تواصل المظاهرات في إيران رغم مرور شهر على مقتل أميني
الاحتجاجات مستمرة منذ أسابيع في إيران.

خلاف مجموعة من الإيرانيين مع اللوبي الإيراني في أميركا National Iranian American Council المجلس القومي الإيراني الأميركي (NIAC)، ليس بجديد نظرا لاعتقاد هؤلاء، وبينهم إيرانيون أميركيون، أن المجلس يعمل لصالح النظام الإيراني بطهران وليس الشعب، وقد أطلق ناشطون إيرانيون عام 2019 وسم بعنوان #NIACLobbies4mullahs، لذلك يرفض متظاهرون ونشطاء أي دعم من هذا المجلس.

تصف NIAC نفسها بأنها "منظمة غير حزبية وغير ربحية تأسست في عام 2002 لإعطاء صوت للمجتمع الإيراني الأميركي". ترفض NIAC المزاعم بأنها داعمة للنظام في طهران وتصف منتقديها في كثير من الأحيان بأنهم "صقور" و "دعاة حرب".  
ورغم دعم NIAC للمظاهرات الحالية في إيران عقب وفاة الشابة مهسا أميني بعد الاعتداء عليها من قبل الشرطة، حيث أعلن المجلس أنه مع "تغيير النظام بقيادة الشعب الإيراني في الداخل"، فإن نشطاء رفضوا موقف NIAC إزاء المظاهرات ووصفوه بأنه موقف غير شفاف وصادق بسبب تاريخ اللوبي الداعم لسياسات النظام الإيراني في واشنطن. 

كما يعتقد الكثير من الإيرانيين أن مصداقية وشرعية NIAC قد تدهورت بشكل متزايد بسبب ترويجهم لمصالح النظام على حساب مصالح الشعب الإيراني في السنوات السابقة. 

لكن الذي يغضب الكثير من الشعب الإيراني أن إعلام وسياسيين غربيين يعتمدون على الكثير من تحليلاتهم على ما يقدمه وينشره NIAC في صنع السياسات، وهذا في جوهره يخلط ما بين لوبي يمثل مصالحه المشتركة مع نظام ثيوقراطي قمعي على حساب شعب يدفع حياته ثمناً للحرية وتقرير المصير للتخلص من سلطوية حكم المرشد ونظام ولاية الفقيه. 

وقد ذكر د. كريم عبديان بني سعيد وهو باحث إيراني من أصول عربية أن علاقة اللوبي الإيراني NIAC قوية بالحزب الديمقراطي وبعض الإعلام مثل صحيفتي "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز"، وقال "يؤسفنا أن صحيفة رائدة مثل "واشنطن بوست" تحولت إلى منبر للتعاطف مع النظام الإيراني المارق، سواء في أخبارها أو تحليلاتها أو مقالتها الافتتاحية والآراء".

كما أضاف، في مقال رأي نشره في 16 يوليو 2019، أن NIAC قام بدعم وتمويل مرشحين إيرانيين أمريكيين منتمين للحزب الديمقراطي لتقلدهم مناصب سياسية عليا، سواء على مستوى الولاية أو الحكومة الفيدرالية.

إضافة إلى ذلك، ذكر د. كريم عبديان أن NIAC أنفق أموالاً طائلة مع مجموعات ضغط إيرانية أخرى لدعم العديد من المرشحين من خلال الإعلانات في الصحافة والإذاعة التلفزيونية والإنترنت، كما دعم ومول مجموعات ضغط إيرانية أخرى، وبعض الشخصيات والناشطين، كما حدث في قضية الرسالة التي وقعها أكاديميون إيرانيون وأميركيون، لدعم وتلميع نظام الملالي على الرغم من الفظائع في الداخل، وتصوير النظام كضحية عرضة للحرب من قبل الولايات المتحدة. 

لكن رغم أن هناك الكثير من السياسيين والإعلاميين الداعمين لـ NIAC فإن هناك أيضا مراكز أبحاث ومجموعات ضغط وكتاب في واشنطن بدأوا ينتقدون ما يقوم به من تلميع للنظام الإيراني مثل The Foundation for Defense of Democracies مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات FDD، فقد كتب الرئيس التنفيذي لمنظمة الدفاع عن الديمقراطيات Mark Dubowitz مارك دبوفيتش، تغريدة قال فيها "أرى عبر حسابي على تويتر، العديد من الإيرانيين يستخدمون وسم NIAC يدعم الملالي، للتعبير عن غضبهم وإحباطهم." 

