ونستون تشرتشل رفقة الملكة إليزابيث

بعد يوم واحد فقط من وفاة الملكة إليزابيث الثانية، بدأ الحديث في أعمدة الصحف في بريطانيا وخارجها عن مصير الملكية، هل يجب أن تتغير؟ في العصر الحديث، بعد رحيل حاملة لواءها التي كانت تتمتع بشعبية كبيرة، هل يجب أن تستمر الملكية؟ ومما يزيد من التشكيك بصورة الملكية، ما شاهدنه من قبل الـ Woke Liberals، فلم يضيعوا الوقت في مهاجمة الملكة ونعتها بصفات مثل "المستعمرة" بعد ساعات فقط من وفاتها وقد نشرت عدة تغريدات ساخرة ومسيئة للملكة إلى حد كبير. وبالرغم أن السبب الظاهر لهذا الهجوم من قبل هؤلاء هو بسبب تاريخ الملكية الإمبريالي، إلا أن الدافع الحقيقي هو أن حزب المحافظين يستمد قوته من الملكية وكذلك الملكية بالرغم أنها بعيدة عن السياسة، إلا أنها تستمد قوتها من دعم المحافظين، وبالتالي الهجوم على الملكية هو هجوم على الأحزاب المحافظة ومبادئهم.   

ففي يوم وفاة الملكة إليزابيث، كتبت مايا جاسانوف، أستاذة تاريخ في جامعة هارفارد، في صحيفة نيويورك تايمز: "الآن بعد رحيلها، يجب أن ينتهي النظام الملكي الإمبراطوري أيضاً. نحن لا نرى حقاً مغزى النظام الملكي". كذلك نشرت أستاذة في جامعة في ولاية بنسلفانيا تغريدة كتبت فيها: "إنها تأمل أن تكون الساعات الأخيرة من آلام الملكة مؤلمة" . كما شاركت كاتبة في مجلة ذا أتلانتيك، جيميل هيل، على حسابها في تويتر قائلة: "إن على الصحفيين واجب تغطية ما وصفته بالآثار المدمرة لحكم إليزابيث. الصحفيون مكلفون بوضع الموروثات في سياقها الكامل، لذلك من المناسب تماماً فحص الملكة ودورها في التأثير المدمر للاستعمار المستمر" . كذلك كتب الصحفي في الـ واشنطن بوست، يوجين سكوت، تغريدة يتساءل بها عن الوقت المناسب للحديث عن الاستعمار في ظل الملكة.

كذلك يستغل هؤلاء علاقة الأسرة المالكة غير الجيدة بنساء فاتنات ولهم شعبية كبيرة مثل الأميرة ديانا سبنسر أو لهم شهرة واسعة مثل ميغان ماركل. فقد قالت إيبوني إليزابيث توماس، أستاذة اللغة الإنجليزية في جامعة ميشيغان، التي أشارت إلى سوء معاملة المرأتين اللتين تزوجا في منزل وندسور: "في هذه اللحظة، فإن ذكرى ديانا وميغان تجعل عيني جافة تماماً وتمنعني من ذرف الدموع على الملكة". كما أفادت مجلة غريد أن الملك الجديد يعاني من كونه أقل شعبية من والدته وكذلك من ابنه ويليام، الذي هو الآن التالي في ترتيب العرش، ومن هنا تزداد أيضاً احتمالية التشكيك في النظام الملكي عندما تكون هناك أسئلة حول شعبية الملك.  

لكن ومع كل ذلك، فإن استطلاعات الرأي تشير إلى ارتفاع شعبية الملكية في بريطانيا، ففي استطلاع أُجري في أواخر عام 2021، قال ثلاثة من كل خمسة مشاركين إنهم شعروا بضرورة الحفاظ على المؤسسة الملكية. لكن ذلك كان قبل وفاة الملكة بفترة، فهل سيشعرون بنفس الشيء في عهد الملك تشارلز الثالث؟ فلو تم القرار على الحفاظ على الملكية، فكيف سيكون ذلك وبأي شكل؟ توجد نماذج مختلفة جداً ليست بعيدة عن بريطانيا، في الدول الإسكندنافية على وجه الخصوص، حيث العائلات الملكية حداثية نسبياً وأكثر واقعية - وربما نتيجة لذلك - تحظى بشعبية كبيرة أيضاً. كذلك الأنظمة الملكية من إسبانيا إلى هولندا تبذل جهوداً للتحديث بنتائج متباينة، وقد صرح تشارلز نفسه علنياً عن رغبته في "تقليص" نفقات الملكية البريطانية، وهذا الطرح يعتبر منطقي جداً، خاصة وأن بريطانيا مقبلة على اقتصاد مهزوز بسبب الأزمة الأوكرانية، مما سيجعل الملكية في موضع تساؤل لدى البعض. 

فهناك الكثير من المحللين يقولون إنه من العقلانية مادامت الأمة البريطانية تتغير، فإن على النظام الملكي أن يتغير أيضاً ويكون أكثر شبابية. فالغالبية العظمى من جيل الشباب الصامت ليس ملكياً ولا محافظاً ويريد الذي يمثله أن يكون من جيل الشباب وليسوا من كبار السن أو على الأقل يتمتع بروح الشباب ويكون أكثر حداثة وتواضعاً واقتصاداً في النفقات حتى يكون مواكباً لطلبات الشباب والمجتمع عموماً خاصة مع ارتفاع أسعار السلع والوقود والتضخم بسبب الحرب في أوكرانيا. أما الهجوم من قبل البعض عبر اتهام الملكية بـ "المستعمرة"، فما هي إلا بروباغندا غرضها خدمة أجندات سياسية وليس مجرد تغطية تاريخية، فكما اختلف حزب المحافظين اختلافاً جذرياً عن حزب الخمسينيات وتبنى القومية الوطنية بدلاً من الإمبريالية، كذلك هي الملكية الآن.  

لقد شنت تيارات وأحزاب وأفكار ومفكرين حملات على الملكية في بريطانيا، حتى ليز تراس، رئيسة الوزراء الجديدة، أدلت في شبابها بدلوها الداعي لإلغاء الملكية وتساءل كثيرون، كيف لبلد من أعرق الديمقراطيات أن يحافظ على الملكية؟ لكن كل هؤلاء فشلوا وابتعدوا عن هذه الحملات، والسبب لهذا الفشل هو الملكة إليزابيث بسبب ما تمتلكه من حكمة وهيبة، وكذلك بالرغم أنها كانت تحافظ على البروتوكولات الملكية إلا أنها كانت مواكبة للحداثة إلى حد ما. والآن في خضم ما تعيشه بريطانيا من هلع اقتصادي ونظام دولي يتفكك وحروب، فهل تشارلز سيقوم بما قامت به والدته التي كانت "أم الأمة" ذات الطاقة الإيجابية الموحدة وسيدفع بحداثة الملكية بشكل أكبر؟ هذا ما سنراه في الشهور والسنوات المقبلة.  

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.