A sheep is weighed at a livestock market in the city of Nablus in the occupied West Bank on July 7, 2022 amidst preparations…
"شراء خروف العيد أصبح من أركان الثقافة المجتمعية"؟

عيد مبارك للجميع.. لكن، بعد التهاني والمباركة، أليست هذه فرصة سانحة لكي نطرح مجددا للنقاش، كل الضغط الذي يمارسه هذا العيد على الأفراد والأسر، وكيف تحور عن أهدافه الأولى؟ 

ككل سنة، نعود، للأسف، لنفس مواويل الدم والذبح والضغط المادي.. باسم سنة نبوية لم يعد لها من الجوهر إلا الاسم، لتتحول لضغط مجتمعي ومادي رهيب على معظم الأفراد والأسر.. والقليلون فقط من يسائلونها أو يرغبون في تغييرها؛ بمن فيهم أولئك الذين يدركون أن الضغط المجتمعي في سلوكهم أعظم من رغبتهم في تطبيق السنة!

في المغرب، وخلافا لمعظم دول المنطقة، تحول عيد الأضحى من سنة دينية... إلى طقس اجتماعي شبه إلزامي. مهما كان دخل الأسر، فشراء خروف العيد أصبح من أركان الثقافة المجتمعية. 

في النهاية.. تصبح فرائض المجتمع أسبق من سنن الدين!

عيد الأضحى، في بعده الديني، يفترض أنه سنة وأن هدفه أيضا التصدق على الفقراء... لكن المجتمع حوله لإكراه مادي ومجتمعي تعيشه معظم الفئات، وعلى الخصوص الأسر الفقيرة والمتوسطة. 

يعاني الكثيرون لشراء كبش العيد، لأنهم لا يستطيعون، أمام الجيران والأهل والزملاء، أن لا يشتروا الأضحية، ويحبذ أن تكون هذه الأضحية كبيرة وغالية. في السنوات الأخيرة، صرنا نسمع عن خرفان يصل ثمنها لألف دولار! وصارت العديد من الأسر تستدين من المؤسسات التي تشتغل بها أو من البنك (بفوائد) لشراء أضحية العيد وباقي لوازمها. فهل نحن هنا بالفعل أمام أشخاص يطبقون السنة، أم أننا، في الحقيقة، أمام عادة مجتمعية لا مفر من تطبيقها؟

بعض الأشخاص قد يبيعون شيئا من ممتلكاتهم الصغيرة لشراء أضحية العيد.

حتى أن خصامات كثيرة قد تحدث بين الأزواج لأن الخروف كان صغيرا، ولأن الزوجة لا ترضى أمام جاراتها وأهلها إلا بخروف كبير. كما تتكرر حوادث العنف والسرقة لأن البعض، لكي يشتري خروفا، مستعد لأن يصير لصا! والبعض الآخر، تحت الضغط المادي، قد يصبح عنيفا! 

والقليلون فقط من لهم استعداد لرفض هذا الضغط! 

بل حتى النكات والقفشات التي تصلنا على مواقع التواصل، تترجم، بشكل ما، كل الضغط المادي والنفسي الذي أصبح عيد الأضحى، بتكلفته الباهظة، يمارسه على الأغلبية. 

في بعض السنوات التي يصادف فيها العيد منتصف أو أواخر الشهر، تصرف الحكومة المغربية أجور الموظفين قبل العيد لمساعدة الأسر على شراء الخروف. بذلك، تشتري الأسر الخروف ولوازمه، لكنها، على الأرجح، لا تحتفظ بما قد يكفي أفرادها لباقي الشهر. فلا بأس إذن أن يستدينوا طوال الشهر الموالي!
باختصار، تعيش معظم الأسر، وخصوصا ذوات الدخل المتوسط والمحدود، ضغطا رهيبا بمناسبة عيد الأضحى.

فأين الدين من هذا؟ وأين السنة من كل هذه التفاصيل المادية الرهيبة؟

كم سيكون جميلا لو حاولنا مناقشة علاقتنا ببعض العادات والتقاليد التي استلهمت ربما من الدين، لكنها انحرفت عن هدفها الأصلي وأصبحت تشكل ضغطا مجتمعيا وماديا رهيبا على الأفراد. 

وكم سيكون جميلا لو استطعنا مناقشتها دون تشنج... حتى نبني مجتمعا متصالحا مع ذاته. مجتمع، حين يقوم أفراده بممارسة دينية معينة، يفعلون ذلك بهدف روحي ديني، وليس بسبب إكراه مادي ومجتمعي بما أن كل الآخرين يفعلون ذلك!  

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.