مصادر تتحدث عن اجتماع مرتقب بين بايدن وبن سلمان في نيودلهي ـ صورة أرشيفية.
قرار أوبك بلس يزيد الضغوط على العلاقات المتوترة بين الرياض وواشنطن

صرح البيت الأبيض أن الرئيس بايدن يشعر بخيبة أمل جراء القرار – الذي وصفه بـ "قصير النظر" – الذي اتخذته أوبك+ بخفض حصص الإنتاج، وألقى باللوم تحديدا على روسيا والسعودية بارتفاع أسعار النفط، ويعزى ذلك إلى قرار أوبك+ الأخير.  وهذا ما جعل وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، يرد على هذه الاتهامات في مقابلة على قناة Fox News فوكس نيوز في برنامج "Special Report" "سبيشل ريبورت"، وقد قال وزير الدولة السعودي: "مع احترامي، السبب في ارتفاع أسعار النفط في الولايات المتحدة هو أن لديك نقصا في التكرير موجودا منذ أكثر من 20 عاما". وبهذا وضح عادل الجبير أن سبب ارتفاع أسعار النفط هو النقص في إنتاج المصافي الأميركية، إضافة إلى ذلك، لم توسع إدارة بايدن إنتاج النفط المحلي، وبهذا يشهد الأميركيون ارتفاع أسعار النفط مرة أخرى.  ومع ذلك، فإن الهجوم على السعودية منذ أن اتخذت أوبك+ قرارا بخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا لم يكن هو نفسه بين الديمقراطيين والجمهوريين، فكل واحد منهم كانت له ردود فعل مختلفة تجاه القرار الأخير لأوبك+.

فبعد قرار أوبك+ بخفض إنتاج النفط، شن مجموعة من المشرعين الديمقراطيين هجوما على السعودية، وطالبوا بخروج الجيش الأميركي من السعودية، وقد قدم النواب Tom Malinowski توم مالينوفسكي من نيوجيرسي، و Sean Casten شون كاستن من إلينوي، و Susan Wild سوزان وايلد من ولاية بنسلفانيا، هذا الأسبوع، "قانون الشراكة المتوترة" الذي فرض إزالة جميع القوات الأميركية، ليس فقط من المملكة العربية السعودية، بل أيضا من الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب الدفاعات الصاروخية، مثل باتريوت ومنطقة المرتفعات الطرفية نظام الدفاع. وقد قال النواب في البيان: "إن التخفيض الكبير من قبل السعودية والإمارات في إنتاج النفط، على الرغم من انفتاح الرئيس بايدن على كلا البلدين في الأشهر الأخيرة، هو عمل عدائي ضد الولايات المتحدة، وإشارة واضحة إلى أنهما اختارا الوقوف إلى جانب روسيا في حربها ضد أوكرانيا".

وقد أضاف زعيم الأغلبية بمجلس النواب الأميركي، Chuck Schumer تشاك شومر، في تغريدة نشرها عبر حسابه في "تويتر": "ما فعلته المملكة العربية السعودية لمساعدة بوتين على الاستمرار في شن حربه الدنيئة والشرسة ضد أوكرانيا سيتذكره الأميركيون لفترة طويلة. نحن نبحث في جميع الأدوات التشريعية للتعامل بشكل أفضل مع هذا الإجراء المروع والساخر للغاية، بما في ذلك مشروع قانون NOPEC".  فمن خلال "قانون نوبك" يمكن رفع دعاوى قضائية على أعضاء أوبك بدعوى ممارسة الاحتكار، وهذا ردا على قرار أوبك+ الأخير لخفض الإنتاج.   

إن أكثر ما أثار غضب النواب الديمقراطيين أن الخطوة التي اتخذتها منظمة البلدان المصدرة للبترول، والتي أدت إلى ارتفاع أسعار النفط في ظل الاقتصاد العالمي المتأزم بالفعل، هو توقيتها مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس، والتي ينظر إليها الكثير من الديمقراطيين على أنها ضربة سياسية خطيرة ضد بايدن، خاصة مع تعرضه لانتقادات واسعة بسبب تقديمه ضربة بقبضة اليد إلى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، خلال زيارته للمملكة في يوليو الماضي، والتي يراها الكثير من الديمقراطيين نوع من التودد لشخص ولي العهد


