الحرب الأوكرانية مستمرة
الحرب الأوكرانية مستمرة

لا يمكن الفصل بعواقب الحرب المشتعلة في أوكرانيا. قد تكون وخيمة نتيجة لحسابات سيئة يقدم عليها الروس في اعتدائهم وحاجتهم إلى تحقيق النصر أو ما يشبهه، أو أقلّه حفظ ماء الوجه، أو الأوكرانيون في صمودهم ومقاومتهم وإصرارهم على استرجاع ما ليس بوسعهم استرجاعه، أو الولايات المتحدة وحلفاؤها في مسعى دعم أوكرانيا وتمكينها من الصمود، في إطار قانون الحرب الدولي وتوافقا مع مصلحة الغرب في ردع روسيا وإقناعها بعدم جدوى المغامرات التوسعية.

احتمالات الانزلاق إلى مواجهة مباشرة بين حلف شمالي الأطلسي وروسيا ليست معدومة، وفرضية أن هذه المواجهة قد تنضوي على استعمال السلاح النووي بدورها ليست صفرا. وهذا من شأنه أن يجعل هذه الحرب شأناً خطيرا يطيح بكافة اعتبارات الربح والخسارة التي تشغل بال الأفرقاء المشاركين والمتورطين.

من المستبعد جدا أن تخرج روسيا رابحة من هذه الحرب. طبعا هذا يتناقض مع تأكيدات المسؤولين الروس، الرئيس ووزير خارجيته ووزير دفاعه، وجحافل المعلّقين الموالين لهم، بمن فيهم الناطقين بالعربية، حبا في علي أو كرها في معاوية. ذلك أن أداء روسيا على مدى الأشهر المستطيلة من هذه الحرب، والتي كانت التوقعات تشير إلى أنها سوف تنتهي بسقوط العاصمة الأوكرانية خلال بضعة أيام، لا ينبئ بأن موسكو ممسكة بكفاءة بزمام الأمر الوحيد المتبقي لها من ماضيها كقوّة عظمى، أي الجبروت العسكري.

والقراءة من واشنطن في الأوساط المعنية بمتابعة الشأن الروسي هي أنه بعد أن كادت روسيا، تحت مسمّى الاتحاد السوڤييتي، أن تستجمع الإمكانيات والموارد لتقف ندّا للولايات المتحدة في النفوذ والتأثير والقوة، هي اليوم دولة متهالكة متآكلة، تتراجع مرتبتها في تعداد القوى الاقتصادية الأولى في العالم عاما بعد عام، إذ هي اليوم بمصاف إسبانيا، وينتظر أن تشهد المزيد من التقهقر في المدى القريب، بل يتراجع تعداد سكانها، رغم تواصل وفود الناطقين بالروسية من الجمهوريات السوڤييتية السابقة، وتنخفض فيها حيوية المكوّن القومي اللغوي الثقافي الأول، أي السكان الروس المسيحيون الأرثوذكس، وتنبئ الحيوية في صفوف القوميات التي يغلب عليها الإسلام تحديداً، مع غلبة "الوعي" القومي الفئوي، بتوترات قادمة.

لا شك أن قيادة فلاديمير بوتين لروسيا على مدى عقدين من الزمن قد أعادت لروسيا أقداراً من الهيبة والإقدام، لاسيما وأن تولي بوتين موقع المسؤولية الأولى في روسيا قد تزامن مع رئاسات ملتبسة مضطربة في الولايات المتحدة، من جورج دبليو بوش في مستنقعيه العراقي والأفغاني، مرورا بكل من باراك أوباما ودونالد ترامب المتشابهين بافتقادهما للخبرة والعلم في العلاقات الدولية، والمطمئنين كل على طريقته إلى نبوغه وتفوقه، وصولا إلى جو بايدن، ذي الاطلاع المشوب بالتردد والارتباك.

بوتين امتطى المأساة السورية، معوما النظام القاتل في دمشق، مرتقيا ببلاده إلى مصاف الدولة العظمى في هذا الملف، واضعاً كل من الولايات المتحدة وتركيا وإيران وإسرائيل في موقع من عليه الرجوع إلى موسكو فيه، طوعاً أو قسرا. بوتين نجح كذلك في تنشيط قطاعي الزراعة واستخراج النفط والغاز، واستفاد من اطمئنان (تبين فيما بعد افتقاده لما يبرّره) لدى الدول الأوروبية لإقامة سلسلة من الشراكات التوريطية، والتي أوهمته بأنه ممسك بمصالحها وقادر على ضمان "ولائها" أو خضوعها.

