فعاليات ترفيهية متعددة تقام في السعودية
فعاليات ترفيهية متعددة تقام في السعودية

من يُتابع الحفلات الفنية والنشاطات الرياضية التي شهدتها دول الخليج هذه الأيام ويقارنها مع ما كان يجري في هذه الدول قبل سنوات قليلة يُدرك حجم التغيير الكبير الذي طال هذه المجتمعات، ففي ليلة رأس السنة تسابقت دول الخليج في إقامة ألعاب نارية وسهرات فنية أحياها كبار الفنانات والفنانين المحليين والعالميين، وكان من بينها حفلة رأس السنة الاستثنائية التي أُقيمت في إحدى قاعات مسرح محمد عبده في الرياض والتي تتسع حتى 22 ألف شخص وأحيتها نُخبة من أشهر الفنانات والفنانين العرب، وكذلك حفلات البحرين التي استمرت طوال شهر ديسمبر وتوّجت في سهرات رأس السنة التي حضرها كذلك عشرات الآلاف ووصفها رئيس هيئة البحرين للسياحة والمعارض بأنها أضخم احتفالات في تاريخ المملكة، أما دُبي فتحرص في كل عام على إبهار العالم بعروضها وضيوفها من أشهر النجوم العالميين الذين يحيون حفلاتها.  

وتميّزت احتفالات هذا العام بحضور أعداد كبيرة من العائلات رجالاً ونساءً مثل بقية دول العالم بما يوحي بأن أيام تخصيص صالات للرجال وأخرى النساء قد مضى عهدها، كما ارتدت كثير من النساء ثياباً عصرية أنيقة، بما  يستدعي على سبيل المقارنة ما قاله شيخ أزهري قبل بضعة أشهر من أن على المرأة في مصر عند الخروج من المنزل ارتداء ثياب تجعل مظهرها مثل "القفّة" التي لا تُظهر أبسط معالم جسدها حتى لا تتعرّض للقتل!!! بما يوضّح إلى أي حد وصل التزمّت والعنف في المجتمع المصري.  

وكمثال على  حجم التغيير الكبير الذي طرأ على دول الخليج يمكن التذكير بأن الفنان محمد عبده أعلن اعتزال الغناء في عام 1989 في ما أَعْتَبِر وقتها توبة إلى الله في أوج ما سُمّي الصحوة الإسلامية واستمر اعتزاله لتسع سنوات، ومقارنته مع حفلته التي أحياها قبل بضعة أسابيع على المسرح الذي يحمل اسمه بمشاركة مجموعة من الفنانين والفنانات والتي استمرت لست ساعات متواصلة حتى الثالثة صباحاً وحضرها خمسة عشر ألف شخص، في إعلان انتصار ثقافة حب الحياة واحترام الفن على الفكر الظلامي.  
 
ترافقت هذه الحفلات مع قرارات حكومية سمحت بمزيد من الانفتاح مثل إلغاء إمارة دُبي الضريبة على المشروبات الكحولية، وسماح دولة الإمارات بالمُساكنة لغير المتزوجين وعدم إلزام غير المواطنين بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في قضايا الزواج والطلاق والإرث، ونتيجةً لكل ذلك قالت منظمة السياحة العالمية أن دولة الإمارات أصبحت ضمن العشر وجهات سياحية الأسرع نمواً في العالم، حتى وصل عدد اَلنُّزَلَاء الفرنسيين في فنادق هذه الدولة عام 2021 إلى 472 ألف نزيل اختاروا الإمارات لإجازاتهم بدلاً من دول أوروبا القريبة، وحسب الترتيب العالمي لعدد السياح تحتل السعودية المركز الأول عربياً باستقبالها 18 مليون سائح سنوياً تليها الإمارات 15 مليون سائح، وهنا كذلك لَابُدّ من المقارنة مع مصر التي تحتوي على أهم آثار العالم ولكن السياحة لا تنمو فيها كما تستحق نتيجة تحكّم التيار السلفي بمجتمعها.   

وفي نفس الوقت تعاقد نادي النصر السعودي مع النجم العالمي رونالدو مما سيساعد على تسليط الضوء على الدوري السعودي خصوصاً بعد الأداء الجيد الذي قدمه المنتخب السعودي في كأس العالم في قطر، وكان اللافت نزول لاعبات فريق السيدات السعوديات إلى الملعب لاستقبال رونالدو وأغلبهن لا يرتدين الحجاب بما يذكّر بما يقوم به نظام الجمهورية الإسلامية في إيران من ملاحقة واعتقال بطلات الرياضة لمجرّد عدم اِرْتِدَائِهِنَّ الحجاب.  

وعند الحديث عن الرياضة لَابُدّ من التوقف طويلاً أمام أهم حدث رياضي وهو كأس العالم في قطر والذي كان في مُحصّلته خسارة كبيرة للإسلاميين مهما حاولوا إنكار ذلك، لأن كل ما حصل فيه يتناقض مع فكرهم المُتزمّت، ابتداء من اختلاط النساء والرجال في المدرّجات والذي يعتبره الإسلاميون محرّم شرعاً إلى الثياب الرياضية الخفيفة التي ارتدتها كثير من النساء على المدرّجات بالإضافة إلى السماح بالمشروبات الكحولية خارج الملاعب.  

