه حق تقرير مصيره والسعي من أجل سعادته إلى الأبد.  

هنا تتعامل الكنيسة مع حرية الأفراد في تقرير واختيار حياتهم باعتبارهم رعايا وليسوا مواطنين كاملي الأهلية وأعتقد أن هذا هو لب المشكلة، أو "مربط الفرس" كما نقول بالعامية المصرية. فحتى التعديلات التي يحاول أن يجريها البابا تواضروس، والتي ربما توسع قليلا من أسباب الطلاق، في محاولة للرجوع ولو بشكل نسبي للائحة 1938 والتي كانت تقر الطلاق في 9 حالات، منها الإساءة والهجر، تمنح الكنيسة وحدها حق تقرير الطلاق من عدمه.

وتمنح الكنيسة وحدها الحق في منح تصريح زواج لأحد الطرفين أو لكليهما من عدمه أيضا. وبالتالي فالكنيسة هنا هي الدولة، وهي الأدرى بمصالح رعاياها، وهم لا يمتلكون الأهلية القانونية لتقرير مصيرهم كما لو كانوا أطفالا قصر وليسوا مواطنين كاملي الأهلية. 

وبناء عليه، ومع كامل الاحترام للمعتقد الديني ولحق من يريد الاحتكام إليه بذلك، يطرح السؤال: أين الدولة ممن يريدون أن يحتكموا للقانون المدني؟

ففي نهاية الأمر علينا أن نتفق أن الزواج والطلاق حقوق إنسانية مدنية أصيلة. حقوق سابقة في وجودها للأديان ذاتها، وهي جزء أصيل من حرية الفرد وتعبيره عن وجوده.  

هذه الحقوق ينبغي أن تنظمها الدول إلا لو كنا نتكلم عن دولة دينية. وعليه فإن غياب بديل مدني، يعطي المسيحيين الحق في الزواج والطلاق متى اختاروا ذلك دون تحكم من قبل رجال الدين، هو انسحاب للدولة يدفع ثمنه كل مواطن مسيحي يرغب في الطلاق ولا يستطيع، وتدفع ثمنه كل مواطنة مسيحية تعيش مع رجل لا تطيقه ولا تتحمله وتتمنى الموت حتى تتخلص منه. 

ربما وجدت قضية ماري مجدي تعاطفا كبيرا نظرا لقسوة الفيديو، ولكن هناك آلاف الحالات مثل ماري، ليسوا بالضرورة كلهن يتعرضن لضرب يمكن أن يفضي إلى الموت، ولكن أغلبهن يعشن حياة أشبه بالموت. فإلى متى نتجاهل معاناة هؤلاء باسم احترام المعتقد الديني والاحتكام للشرائع؟ 

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.