ولكن هذه الإنجازات لم تكن أول الغيث. بل إن روسيا، عشية اجتياحها لأوكرانيا، كانت عند حدها الأقصى. قوتها عائدة إلى محافظتها على قطاع انتاج عسكري متطور (رغم أن بعض المتابعين في الولايات المتحدة يعتبرون بأن الترويج الدعائي لهذا القطاع يتفوق على دقته وقدرته)، في حين أن المعطيات الموضوعية تشير إلى أن أعباء المحافظة على هذا التقدم العسكري تتعاظم، بالمطلق وبالنسبية. ثمة من يرى، هنا في واشنطن، أن اجتياح أوكرانيا كان من باب صرف هذا الواقع فيما هو ممكن ومتاح، أي أنه لم يكن جهلاً باحتمالات الفشل، ولكن بناء على أن هذه الاحتمالات إلى تصاعد في المراحل التالية. بوتين تحدّث عن الخطر المتعاظم الذي يشكله توسّع حلف شمالي الأطلسي على روسيا. بالفعل، ثمة موافقة في أوساط المتابعين للشأن الروسي في واشنطن على صحة القراءة الروسية بأن هذا الخطر إلى ارتفاع، ليس لأن الحلف يزداد قوة ويرغب بالتمدد أو ينتهج العدائية، ولكن لأن روسيا تنحسر وتتراجع.

لا يمكن الجزم بأن رهان بوتين التاريخي، إذا صحّت هذه القراءة، والقاضي باستعمال القوة قبل أن تتبدد للعودة إلى موقع القدرة والنفوذ، قد فشل قطعاً. ربما أنه يعوّل، وله ما يبني عليه هذا التعويل، على سوء إدارة الطرف الآخر لقدراته، ما قد يوفّر له وضعاً حسناً آنياً، وربما على المدى المتوسط، وإن استمر الارتباك لدى الخصوم على المدى البعيد. ولكنه رهان صعب، نجاحه بعيد المنال فيما أثمانه على ما تبقى من مواقع الارتكاز في روسيا باهظة ومتحققة، وليس أقلها تعميق الهوّة بين رؤيتين حول مستقبل روسيا تستقطب كل منهما شرائح اجتماعية واقتصادية وجيلية مختلفة. بوتين يقامر، وروسيا مهيأة أن تخسر، مادياً ومعنويا.

على أن أوكرانيا لن تنتصر. إلا إذا أعادت تعريف معنى الانتصار بالنسبة لها للإقرار بمعطيات من الصعب تجاهلها. لحظة أعتدى بوتين على أوكرانيا، جعل من القضية مسألة حق وباطل جلييّن. الظالم المستحق للإدانة هي روسيا، والمظلوم الذي يجب أن ينصر هي أوكرانيا. هذا هو الموقف الوحيد الذي لا يفرّط بالحق والقانون الدوليين.

أوكرانيا على حق صريح، ولكنها بعيدة عن الملائكية. سياستها اللغوية تلامس التعسفية (وإن كان كذلك الحال في روسيا) دون أن يعطي ذلك أدنى حق لروسيا بالتدخل العسكري. معالجتها لمسألة القوميين المتشددين المسلحين (فيلق آزوڤ تحديداً، والذي جرى استيعابه كرديف للقوات المسلحة) تنضوي على إشكاليات. غير أن المواقف المتطرفة والأفعال المشينة لبعض القوميين الأوكرانيين المتشددين لا تختلف عن تلك التي يشهرها ويمارسها الانفصاليون المدعومون من روسيا، بل هي أقل كما وإن تطابقت نوعا عند أقصاها مع سلوكيات الجيش الروسي في أوكرانيا، إذ استباحها وشنّع فيها قتلاً وغصباً وخراباً.

الواقع الأوكراني، بعد أن تمعن فيه الانتقائية والمبالغات، مادة تضليلية دعائية في خدمة تبرير العدوان الروسي، ولكنه أيضا حقيقة على الأرض. شبه جزيرة القرم كانت روسية (كانت تتارية قبل أن يرحل السوڤييت أهلها التتار منها)، ثم "أهداها" خروتشيف، خلف ستالين، في الخمسينات، من مركز القرار السوڤييتي في موسكو إلى جمهورية أوكرانيا الوهمية السوڤييتية، التابعة يومها بالكامل لموسكو. شاء خروتشيف أن يخادع العالم والتاريخ، فخدعه التاريخ واستقلت أوكرانيا مصطحبة معها "الهدية".

من حق الرئيس الأوكراني، باسم شعبه ووطنه، أن يؤكد على نيته استرجاع كامل التراب الأوكراني. ولكن الواقع هو أنه من فائق الصعوبة أن تعود "الهدية" التي استردها صاحبها (وإن لم يكن صاحبها الأول) إلى أوكرانيا. واستبعاد الاستعادة هو كذلك حال الدونباس بجمهوريتيها، واللتان في طور الإعداد للانضمام إلى الاتحاد الروسي. القرار الذي سوف يواجه أوكرانيا بحال اكتفت روسيا بهذا القدر من التوسع، حيث لا يبدو أنها قادرة على المزيد، هو هل أن تواصل الخراب على مدى كامل أوكرانيا ثمن مقبول للاستماتة في سبيل استعادة ما لن يعود؟

أوكرانيا سوف تخرج من الحرب في أفضل الأحوال بلادا مدمرة مقطعة الأوصال على مستوى بناها التحتية وعلى مستوى مواطنيها. اعتمادها هو على الغرب، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروپي، لإيجاد الصيغة لاستنقاذها وإعادة بنائها. النوايا الطيبة موجودة، والإمكانيات يمكن أن تستجمع. ولكن حتى في أفضل الظروف، فإن المسألة من شأنها أن تستغرق عشرات السنين من الوجع الذي كان يمكن ألا يقع. لا انتصار هنا.

