أقام نصرالله مأتماً للدولة اللبنانية وسلطاتها
أقام نصرالله مأتماً للدولة اللبنانية وسلطاتها

قد تكون الكلمة التلفزيونية التي ألقاها الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، مساء يوم الأربعاء الماضي، أهم ما قاله الرجل، منذ مايو 2008، حين أعطى أوامره بشنّ غزوة عسكرية ضد أركان الحكومة اللبنانية، في ذاك الحين.

أهميّة كلمته الأخيرة تكمن، تحديداً، في الخلفية التي تمّ بناء المواقف على أساسها، إذ أقرّ هذه المرة بأنّه يريد فعلاً أن يفرض نفسه مرشداً أعلى للجمهورية اللبنانية، مستنسخاً، بذلك نموذج سيّده السياسي والعقائدي والديني علي خامنئي الذي يتولّى منصب "المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران".

ولم يحد الزعيم الدرزي وليد جنبلاط عن جادة فهم هذه الخلفية، حين طلب من نصرالله، في تعليق على كلمته "أن يحدّد لنا ما هو المسموح وما هو الممنوع، وذلك أفضل من أن نضيّع وقتنا في التخمين".

قبل ذلك، لم يكن خافياً على أحد أنّ نصرالله يسعى، بكل الوسائل السلمية والعنفية المتوافرة لدى "حزب الله"، إلى فرض إرادته على الدولة اللبنانية، لكنّه في كلمته الأخيرة أخرج الأمور من دائرة التخمين ووضعها في خانة المؤكّد.

عملياً، أقام نصرالله، مساء الأربعاء الماضي، مأتماً للدولة اللبنانية وسلطاتها، وأبلغ مراكز القرار الدولي والإقليمي، في لحظة مهمّة لمنطقة الشرق الأوسط، بأنّ شاغلي المناصب الدستورية ليسوا سوى دمى في مسرحه هو.

في "مراسم الدفن" أفهم نصرالله الداخل والخارج أنّ السلطة اللبنانية يمكنها أن تتعهّد بما تشاء ولكن هو، في المقابل، لا يلتزم بكلامها ويُمكنه، حين يرى ذلك ملائماً، أن يفعل ما يشاء.

وقال: "سمعت أن بعض المسؤولين (رئيس الحكومة ووزير الخارجية نجيب ميقاتي وعبد الله بوحبيب، في بيان مشترك أصدراه في الرابع من يوليو الجاري) قالوا إنّ هذا العمل (إرسال مسيّرات تابعة لـ"حزب الله" الى حقل "كاريش" الغازي) حصل خارج الاتفاق، أي اتفاق؟ من أجرى اتفاقاً ‏مع من؟ إذا كان أحد أجرى اتفاقاً دون علمنا فهذا شأنه، لكن نحن في المقاومة لم نتفق مع أحد ولم نعد أحداً ‏بأننا لن نقدم على أي خطوة وأننا ننتظر المفاوضات أبداً، ومن يقل للأميركيين أو لأحد في العالم، ويعدهم ‏بأن المقاومة لن تفعل شيئاً ولن تقدم على أي خطوة، لا في السابق ولا حالياً ولا في المستقبل، فإنما هو يخدعهم ‏ويخدع نفسه".

أضاف: "من حقنا أن ‏نُقدِم على أيّ خطوة في أيّ وقت نراه مناسبا وبالحجم المناسب وبالشكل المناسب والضغط على ‏العدو لمصلحة المفاوضات والمفاوض اللبناني".

أكثر من ذلك، فإنّ نصرالله لم يتح للمسؤولين اللبنانيين، عندما يريدون البحث في أيّ مسألة سيادية مع دول القرار، سوى أن يُبلغوهم بأنّهم أعجز من أن يمونوا على "حزب الله"، وأفهمهم، في كلمته: "عندما تجلسون مع الأميركان، الأوروبيين، و‏الأمم المتحدة وكل العالم، اشتمونا، ولكن لا تتبرّؤوا منّا طبعاً، وقولوا لهم هؤلاء ‏جماعة لا ينصتون لأحد، وخارجون عن السيطرة، ولا نعرف بأيّ حائط يدخلون المنطقة ".

وهذا يعني أنّ على المسؤولين اللبنانيين، عندما يتفاوضون مع مراكز القرار حول أيّ مسألة تُعنى بلبنان، أن يفعلوا ذلك، بصفتهم موفدي "حزب الله" لا أكثر ولا أقل.

