في الثاني عشر من شهر ديسمبر 2022، كنت تواقة لحضور "حفل أوبرا الملك فاروق-عودة إلى زمن الفن الجميل" في أوبرا دبي وكنت أتوقع أن الحفل سينقلني حصرياً إلى ذلك الزمن بكل تفاصيله وفنه الجميل الذي أعشقه ولا يطربني إلا سماع نغمات إيقاعاته وجمال وأصالة أصوات مطربي تلك الحقبة خاصة أن الحفل كان بحضور الأميرة فوزية فؤاد حفيدة الملك فاروق والذي أضفى رونقاً وحيوية للحفل، لكن حقيقة أداء الحفل لم يرق إلى المستوى المرموق الخاص بتلك الفترة وخيب أملي ولم ينقلني إلى تلك الحقبة الزمنية البتة ولولا وجود الفنانة المتألقة، نجمة عبدالله، التي نقلتنا بأدائها المميز الأصيل لأغاني أم كلثوم، لتركت الحفل غاضبة.
لقد شكلت بداية احتفالية الأوبرا صدمة بالنسبة لي ولكثير من الحضور، حيث كانت الافتتاحية بفيلم "أبي فوق الشجرة" وهو فيلم بطولة عبدالحليم حافظ ومرفت أمين وتم اقتتطاف أغنية "دقوا الشماسي" من الفيلم والذي كان إنتاج عام 1969 والفيلم الثاني كان لفيلم "خلي بالك من زوزو" بطولة سعاد حسني وحسين فهمي وتم عرض أغنية "يا واد يا تقيل" والفيلم كان من إنتاج عام 1972. فالصدمة كانت من الناحية التاريخية والتصميم السينمائي المسرحي، فعنوان الحفل يقول: "حفل أوبرا الملك فاروق" فعلى أي أساس يبدأ الحفل بفيلم تاريخه عام 1969 أي بعد وفاة الملك فاروق بأربع سنوات وبعد انتهاء عهده بـ 17 سنة. وياليت بعد هذا الخطأ التاريخي الفادح تركت الأفلام بأصوات الفنانين الحقيقية، لكن عرضت الأفلام في الخلفية بدون صوت وأديت الأغاني بأصوات نشاز واستعراضات سيئة، شوهت الفنانين الأصليين الذين قاموا ببطولة تلك الأفلام، وبالتالي لا شاهدنا حقبة فن زمن الملك فاروق ولا استمتعنا بأصوات عبدالحليم حافظ وسعاد حسني.
وكنت أتوقع مثلاً أن يبتدأ الحفل بمطرب الملوك والأمراء الموسيقار الفنان محمد عبد الوهاب بـ "أغنية الفن"، التي مدح فيها الملك فاروق، عام 1945، وهي من كلمات الشاعر صالح جودت وتقول بعض أبياتها:
الفن مين يوصفه الا اللي عاش في حماه
والفن مين يعرفه الا اللي هام في سماه
والفن مين أنصفه غير كلمة من مولاه
والفن مين شرفه غير الفاروق و رعاه
كما توقعت أن تكون ثاني أغنية بعد عبدالوهاب لأسمهان كونها غنت لأوبريت "الأسرة العلوية" كما غنت رائعة الصوت أغاني أخرى للملك فاروق مثل: "عيد الميلاد الملكي" والتي قامت بغنائها عام 1940 بمناسبة العيد الميلاد العشرين للملك فاروق، لكن للأسف كل هذا لم نشاهده والذي أنقذ الحفل في نظري كانت النجمة الحقيقية للحفل، نجمة عبد الله، وهي مطربة بحرينية تميزت بأداء أغاني كوكب الشرق أم كلثوم فنالت لقب كوكب الخليج بجدارة. كانت أول مرة حقيقة أسمع عن نجمة عبدالله وأشاهدها في تلك الحفل وشكلت مفاجئة بالنسبة لي أداء ومضمونا، والذي لفت انتباهي لها ليس فقط صوتها الجميل والمطابق لصوت أم كلثوم بكل طبقاته ومساحاته ومقاماته، إلا أن حتى شخصيتها وأسلوبها الكلاسيكي الراقي فعلا نقلتنا لعهد زمن الملك فاروق بفنه الجميل وهذا ما كنت أتطلع إليه عندما قررت الحضور إلى الحفل، والتي كما ذكرت الأميرة فوزية أحمد فؤاد في كلمتها في الحفل أن "كوكب الشرق أم كلثوم التي تحتل مكانة خاصة ومحبة في وجدان كل العرب ولها مكانة خاصة أيضاً بالنسبة لأسرتي،
وكانت تشارك في إحياء مناسبات العائلة الاجتماعية والعائلية، مثل الاحتفال بمولد والدي العزيز الملك أحمد فؤاد".
وكون أنجح فقرة في الحفل كانت لـ نجمة عبدالله، استغربت كيف بدولة البحرين والخليج لا يستثمرون أكثر بهذه النجمة في أجواء تلاشت به النجوم في هذا العصر حتى نسترجع الزمن الجميل لكن من وجهة خليجية ولن يكون ذلك إلا إذا كان هناك تقديرا للفنانين والمواهب الحقيقية. وبعد سماع هذا الصوت الراقي والتي جسدت لنا كوكب الشرق بنكهة خليجية، المفترض أن يكون حفل فن الزمن الجميل أكثر تنظيماً ودقة من الناحية التاريخية خاصة أن الأوبرا تحمل اسم دبي وكان الحفل بحضور شخصيات إماراتية بارزة، مثل الشيخة اليازية بنت نهيان آل مبارك والشيخة شمسة آل مكتوم. ولا أعتقد أن المسؤولين الإماراتيين عن صرح كبير مثل دار الأوبرا يرضيهم هذه الفوضى الإدارية والفنية التي تنم إما عن تسيب ولا مبالاة او استخفاف بالجمهور الخليجي وكأنه لا يعلم شيئاً عن هذه الحقبة الزمنية. أتمنى أن يكون أداء الأوبرا في دبي دوماً مبنياً على ما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي: "لا تمارس عملك كموظف بل كقائد يحب وطنه".