الباحثة ساهمت في إثراء المحتوى التاريخي بالعلاقات المغربية الإسبانية
الباحثة ساهمت في إثراء المحتوى التاريخي بالعلاقات المغربية الإسبانية | Source: twitter/@ARMH_Memoria

برحيل المؤرخة الإسبانية، ماريا روسا دي مادارياغا، يوم الأربعاء الأخير (29 يونيو)، عن عمر 85 عاما، خسر العالم أبرز متخصص في تاريخ المغرب ومنطقة الريف. لذلك استحقت عن جدارة أن تصبح خبيرة مرجعية في الموضوع، حيث أنجزت أعمالا مهمة تتعلق بتاريخ العلاقات الإسبانية - المغربية، وخصوصا الفترة المتعلقة بالحماية الإسبانية في شمال المغرب (1912-1956).

ما أن تأكد خبر وفاتها، حتى سارع رواد مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، إلى الترحم عليها، واعتبروا رحيلها خبرا محزنا، مشيدين بأعمالها.

وأشارت إليها جل التدوينات بـ"المؤرخة العظيمة"، و"أيقونة البحث التاريخي"، و"التي تعرف تاريخ المغرب أفضل من المغاربة"، وأن رحيلها "خسارة كبرى بكل المقاييس". وتكرر نشر صورة لها وعلى صدرها وشاح عليه رسم لقائد ثورة الريف عبد الكريم الخطابي (1882- 1963). وقد سبق لماريا روسا أن اعترفت بولعها بسيرة الزعيم الخطابي، وبأنه هو من قادها إلى الافتنان بالبحث في تاريخ الريف.

نشأت ماريا روسا دي مادارياغا في بيت أدب وعلم، انشغل جل أفراده بدراسة التاريخ، فهي ابنة أخت الشاعر والمهندس والمؤرخ، سلفادور دي مادارياغا (1886- 1978). له كتاب حول الفلسفة الماركسية، تمت ترجمته إلى العربية ونشر بالقاهرة عام 1949، تحت عنوان: "روضات الفردوس.. محاورة بين ستيوارت وفولتير ونابليون وماركس". وعمل سفيرا لبلده لدى الولايات المتحدة وفرنسا. ورشح لجائزة نوبل للسلام وجائزة نوبل للأدب.

أما ابنته إيزابيل دي مادارياغا (1919-2014 ) فكانت هي الأخرى مؤرخة، تخصصت في تاريخ بريطانيا العظمى.

وعلى نفس النهج سارت ماريا روسا دي مادارياغا، فاشتهرت بالتخصص في تاريخ وعلاقات إسبانيا والمغرب. 

وسط قذائف الحرب الأهلية الإسبانية (1936- 1939)، ولدت ماريا روسا دي مادارياغا ألفاريز بريدا، في 9 فبراير 1937 بمدريد، الفترة التي كانت خلالها إسبانيا تفرض حمايتها الاستعمارية على المغرب، وهو الموضوع الذي سيهيمن مستقبلا بقوة على انشغالات الطالبة الشابة. 

بعد المدرسة الثانوية الفرنسية، اتجهت ماريا روسّا إلى جامعة كومبلوتنسي بمدريد، وحصلت على الإجازة في الفلسفة والآداب عام 1960. ثم كرست حياتها للثقافة، فأسست دارا للنشر ومجلة. وفي نفس السنة 1966 حصلت على منحة من الحكومة الفرنسية لمواصلة دراستها في جامعة السوربون، هناك التقت ماريا روسّا بالمؤرخ الاسباني المرموق بيير فيلار، الذي شجعها على انغمارها في البحث التاريخي.

وأثناء إعداد أطروحة الدكتوراة، حصلت ماريا روسّا على دبلوم اللغة العربية والأدب العربي من المعهد الوطني الفرنسي للغات والحضارات الشرقية بجامعة "باريس 3"، عام 1973. ثم نالت لاحقًا، من  نفس المعهد، الدبلوم العالي في اللغة العربية والحضارة. دون أن تتوقف عن أبحاثها واجتهاداتها.

كما نالت دكتوراة في التاريخ من جامعة باريس الأولى (بانثيون سوربون) في 1988، حول العلاقات الإسبانية المغربية وحرب الريف، فاكتسبت شهرة كبيرة، وأصبحت الخبير المرجعي في موضوع يحظى اليوم بالعديد من المتابعين. وبعد فترة قضتها بتدريس اللغة والثقافة الإسبانية في جامعة "باريس 4"، اشتغلت موظفة دولية لأربع سنوات بمنظمة اليونسكو بباريس، حيث أشرفت على تنسيق مشروع "مساهمة الثقافة العربية في الثقافات الأيبيرية الأميركية عبر شبه الجزيرة الأيبيرية".

ألّفت ماريا روسّا، عدة مؤلفات، كان نشرها حاسما في فهم فترة معقدة من تاريخ إسبانيا المتقاطع مع تاريخ المغرب المجاور، وهي "فترة مأساوية بالنسبة لإسبانيا"، حسب تعبيرها.

