مبنى البرلمان المصري
الحكومة المصرية أحالت مشروع القانون إلى البرلمان.

أثار موضوع قانون الأحوال الشخصية الجديد في مصر العديد من التساؤلات حيث يراه البعض ضرورة حتمية لتصبح مصر دولة مدنية حديثة تحترم حقوق المرأة والطفل ويراه البعض الآخر أنه اجتراء على المادة الثانية للدستور المصري الذي ينص على أن الشريعة الإسلامية هي "المصدر الرئيسي للتشريع". 

وفي نظر المدافعين عن المادة الثانية للدستور مثل السلفيين، فإن تعدد الزوجات وحرمان الأم من أطفالها إن تزوجت برجل آخر وظلمها البين في حالات الطلاق، وإباحة الطلاق الشفوي وإباحة ضربها حسبما يرى الزوج هو من أسس الشريعة الإسلامية التي ينادون بها من ناحية، ويصرخون في العالم من ناحية أخرى ليقر لهم بأنها، أي الشريعة الإسلامية هي التي أعطت المرأة حقوقها بالمقارنة بكل التشريعات الأخرى!

وفق هؤلاء، فإن حقوق المرأة في الشريعة الإسلامية كما تطبقها منظمة "طالبان" في أفغانستان هي أعظم وأفضل من حقوق المرأة في السويد والدنمارك وفنلندا! وياله من شذوذ فكري يصعب على الإنسان السوي إدراكه!   

ومشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد المقدم من الحكومة المصرية، لمجلس النواب يتكون من 194 مادّة تشمل أحكام الزواج وانتهائه، وينقسم إلى 7 أبواب تشمل الخطبة وعقد الزواج، وآثار الزواج وأحكامه، وانتهاء عقد الزواج والطلاق، والتطليق والفسخ، والخلع، والمفقود، والنسب، والنفقة، والحضانة، وصندوق دعم ورعاية الأسرة المصرية. والاتجاه العام في هذا القانون - وهو شيء يحسب للإدارة الحالية - هو إعطاء المزيد من الحقوق للمرأة المهضوم حقها وبشدة في القانون الحالي. 

ويواجه مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد 2022، العديد من المشكلات، لاسيما مع الإعلان عن إعداد جلسات حوار مجتمعي بشأنه، واحتمالية عدم تقبل الأزهر للعديد من مواده.

وحقيقة المشكلة تكمن في المادة الثانية للدستور والتي أعطت الإسلاميين سواء كانوا إخوان أو سلفيين أو أزهريين سيطرة على القوانين المصرية، فتبعا لهذه المادة يستطيعون أن يتدخلوا سواء بالموافقة على أو برفض أي قانون حسبما شاءوا. فكلمة الشريعة كلمة مطاطة وكل فقيه قد يفهمها بطريقته!  

وجدير بالذكر في هذا السياق أن نذكر أن أول مرة جاء ذكر الإسلام في دستور الدولة المسماة مدنية وحديثة بعد سقوط الخلافة العثمانية في مصر - كان في دستور 1956. وقد سبق ذلك في التاريخ الدستوري خمسة دساتير لم يذكر فيها الإسلام، وهي دساتير 1882/ 1923/193/ 1952/ 1954. فقط دستور 1956 نصت المادة الثالثة منه على أن الإسلام دين الدولة!

وقد خلا دستور 1958 من ذكر كلمة "الإسلام". أما دستور 1964، فجاء لتنص مادته الخامسة على أن الإسلام دين الدولة، تلا ذلك دستور 1971، الذي جاء لأول مرة ليذكر في مادته الثانية أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، وقام الرئيس الراحل محمد أنور السادات بتعديله في 26 يونيو 1980 بإضافة "ال التعريف" لتصبح "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".
 
والمشكلة الحالية هي أن أي مساس بالتعديل الذي أدخله أنور السادات، قد يتم فهمه من الكثيرين بأنه هجوم على الإسلام، وقد يستغل ذلك الجماعات المتطرفة لإشعال الشارع ضد الدولة.

وقد يكون من الحكمة في المرحلة التالية تحديد معالم واضحة وتعريف دقيق لكلمة "الشريعة" لأن تركها دون تعريف واضح يجعل المتطرفين يهاجمون الحكومة لأنها - في نظرهم- لا تقيم حدود "الشريعة" مثل الرجم وبتر الأطراف وقتل المثليين وإقامة أسواق النخاسة وإلغاء البنوك "الربوية" وإباحة سياحة الشواطئ وعدم فرض الحجاب بالقوة وإباحة الخمور في الفنادق و...و....و... 

وأقترح في هذا المقال وضع تعريف لكلمة الشريعة في الدستور المصري حتى لا تصبح الدولة بأكملها تحت رهن مجموعة من الرجعيين والمتطرفين، الذين يريدون أخذ الدولة للوراء عدة قرون بدلاً من النهوض بها إلى مستقبل أفضل. 

ومن ضمن الأمثلة لتعريف كلمة "الشريعة هو ما يلي (وكلها كما سيرى القارئ مستمدة من القرآن الكريم فلا مجال للجماعات الإسلامية والسلفيين للاعتراض عليها وإلا أصبحوا معترضين على القرآن ذاته!): 

- حرية العقيدة { فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}
- التعايش السلمي { ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً }
- عدم إكراه أحد على أداء شعائر الدين { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ }
- الالتزام بقيم العدل {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ }
- مساعدة الفقراء والمحتاجين { فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ}
- التعارف مع الشعوب و الحضارات الأخرى (لتشجيع السياحة!)
 { وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}
- عدم الظلم في أي قانون أو تشريع "وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا"

وقد يكون الحل الأمثل هو إلغاء هذه المادة (المادة الثانية) كما كانت دساتير مصر قبل عام 1956، ولكن يا للأسف فإن الإلغاء قد يستخدمه البعض الآن لإحداث قلاقل واضطرابات تصب في مصلحة المتطرفين. ولذا فإن وضع تعريف محدد للكلمة هو أحد الحلول المرحلية لإشكالية المادة الثانية في الدستور وهي مادة "الشريعة"! 
وللحديث بقية

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.