بطبيعة الحال، إنّ الآلة الدعائية التي يستند إليها "حزب الله" تُحاول أن تُخفّف من الأبعاد الخطرة لكلام نصرالله، بالإشارة الى أنّه يهدف الى إيجاد إطار من شأنه تقوية الدولة اللبنانية، بوضع استراتيجية "تبادل الأدوار"، فالمسؤولون يرفعون عنهم حرج المواجهة مع مراكز القرار، ليلقوا أعباءها على "حزب الله".

وهذا المنطق يصح لو كانت الدولة التي تفاوض وسيطاً بين طرفين، كحال ألمانيا حين لعبت دور الوسيط لتبادل الأسرى بين إسرائيل من جهة و"حزب الله" من جهة أخرى، ولكنّه يسقط حين تكون المسألة التي يتم التفاوض عليها متّصلة بسيادة دولة تزعم في تعاطيها مع المجتمع الدولي أنّها مستقلّة وسيّدة وتستند الى شرعية الدستور والسلطات والمؤسسات المنبثقة عنه.

إنّ نصرالله، عن سابق إصرار وتصميم، وجّه الى السلطات الدستورية اللبنانية الضربة القاضية، وألحق، إلّا إذا بُذلت جهود جبّارة، أضراراً كبيرة بمسار ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وتالياً بإمكان استخراج النفط في حال تواجد فيها.

إنّ الوسيط الأميركي آموس هوكستاين أخذ علماً أنّه إذا أراد الاستمرار في مهمّته، بات يحتاج إلى موافقة "حزب الله" على أيّ تعهّد يتلقاه من السلطات الدستورية اللبنانية، لأنّ هؤلاء ليسوا أصحاب "الحل والربط"، كما أنّ إسرائيل، في إطار تشدّدها المعهود في ملف ترسيم الحدود البحرية، سوف تجد في تصعيد "حزب الله" واستدعائها الى مفاوضات "تحت النّار"، المبرّر للتفلّت من أيّ تعهدات.

وإذا كان الرهان على أنّ العالم، في هذه المرحلة، يفتّش عن مصادر بديلة للغاز الروسي، بأيّ ثمن، يفوت نصرالله أنّ إيران تحتضن ثاني أكبر مخزون عالمي من الغاز الطبيعي، ومع ذلك، فإنّ تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، لم تجعل الولايات المتحدة الأميركية توافق على شروط سبق أن رفضتها، قبل هذا الغزو، لإحياء "الاتفاق النووي".

وإذا كان نصرالله يُهدّد بأن يعتمد ضدّ آبار الغاز الإسرائيلية السيناريو الذي اعتمده "حوثيو" اليمن ضدّ آبار النفط في المملكة العربية السعودية، فإنّ ذلك سوف يجرّ عليه ويلات إقليمية ودولية، أكبر بكثير من تلك التي سقطت على حلفائه اليمنيين الذين كانوا قبل ذلك يمنون أنفسهم بأنّ الضغط الأميركي على التحالف العربي سوف يعينهم على إسقاط مأرب الإستراتيجية، بعدما أحكموا حصارها.

ولو كانت إسرائيل تخشى "حزب الله" إلى المستوى الذي يسوّقه نصرالله، لما كانت أصلاً قد أقدمت على أيّ خطوة استثمارية في أيّ حقل غازي يلامس المياه الإقليمية اللبنانية، لأنّها هي الأدرى بما يملكه حزبه من قوة وبما يعتمده من تكتيكات، وليس من قبيل التسلية أنّها أجرت في قبرص والبحر الأحمر، قبل وصول منصة استخراج النفط الى حقل "كاريش"، أكبر مناورة عسكرية حاكت حرباً مع "حزب الله" ومع إيران في آن.

إنّ الأمين العام لـ"حزب الله" يُسقط منطق الدولة ليُعلي منطق القوة، وهو، من أجل ذلك، يستغلّ تفسيراً خاطئاً لأحداث الماضي.

في كلمته الأخيرة، اعتبر، مثلاً، أنّ "حزب الله" أسقط مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي أعلنت، في العام 2006، وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس "أنّنا نشهد مخاض ولادته".

ويبدو أنّ نصرالله يُصدّق نفسه، وهو ينطق بهذا الكلام، متجاهلاً أن الشرق الأوسط أصبح، بالفعل، جديداً، بدءاً باتفاقيات إبراهيم، مروراً بالقمم الإقليمية التي تجمع خصوم الأمس، وصولاً الى التنسيق العسكري والأمني والمخابراتي والتكنولوجي والسياحي والاقتصادي والاستثماري بين أغنى دول الشرق الأوسط.