وقد ترجمت أغلب كتبها إلى العربية، نذكر منها: "إسبانيا والريف.. وقائع تاريخ منسي" (1999)، "في وادي الذئب.. حروب المغرب" (2005)، "عبد الكريم الخطابي.. الكفاح من أجل الاستقلال" (2009)، "مغاربة فرانكو" (2006)، "تدخل القوات الاستعمارية في الحرب" (2002)، و"المغرب، هذا المجهول العظيم.. تاريخ موجز للمحمية الإسبانية" (2013).

وبالإضافة إلى مساهمتها في أفلام وثائقية، نشرت عددا كبيرا من المقالات والأبحاث ضمن أعمال جماعية. ويروي عنها من حظوا بالعمل إلى جانبها من الباحثين، مدى مثابرتها وجديتها وصرامتها العلمية، إلى جانب تواضعها وصدقها ونبلها الإنساني. وأن العمل معها كان دائما سهلا ومفيدا. 

لم ترتبط ماريا روسا بالماضي المغربي فحسب، بل نسجت علاقات إنسانية مع عدد من المثقفين المغاربة والمهتمين منهم بالحقيقة التاريخية.

بهذا الصدد نعاها المؤرخ المغربي الدكتور المعطي منجب: "ماريا روسا مادارياغا المؤرخة الكبيرة والأكاديمية التقدمية الإسبانية المختصة بالريف وبمقاومة عبد الكريم للاستعمار، تغادرنا إلى دار البقاء. كانت صديقة ودودة متواضعة حد الامحاء رغم علمها الغزير وشهرتها التي جابت كل الآفاق، أستاذتي بكتبها ونصائحها لي، وأنا مؤرخ شاب. كانت تحب الريف والمغرب حبا جما، ودانت بشدة تقتيل أهل الريف من لدن الاستعمار. لروحها الطاهرة الرحمة والسكينة".  

كما نعاها الناقد الأدبي والمترجم من الإسبانية إلى العربية، إبراهيم الخطيب الذي كتب: "وفاة المؤرخة الإسبانية ماريا روسا دي مادارياغا، المتخصصة في تاريخ المغرب، وخاصة تاريخ منطقة الريف، وثورة الزعيم عبد الكريم الخطابي، وقضية تجنيد المغاربة الذين شاركوا في حرب فرانكو ضد الجمهورية. تعرفت عليها في فالينسيا (إسبانيا) سنة 1987، بمناسبة مشاركتي في الاحتفاء بذكرى مرور 50 عاما على انعقاد مؤتمر المثقفين المناهضين للفاشية، الذي ترأسه الكاتب الفرنسي، أندري مالرو، سنة 1937. رحمها الله".

أما الكاتب والروائي، إدريس الغنبوري، فوصف ماريا روسا بـ"النبيلة"، وكتب:"سعدت بمعرفتها قبل أكثر من عشر سنوات؛ حيث سبق لي أن حاورتها مرتين. وكانت تبعث لي مؤلفاتها كلما صدر لها كتاب جديد، كان آخر ما وصلني منها كتابها عن تاريخ المغرب".

وأضاف "غير أنني أحتفظ لها بذكرى جميلة تعطي صورة طيبة عن بعض المثقفين الأوروبيين وتواضعهم. قبل عدة سنوات احتجتُ كتابا بالإسبانية عن الإسلام، لكن الكتاب كان قد نفذ من المكتبات، فاتصلت بها طالبا مساعدتها في الحصول عليه، فقامت بالاتصال بالناشر شخصيا في مدريد وأصرت على الحصول على نسخة منه، وعندما حصلت عليها خشيت إن هي أرسلتها عبر البريد أن تضيع، فبحثت عن مهاجر مغربي مقيم هناك وأرسلت معه الكتاب لكي يصلني يدا بيد".

وقال: "تلك كانت أخلاق تلك المؤرخة الكبيرة التي قدمت الكثير لتاريخ المغرب، وقد تركت كتابا ضخما عن الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي رحمه الله لم يكتب أفضل منه".

وإليها "يرجع الفضل الكبير في إبراز منطلقات وأهداف الحرب التحريرية ضد الاستعمار الإسباني بقيادة الزعيم امحمد بن عبدالكريم الخطابي"، كتب الحقوقي مسعود بوعيش.

من آخر أعمالها، بحثها المضمن في عمل جماعي حول مئوية "أنوال" (1921- 2021)، المعركة التي هزمت فيها القوات الإسبانية وحليفتها الفرنسية في شهر يوليوز 1921، وكانت هزيمة مدوية للجيش الإسباني بقيادة الجنرال مانويل فرنانديز سيلفستر، ضد قوات زعيم الريف عبد الكريم الخطابي (1882-1963 )، وكلفت المزيد من الأرواح 15000 جندي إسباني، مما تسبب في زلزال كبير داخل إسبانيا.

وقد كتبت ماريا روزا دي مادارياغا عن هذه الحرب دون أن تعمد إلى قرع الطبول، منددة بالوحشية دون كراهية، ومتجنبة الكليشيهات والمقارنات. 