الخاسرون كثر، وليسوا حصرا طرفي النزاع. الدول الأوروبية مضطرة إلى مراجعة نظم أمن الطاقة والأمن الغذائي لديها، بالإضافة إلى إعادة الاعتبار لحلف شمالي الأطلسي وغيره من الترتيبات الأمنية. مسائل البيئة والتبدل المناخي، على خطورتها، تنتقل بالتالي إلى الصف الثاني.

العالم في العديد من أقطاره معرّض للمجاعة نتيجة انقطاع التصدير أو انخفاضه في كل من أوكرانيا وروسيا المنتجتين للقمح الذي تعيش عليه دول ومجتمعات عديدة. ورغم أن عواقب هذا الانقطاع من شأنها أن تكون أكثر مأساوية من الحرب نفسها، فإن السوابق التاريخية تفيد للأسف أن القلق بشأنها والمتابعة التصحيحية لها لن تكون على المستوى المطلوب.

الولايات المتحدة ليست من تسبب بهذه الحرب. ومقولة أنه كان من شأنها منعها من الوقوع لو أنها قبلت بمطلب الرئيس پوتين بالتوقيع على اتفاق مقترح بين البلدين يضمن أن أوكرانيا لن تنضم إلى حلف شمالي الأطلسي، هي مقولة فاسدة، إذ تقوم على الانتقال من مبدأ سيادة الدول إلى منطق القوة. ولكن الولايات المتحدة مهيأة أن تبني على نتائج هذه الحرب لتمتين النظام الدولي القائم على المبادئ التي كان لها الدور الأول في إرسائها بعد الحرب العالمية الثانية، والاستمرار بالتالي في موقعها كالقوة العظمى الضامنة للنظام الدولي. هذا إذا جرت الأمور كما هو متوقع من صمود أوكراني وإنهاك روسي وصبر أوروبي وحكمة أميركية. ليس في هذه الرباعية ما هو مضمون بالتمام.

على أن ثمن هذا الكسب الأميركي الموعود ليس منخفضا، لا اقتصاديا ولا ماليا، ولا على مستوى تعدد الملفات المتداخلة بشأنه عالمياً. الكلفة عالية، والقدرات الذاتية لإدارة الرئيس بايدن كما الإدارات التي سبقتها محدودة لاعتبارات رتيبة ولكن مؤثرة. فاحتمالات الارتباك والفشل قائمة. غير أن الحصيلة الأكثر رجحانا هي لصالح الولايات المتحدة، وإن بمقدار ضئيل، لولا أن المسألة عالمية في نتائج تبدل موازين القوى.

إذ ثمة قوة أخرى، عظمى بالفعل متحققة في أوجه وفي طور التحقق في أوجه أخرى، تستعرض حصيلة مرتقبة تطالها من الحرب الروسية في أوكرانيا تكاد أن تخلو من الأثمان، فتكثر فيها الفرض وإمكانيات التقدم والاستفادة. هي الصين طبعاً.

روسيا تغامر وتقامر وتتجه إلى الفشل. أوكرانيا إلى دمار. أوروبا إلى فوضى سياسية وشح في الطاقة. العالم إلى مجاعات واضطرابات. الولايات المتحدة إلى امتحان صعب لقدرتها المهتزة على القيادة، وإلى كلفة مادية مرتفعة. أما الصين، فإلى الأمام.

الصين ليست معفية بالكامل من نتائج العرقلة في الإنتاج والتوزيع في روسيا وأوكرانيا. ولكنها محصنة بما يجعل من أثمان الواقع الجديد محدودة وقابلة للاستيعاب دون ضرر كبير. بعض الدول الأخرى، الهند، إيران، السعودية، البرازيل، وغيرها قد تتمكن من ترجيح ميزان عواقب الحرب باتجاه الكسب لا الخسارة. غير أنه لا مجال لمقارنة الحاصل هنا مع حجم الكسب صينياً، وأميركياً.

الصين سائرة لا محالة للارتقاء إلى موقع الندية من حيث القدرة والنفوذ عالميا مع الولايات المتحدة. ربما أن النتيجة الوحيدة المؤكدة لحرب روسيا على أوكرانيا هو الإسراع في ارتقاء الصين هذا.

وعليه يكون المنتصر في حرب أوكرانيا هو الصين.

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.