إنّ الشرق الأوسط الذي كما كان في العام 2006، لم يعد بأيّ وجه من الوجوه هو نفسه. لقد أصبح، بكل المعايير، شرقاً أوسط جديداً، حيث "يتمرمغ" زاعمو إسقاطه في بؤر الفقر والعزلة والاضطراب والهجرة والجوع، كما هي عليه، مثلاً، أحوال لبنان وسوريا وإيران.

ومن الأمثلة أيضاً على توهّم القوة الذي يعتمده نصرالله، اقتناعه بأنّ الوسيط الأميركي آموس هوكستاين، زار لبنان، في منتصف يونيو الماضي، خوفاً من حزبه.

ولكنّ نصرالله الذي يُمضي غالبية نهاراته ولياليه مع "أمثاله" و"مساعديه" و"مرآته"، يتجاهل أنّ كبار المسؤولين اللبنانيين وجّهوا إلى الوسيط الأميركي دعوة ملحّة للعودة سريعاً إلى لبنان، بعدما دفعهم وصول منصّة استخراج النفط إلى حقل "كاريش" الغازي، إلى الاتفاق على وضع ردّ موحّد على الطرح الذي كان قد سبق أن قدّمه لهم.

ويستطيع نصرالله، إغناءً لمعلوماته، أن يستنجد بنائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الذي أعلن، وبوضوح، أنّ لبنان ضيّع وقتاً ثميناً بعدم بلورة ردّ موحّد على طرح هوكستاين، ولكنّه صحّح الخطأ بوضع التصوّر الأخير.

ويعرف كثيرون في لبنان أنّ توجيه "حزب الله" لمسيّراته نحو حقل "كاريش" هو الذي عرقل المساعي التي بذلها هوكستاين، إذ كان قبل أن يُقدم "حزب الله" على فعلته هذه قد نال جواباً إيجابياً من إسرائيل عن إمكان إحياء المفاوضات الحدودية على أساس الجواب اللبناني.

إنّ للبنان تجربة سيادية مهمّة مع "حزب الله" تتكرّر، حالياً.

في العام 2000، وبعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، بقي ملف مزارع شبعا عالقاً، لتبرير إبقاء سلاح "حزب الله".

وقد عرقل النظام السوري، بالتفاهم مع "حزب الله" المفاوضات التي كانت تتولّاها الأمم المتّحدة، من خلال امتناعه، عن تقديم الوثائق التي تُثبت أو تنفي "لبنانية" مزارع شبعا.

وقال "حزب الله" عن قدرة قوّته التحريرية البرّية ما يقوله، راهناً، عن قوّته التحريرية البحرية.

ورفضت إسرائيل أن تتنازل عن هذه المزارع معتبرة أنّ "حزب الله"، سوف يجد، حتى لو فعلت ذلك، حججاً جديدة ليبقى في صراع هو مجرّد "عسكري" فيه.

ومع توالي السنوات، نسي "حزب الله" وعد تحرير مزارع شبعا، لا بل إنّه في حرب العام 2006 لم تبق هذه المزارع تحت سلطة إسرائيل فحسب، بل خسر لبنان الجزء العائد له من بلدة "الغجر" الحدودية، أيضاً.

وحالياً، يُجدّد نصرالله اللعبة نفسها، بما يختص بالحدود البحرية، بحيث يريد تحويلها إلى مزارع شبعا جديدة.

وثمّة قوى لبنانية وغربية تعرب عن اعتقادها بأنّ "حزب الله" لا يريد أن يسمح للبنان باستخراج الغاز من مياهه الإقليمية المحاذية للمياه الإقليمية الإسرائيلية، لأنّ ذلك يفرض واقعاً جديداً، بضمانات إقليمية ودولية، من شأنه أن يُسقط المنطق المبرّر لاستمرار تسلّح "حزب الله".

و"حزب الله" لا يستطيع التخلّي عن سلاحه، لأسباب خاصة بطموحاته اللبنانية، ولأسباب متصلة بوظيفته الإقليمية التي توفّر له من إيران "الميزانية والأكل واللبس".

ولو كان قلب "حزب الله" على غاز لبنان، لما له من تأثيرات إيجابية على الشعب الذي يعاني من أسوأ كارثة في تاريخه، لكان، وهو الحليف الوجودي للنظام السوري، قد أثار مسألة النزاع "الممنوع نقاشه" مع سوريا على ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

ولا يُلام نصرالله كثيراً، فـ"الملك الداشر يعلّم الناس الحرام" على ما يقول المثل اللبناني، ففيما هو يُسقط الدولة اللبنانية في حفرة الفناء، يخوض رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة "حرباً إعلامية" على حصص في سلطة حوّلها "حزب الله" إلى... مهزلة!

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.