في مقابلة معها عام 2013، مع وكالة الصحافة الإسبانية، صرحت المؤرخة ماريا روسا، أنه "لا يمكن أن نكون أكثر سلبية. لقد كلفت حرب الريف آلاف الأرواح وملايين البيزيتا، فقط لصالح قلة من الذين ارتكبوا جرائم قتل هناك، وأثروا بفضل الأعمال القذرة، مثل السوق السوداء والاختلاس والفساد".

وسعت المؤرخة دائمًا صوب "إحياء" ما تعنيه العلاقة بين إسبانيا والريف في الذاكرة الجماعية الإسبانية، والتغلغل الاستعماري باستغلال المعادن والزراعة، والمقاومة التي مارسها الريفيون لهذا الاحتلال".

واعتبرت أنه من "الأساسي" أن تقوم العلاقات بين إسبانيا والمغرب على أسس التفاهم المتبادل والرغبة "المتزايدة" في التعلم كشرط أساسي للتسامح والاحترام اللذين تتطلبهما البلدان المجاورة.


رحلت ماريا روسا في فترة تتميز فيها الأحداث بين إسبانيا والمغرب بتحولات متلاحقة، وهي من نعتت مرة المغرب بـ"ملاذ الأزمات الإسبانية"، إذ منذ القرن التاسع عشر، "لم يكن المغرب مسرحاً للعمليات السياسية والعسكرية الإسبانية التي تحقّق أهداف السياسيين والعسكريين الإسبان فحسب، بل انتقل المغاربة ليحسموا أحد أعنف وأخطر الحروب في تاريخ إسبانيا على الإطلاق، وهي الحرب الأهلية الإسبانية، التي جعلت جنرالاً دموياً اسمه فرانسيسكو فرانكو يقحم المغاربة فيها عنوة، أو بحجج مختلفة، لحسم صراع كاد يعصف بوحدة إسبانيا ويعيدها إلى عهد الممالك المتفرقة".

وأضافت "لقد دافع المغاربة عن فرانكو باستماتة، وكانوا من خلال دفاعهم عنه يحاربون الشيوعيين الملحدين، ظناً منهم أنهم يؤدون رسالة تخدم الإسلام والمسيحية اللتين أصبحتا متآخيتين في خطابات العسكريين الفرانكاويين".

وفي مارس الماضي، اعترف رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو شانسيز، بالمبادرة المغربية في بمشروع الحكم الذاتي في الصحراء الغربية، وفي الأسبوع الماضي جرت أحداث دامية في مليلية، ذهبت فيها أرواح حوالي 23 قتيلا من المهاجرين غير الشرعيين.

وبشأن موقفها من وضع مدينتي سبتة ومليلية، سبق للمؤرخة الراحلة أن صرحت بأن "المطالبة بشأن سبتة ومليلية أمر مستهجن". لكنها استدركت لتؤكد أن نطاق النزاع نسبي، ولا يمثل "مشكلة خطيرة" في نظرها.

وأضافت أن المدينتين "لطالما كانتا إسبانيتين" لأكثر من خمسة قرون. دون أن تقلل من إشكالية الموضوع، الذي يعد إلى جانب الهجرة السرية، الأهم في الوقت الحالي في العلاقات بين إسبانيا والمغرب.

لكنها في مقال نشرته بصحيفة "إل بايس" (08/09/2012)، اعتبرت أن الظروف قد تغيرت اليوم، وأنه ربما حان الوقت لإطلاق التفكير حول الثغور المحتلة من طرف إسبانيا بشمال المغرب.

وذكرت بالظروف التاريخية والأسباب التي دفعت إسبانيا إلى احتلال جزر تقع شمال المغرب، مشيرة إلى أن قضية الثغور المحتلة والمصلحة في الاحتفاظ بها أثيرت من قبل القادة الإسبان في بداية القرن الثامن عشر ثم في سنة 1861.

كما عرفت الفقيدة بكونها من أصدقاء الشعب الفلسطيني في إسبانيا، لذلك يعتبر رحيلها خسارة كبيرة للقضية الفلسطينية. وقد اهتمت أيضا بالحراك الشعبي في الريف الذي انطلق منذ 2016 من الحسيمة، وكتبت عنه.

غياب ماريا روسا مادارياغا يطرح موضوع دور المثقفين والمؤرخين في العلاقات الدبلوماسية، خصوصا وأنه لا توجد اليوم في كلا الضفتين، سوى قلة من الباحثين المتعمقين في التاريخ المشترك بين المغرب وإسبانيا، من يمكنهم العمل بجدية فيما يصطلح عليه "الانضباط التاريخي"، الذي يضع بعين الاعتبار كل التطورات المتصلة بصعود قوة "التاريخ الثقافي" وإسهاماته في إثراء العلاقات الدولية، حتى لو اعتمد الأساليب الكلاسيكية للتحليل التاريخي. حيث أصبح تأريخ العلاقات الدولية جزءا من التقاليد الوطنية. 

رغم ألم الفقدان، فإن أصدقاء الراحلة ومحبيها في إسبانيا والمغرب والعالم، يقبلون العزاء الذي يقدمه لهم عملها الرائد.

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.