كذلك قال المحلل الأمني Babak Taghvaee باباك تقافي في تغريدة، "إن NIAC أخطر منظمة أسسها ويديرها النظام الإيراني في الخارج وأعضاء هذه المنظمة مجموعة من المتعصبين والانتهازيين المتنكرين في زي أكاديميين ومثقفين من أجل خدمة مصالح النظام في الولايات المتحدة والحفاظ عليها". 

وأكدت على ذلك الصحافية الإيرانية Masih Alinejad مسيح علي نجاد، قائلة في تغريدة لها، إنها قالت لرئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو ووزير خارجيته، إن "الكونغرس الإيراني الكندي وNIAC  لا يعبران عن الشعب الإيراني، وأنهما مجرد جماعتي ضغط تابعتين للنظام الإيراني".  كما ذكر الكثير من الأميركيين من أصول إيرانية أن هناك علاقة وطيدة تربط بين تريتا بارسي وجواد ظريف، وزير الشؤون الخارجية الإيراني السابق، وقد تلقى منه عدة مساعدات مادية.  

وبالرغم أن دور NIAC نما بشكل غير مسبوق خلال رئاسة باراك أوباما، فإن دور اللوبي الإيراني عاد إلى الصفر بعد وصول ترامب للرئاسة. وقد أكد على ذلك بارسي بقوله، "حاليا (في عهد ترامب) لا يوجد أحد يمكنه العمل لطهران في الولايات المتحدة ولا أحد يسأل عن أوضاع إيران في واشنطن".   

لكن الآن في عهد بايدن بالرغم من رجوع الأوضاع على ما كانت عليه في عهد أوباما، فإن NIAC قد فقد مصداقيته ليس فقط بين الإيرانيين، بل أيضا الأميركيين وقد غرد مؤخرا Adrian Calamel أدريان كالاميل، باحث في مجال الإرهاب في الشرق الأوسط ومؤلف الكتاب القادم عن حزب الله، ردا على Jamal Abdi جمال عبدي، الرئيس الحالي لـ NIAC – عندما أنكر أن هناك علاقة بين NIAC والنظام الإيراني – "هذه كذبة واضحة & @Harvard يجب أن تعرف @tparsi الذي تستضيفه أنه خسر دعوى تشهير في هذه القضية بالذات. علاوة على ذلك، لا تستخدم وسم #Masha_Amini، إنها إهانة، الآن يمكنك أن تحظرني @jabdi، هذا هو أسلوب @NIACouncil #IranLobby".

إن الإشكالية الأساسية ليس فيما تقوم به اللوبيات أو مجموعات الضغط فهي معروفة منذ القدم في الولايات المتحدة والشخص الذي يقوم بهذا العمل يعرف على أنه "أي فرد يحتفظ به العميل للحصول على تعويض مالي أو غير ذلك من التعويضات مقابل الخدمات التي تتضمن أكثر من جهة اتصال واحدة للضغط". 

لكن الذي يجعل من هذه اللوبيات خطراً على الولايات المتحدة بسبب سياسة الأروقة بين السياسيين الأميركيين من الأحزاب المختلفة. فلا يوجد تعريف موحد للإرهاب الذي يمارسه النظام الإيراني من زعزعة للاستقرار للمنطقة ودعم للميليشيات المسلحة والتطرف الفكري والديني لأي مخالف لتعاليم ولاية الفقيه، فهناك من يرى أن التعامل الدبلوماسي سينتج ثماره وهناك من يرى أن التعامل مع الضغوط القصوى ستلقي بثمارها على إيران والمنطقة. 

إن أخطر ما ذكره د. كريم عبديان أن الليبراليين الأميركيين ووسائل الإعلام اليسارية تستخدم سياسة الكيل بمكيالين بالتعامل مع النظام الإيراني، فلكي تحارب الحزب الجمهوري والتيارات المحافظة المعارضة لسلوك النظام الإيراني، تتجه هي نحو محاباة النظام وهذا يدفع بعض اللوبيات والأنظمة المارقة استغلال هذه الفجوة لمصلحتها. وبالتالي الذي يلام حقيقة ليست تلك اللوبيات أو الأنظمة فقط بقدر المسؤولين السياسيين في الولايات المتحدة ومدى الانشقاق الكبير بينهما.    

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.