أما ردود فعل الجمهوريين كانت مختلفة وقد وضحها النائب الجمهوري Dan Crenshaw دان كرينشو عندما ذكر بأن إدارة بايدن تتعاون مع إيران من أجل إعادة الاتفاق النووي السخيف، ماذا كنا نتوقع؟ فالعلاقة مع السعودية هي علاقة سياسية واقعية وهي قائمة على المصالح المشتركة. إذا أفسدت هذا التوازن، فسيتفاعلون مع ذلك، وهم بالفعل يفعلون ذلك. كما انتقد النائب الجمهوري الرئيس الأميركي بأنه يريد تخفيف العقوبات على فنزويلا لأنه يريد الولايات المتحدة أن تتجه إلى مصادر الطاقة هناك. ففي نظر النائب الجمهوري أن خطوة واحدة غير مدروسة تؤدي إلى تبعات وخيمة، فعلى حسب تحليله أن السعوديين خفضوا صادرات النفط باعتباره انتقاما محتملا لمحاولات إدارة بايدن بالتقرب من النظام الإيراني، والتفاوض على الاتفاق النووي، وهو التهديد الجيوسياسي الأكبر للسعودية  والآن تتجه الولايات المتحدة بالتفاوض مع نظام الرئيس الفنزولي الاشتراكي، نيكولاس مادورو، بهدف السماح لشركة "شيفرون" الأميركية للطاقة بالعودة للعمل هناك.

كذلك يرى الجمهوريون أن مشكلة الإدارة الأميركية مع سوق الطاقة ليست فقط مع السعودية و"أوبك" وإنما أيضا مع شركات الطاقة الأميركية الكبرى، وقد وضح دان كرينشو في مقابلة له على قناة فوكس نيوز بأن بايدن لديه علاقة سيئة مع شركات النفط والغاز الأميركي، فهو يوبخهم لأنهم لا ينتجون ما يكفي، بينما يضر أيضاً بقدرتهم على الإنتاج بمزيد من الضرائب واللوائح. كذلك ينتقد الجمهوريون سياسة المناخ لدى الديمقراطيين التي تركز بشكل أساسي على إدمان الغرب على الوقود الأحفوري المكلف جدا، وهو حافز لمنتجي أوبك لزيادة إيراداتهم بأسرع وقت ممكن. ولحل هذه الإشكالية فإن "قانون نوبك" ممكن أن يكون خطوة مرضية عاطفيا، إلا أنها خطوة من شأنها، في جميع الاحتمالات، أن تكون غير فعالة ومضرة بالمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة.

لذلك يرى الجمهوريون أن وقت الأزمات يجب وضع الأولويات العقلانية، فليس من المنطقي السعي إلى إنقاذ كوكب الأرض من الاحتباس الحراري بتدابير مكلفة، وعموما فإن الطاقة ليس لها ذلك التأثير الكبير على درجات الحرارة العالمية بعد عقود من الآن، بينما تستفيد من خلال سياسة المناخ هذه الأنظمة المنتجة للنفط. ففي نظرهم، يجب ألا تتردد الولايات المتحدة مطلقا في الاستفادة من مواردها من الطاقة وزيادة الضخ وبذلك سينخفض الاعتماد على أوبك.

لقد كشف قرار أوبك+ بخفض إنتاج النفط أن سوق النفط يدار وفقا لمصالح الدول المنتجة فالقرار خرج بإجماع دول تحالف أوبك+ وهو قرار فني بحت من قبل التحالف، وغير مسيس ضد أحد، والهدف منه هو الحفاظ على استقرار سوق الطاقة العالمي، وعدم دخول الأسواق العالمية في مرحلة ركود اقتصادي. لكن ما أشعل التوتر بعد هذا القرار هو بسبب التوقيت: أولا بسبب الأزمة الأوكرانية والصراع الروسي الأميركي الأوروبي، وثانيا بسبب انتخابات التجديد النصفي القادمة للكونغرس الأميركي. وقد لخص النائب الجمهوري، دان كرينشو، العلاقة بين الولايات المتحدة وأعضاء أوبك+ بأنها ليست صداقة بل تحالف في المعاملات والعلاقة قائمة على المصالح المشتركة. من خلال هذا التحليل، يمكننا أن نرى من ردود الفعل على القرار أن البراغماتية السياسية هي ما تميز الجمهوريين، بينما الأيديولوجيات النظرية هي التي تهيمن على سياسة الديمقراطيين.

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.