بسنت حميدة تألقت بدورة البحر المتوسط
بسنت حميدة تألقت بدورة البحر المتوسط

في تعبير عن فرحتها بالحصول على الميدالية الذهبية في سباق مئة متر للسيدات في دورة ألعاب البحر المتوسط سجدت العدّاءة المصرية بسنت حميدة على الأرض شاكرةً الله على ما حقّقته من إنجاز كبير لها ولبلدها، ولكن هذه الرياضيّة كانت ترتدي أثناء السباق والسجود شورت قصير، فثار الإسلاميون في هجوم حاد على "السجود الذي كشف العورة"، وخرجت تعليقات مثل، "بعد قرنين من الغزو الفكري صورة تعبّر عن فصل الدين عن الدولة!، سجود يكشف العَورة"، وفي تعليق آخر "واحدة جسمها كلّه مكشوف ورايحة تسجد هل لديكم دين آخر نحن لا نعرفه"، وآخر اعتبر ما فعلته من "علامات الساعة لأن ما حدث قد اقترن مع كَثرة القتل كما هو مذكور بالأحاديث النبوية"، واتّهمها بعضهم بأن ما فعلته من الكبائر وأنها بهذا قد خرجت من الإسلام، وهذه مجرد عيّنة بسيطة من التعليقات التي تعكس فهماً محدّداً للإسلام ممّا يعيد تسليط الضوء على عدّة نقاط. 

أوّلها أن الإسلاميين غير موافقين بالأساس على ملابس هذه الرياضيّة إن سجدت بها أو لم تسجد، رغم معرفتهم أن تصميم ملابس الرياضيين يلعب دوراً حاسماً في تحقيق أفضل الأرقام، فهذه المنافسات تقوم على فروق بأعشار الثانية وأي ملابس تزيد من وزن اللاعبة أو من احتكاكها بالهواء سيعني ببساطة خسارة السباق وحرمان اللاعبات المسلمات من الفوز بأغلب الرياضات المعروفة، ولذلك يجد الإسلاميون أنفسهم في مأزق لأن الجهر العلَني بآرائهم التي لا تكتفي بتحريم ملابس الرياضيّات بل تحرّم كذلك مشاركتهنّ بالبطولات الرياضية "لأن الرجال والنساء يجتمعون فيها ضمن ملعب واحد ولأن الملايين يشاهدونها" سيكشف حقيقة أنهم يعيشون خارج العصر، وسيؤثّر على شعبيتهم بين عامّة الشعب التي تتابع بحماس كافّة النشاطات الرياضية. 

ولذلك يصمتون ويتجاهلون "تكتيكياً" هذه المواضيع وينتظرون وصولهم إلى مرحلة التمكّن من المجتمع والسلطة وحينها سيُعلنون عن مواقفهم الحقيقية التي لن تختلف من ناحية الرياضة النسائية عما تفعله حركة طالبان في أفغانستان، وللتأكّد من ذلك يمكن توجيه سؤال مباشر لحزب الإخوان المسلمين ولمؤسّسة الأزهر عن رأيهم الحقيقي بملابس البطلة المصرية بسنت حميدة وأسطورة كرة المضرب التونسية أُنس جابر، وكذلك عن رأيهم في مشاركة النساء في المسابقات الرياضية الدولية وليجيبوا إذا كانوا يملكون ما يكفي من الشجاعة. 

وهناك ناحية أخرى أكثر غرابة وهي أن بعض الإسلاميين يعتبرون سجود الرجال في الملابس الرياضية لشكر الله كذلك غير مقبول شرعاً، وكثُر الحديث عن ذلك بعد بروز محمد صلاح كلاعب عالمي وسجوده بعد كلّ هدف يحققه، حيث قال بعضهم إن عليه التوبة عن ما يفعل، ونشرت شبكة الألوكة الاسلامية بحثاً مطوّلاً شرحت فيه أسباب رفضها لهذا النوع من السجود أولها أن هذه الطريقة بالاحتفال "بدعة مأخوذة من النصارى وموافقة قسم كبير من الأمّة عليها لا يجعلها مقبولة شرعيّاً لأن الغاية لا تبرّر الوسيلة فماذا لو أخذ أهل الرقص والطرب بالسجود بعد تأديتهم لفقراتهم، ولأنه لم يُعرف عن النبي وأي من الصحابة أنهم كانوا يقومون بهذا السجود المجرّد من أي قول.. كما أن أنصار الفريق الآخر سيعتبرونه استفزازاً لهم"، وخلُص هذا الموقع إلى أن ضرر هذا السجود أكثر من نفعه، ولعلّ السبب الحقيقي لموقف الإسلاميين هذا أنهم لا يحبّون الرياضة بالأساس لأنها مثل الرقص والطرب "تلهي عن ذكر الله" ولأن سجود الرجال بملابس الرياضة كذلك يكشف العَورة!

وهذا يعيد الحديث عن المفهوم الشائع حالياً عن "العَورة"، والتي تعني لغويّاً الخلل والعيب في الشيء، كما تُطلق على أي نقطة ضعف أو ثغرة في الدفاعات كما هو واضح من سياق الآية 13 من سورة الأحزاب، "وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذنُ فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عَورة وما هي بعَورة إن يريدون إلّا فراراً"، أي يدّعون زوراً أن بيوتهم فيها ثغرة قد يدخل منها الأعداء ولابدّ من بقائهم فيها لحمايتها، والثغرة تعني لغويّاً "فتحة فرجة شقّ صَدع فَجوة"، وعند إسقاط هذه المرادفات على الجسد تصبح إشارة حصريّة على الأعضاء الجنسيّة فقط. 

فـ"عَورات النساء" الواردة في سورة النور من الصعب أن يكون المقصود فيها ذراعي المرأة أو ساقيها أو ظهرها وهي أعضاء متشابهة بين الذكر والأنثى والكبير والصغير، بل هي تقصد تحديداً الأعضاء الجنسيّة، ولذلك هناك تداخل بين مفردتي العَورة والعُري والذي يعني نزع كامل الملابس بما فيها ورقة التوت أو التين المذكورة في التراث الإسلامي والتي من المعروف ما الذي تستطيع تغطيته، ولكن من الصعب معرفة كيف تغيّر مفهوم العَورة بعد عدة قرون حتى أصبحت تشمل كامل جسد المرأة عند المتشدّدين، بينما استثنى "المعتدلون" منهم وجهها وكفّيها ولكن الطرفين اتّفقا على أن المطلوب أن تبدو المرأة كالقفّة حسب التعبير الذي استخدمه رجل دين مصري، وهذا ليس وصف مبالغة بل واقع من الممكن مشاهدته في الكثير من المجتمعات الإسلامية. 

والنقطة الأخيرة التي سلّط هذا السجال الضوء عليها هي حركة السجود نفسها، وهي طريقة قديمة لإظهار الطاعة والولاء سبقت الأديان حيث كان القادة المهزومون يلجؤون للسجود للتعبير عن ولائهم للملك المنتصر وكان عامّة الشعب يعبّرون بهذه الطريقة عن خضوعهم وطاعتهم لقادتهم رغم أنها كانت في كثير من الأحيان تعبير عن ولاء زائف سببه الخوف، وهناك في القرآن سجود الملائكة لآدم وسجود أخوة يوسف له بالإضافة طبعاً للسجود لله، وفي الماضي كانت صلوات أغلب الديانات تتضمّن السجود ولكنها تطوّرت مع الزمن لتتلاءم مع العصر وأصبح السجود عند أغلبها مقتصراً على صلوات محدّدة تقام في مناسبات هامّة أو في أماكن أو معابد بعينها. 

أما في الإسلام، فقد كثُر الركوع والسجود في الصلاة وخارجها نتيجة سيطرة مفهوم للعلاقة مع الله يقوم على الخوف، وتحكّم أصحاب هذا المفهوم بالمراكز الإسلامية خلال العقود الأخيرة وجعلوا المطلوب وضع الجبين على الأرض لأطول مدّة ممكنة لإظهار التذلّل والخضوع لله، وعبّر عن ذلك موقع الإسلام سؤال وجواب: "العبد أقرب ما يكون إلى ربّه في حال سجوده لأن السجود حالة خضوع حالة ذلّ لله وانكسار بين يديه حيث يضع وجهه وهو أشرف أعضائه الظاهرة في الأرض خاضعاً لربّه يرجو ثوابه ويخشى عقابه". 

ورفض هؤلاء الإسلاميون عبارة "الله محبّة" لأنهم يرون أنها شعار للنصارى وأن معناها باطل "فقد خلقَ الله الشيطان "إبليس" وفرعون ونمرود فهل يحبّهم، وهل يحب الله أعداءه ومن يشرك به ويتطاول عليه"، ويقولون إن هناك "مكانان في الآخرة لا ثالث لهما، من يرضى عنهم الله ويُدخلهم جنّات النعيم ومن يغضب عليهم ويُدخلهم دار العذاب الأليم ومن صفات الله العفو والرحمة ومن صفاته أيضا الغضب والكراهية والانتقام وشدّة العذاب". 

وقد انعكست هذه النظرة للإله الغاضب على الكثير من الإسلاميين بأن أصبحوا هم أنفسهم غاضبين دائماً، كما ترافق "الإسلام الصحيح" عندهم مع تقيّد بمواصفات خارجية بعينها يجب أن يبدو عليها المسلم حتى ينال رضى الله من ناحية مظهر وجهه وطراز ملابسه، وترافق هذا المظهر عند كثيرين منهم مع علامات تقرّن على جلد الجبين ربّما لكي يؤكّدوا لمجتمعهم بأنهم يطيلون في السجود، وحركة سجود بعض الرياضيين تدخل ضمن هذه النظرة لله. 

ولكن هناك شكل آخر للعلاقة مع الله يقوم على الحُب، حيث يحب الله البشر ويحبّونه ويشكرونه في المقابل، وكان منهم في الدين الإسلامي أتباع المذهب الصوفي، الذين قالوا إن العبادة هي تعبير عن محبّة الله، والحب الصافي لا يكون بسبب الخوف من النار أو الطمع في الجنّة استناداً على الآية "والذين آمنوا أشد حبًا لله"، واهتم الصوفيّون بتزكية النفوس وتصفية الأخلاق والتركيز على عقل وقلب وسلوك المؤمن أكثر من مظهره، وعلى صدقه وأمانته وحُسن معاملته للآخرين أكثر من سجوده وعباداته، ويبدو الصوفيّون أكثر رضا وسلام داخلي وسعادة عند مقارنتهم مع بعض المتشدّدين الذين يملأ الغضب قلوبهم ويحملون مشاعر كراهية تجاه كلّ من يختلف معهم ويعملون على معاقبتهم في الدنيا ممّا يعكس في الحقيقة ضعفاً في إيمانهم بالله واليوم الآخر.

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.