ولكن أكثر ما أزعج الإسلاميين حقيقةً هو الشعبية التي تتمتّع بها كرة القدم عند الشباب والتي ازدادت بشكل كبير بعد هذا المونديال الذي كان حسب رأي كثيرين أكثر إمتاعا وإثارة من كل ما سبقه من بطولات، فالموقف الحقيقي للإسلاميين من كرة القدم عبّر عنه إبن باز "كل لهو يصدّ عن ذكر الله والصلاة ممنوع، وكرة القدم والعياذ بالله صدّت لاعبيها ومتابعيها عن كل خير في البيت وفي الملعب فالظاهر من حالها الآن أنها محرّمة"، ولم يعرف الإسلاميون كيف يتعاملون مع تعلّق الشباب برياضة كرة القدم فادعوا كذباً أنهم يحبون هذه الرياضة ويتابعون مبارياتها ويشجّعون عليها.  

وانعكس انفتاح دول الخليج وانتشار مناخ يساعد على الفرح والسعادة فيها في تقدّم هذه الدول على مؤشّر السعادة العالمي لعام 2022 بفارق كبير عن بقية الدول العربية ليس بسبب ارتفاع مستوى المعيشة فيها فقط بل نتيجة سعي حكومات الخليج لتحقيق أكبر قدر من الرفاهية والسعادة لشعبها، وهذا ما قالته صحيفة الشرق الأوسط نقلاً عن الملك سلمان أن "الترفيه يمثّل حاجة إنسانية ومطلب اجتماعي إضافة إلى أنه نشاط اقتصادي مهم ومصدر للدخل ومحركاً رئيسياً للأنشطة الاقتصادية الأخرى".  

كما ساهمت أجواء الرضى والسعادة في جعل دول الخليج الأكثر أماناً على مستوى العالم، خصوصاً قطر والإمارات اللتين تحتلان المركزين الأول والثاني عالمياً من حيث الأمان وتبتعد عنهم قليلاً سلطنة عمان والسعودية، لأن عدد الجرائم التي تقع في هذه الدول قليل جداً مقارنةً مع بقية دول العالم.  

ومن الطبيعي أن لا يرتاح الإسلاميون لما يحدث في دول الخليج من انفتاح واحتفالات وفرح فهاجموا هذه الدول بأساليب مختلفة وصلت عند بعضهم إلى حد توجيه شتائم سوقيّة عبر قنواتهم على اليوتيوب إلى كل من احتفل برأس السنة، فهم مُجمعون على تحريم الاحتفال بالأعياد التي يعتبرونها مسيحية لأنه "لا يجوز للمسلم مشاركة النصارى ومن في حكمهم من الكفرة أعيادهم".  

ويقد م الرئيس التركي أردوغان مثالا واضحا حول كيف يقوم الإسلام السياسي بالترويج لمشاعر الكراهية لأهداف سياسية صرفة، فقد حشد في فجر اليوم الأول من العام الجديد مئات من أتباعه وجّه بعضهم إلى آيا صوفيا التي حوّلها إلى مسجد عام 2020 لتأدية صلاة الفجر، ووجّه بعضهم الآخر إلى مسجد ساحة تقسيم الذي تمّ إفتتاحه عام 2021 واعتُبر بناؤه انتصاراً سياسياً له لأنه أُقيم بين تمثال أتاتورك مؤسّس الدولة التركية العلمانية الحديثة وكنيسة سانتا ماريا أهم معالم ميدان تقسيم، والهدف من كل ذلك محاولة إلغاء الطابع العلماني للدولة التركية وطمس التاريخ المسيحي للقسطنطينية التي كانت لأكثر من ألف عام أكبر وأغنى مدينة في أوروبا، وقال بعض مُعارضيه إن "أردوغان عبر بناء المساجد يُنفق الأموال في مشاريع لا تُنتج بدل الاهتمام بالاقتصاد"، كما أن طمس التاريخ المسيحي للقسطنطينية- استانبول سيُلحق ضرراً مؤكّداً بالسياحة.

وضمن الترويج لمشاعر الكراهية والغضب هاجم بعض الإسلاميين الأتراك من يحتفل برأس السنة، "هل تريد الاحتفال بأعياد الجلّاد- الغرب- فأنت بذلك تصبح بمثابة عدو"، ونشر آخرون رسماً كاريكاتيرياً لبابا نويل وفي فمه دماء وهو يقوم بحقن الثقافة "الإمبريالية" في خريطة تمثل دولاً إسلامية، وهنا يقول الإسلاميون بشكل واضح بأنهم يكرهون المسيحيين ويعادون الغرب ويصوّرون لأتباعهم من العامّة أنهم بذلك يدافعون عن الإسلام لأنها الطريقة الوحيدة المتبقيّة عندهم للبقاء في السلطة، ولكن يبدو أن هذه الوسائل قد فقدت الكثير من فعاليتها فسكّان إستانبول وكل المدن التركية الكبيرة ما زالوا متمسّكين بالعلمانية ولذلك خسر حزب أردوغان في الانتخابات الأخيرة كل هذه المدن، ويعتمد أردوغان اليوم في بقائه في الحكم على سكان الأرياف من ناحية وعلى انقسام المعارضة التركية من ناحية أخرى.

أي أن دول الخليج تقدّم اليوم بديلاً عن أنظمة الإسلام السياسي في تركيا وإيران وتوضّح للمجتمعات التي تميل نحو الانغلاق والتشدّد مثل مصر طريق التحرر من الفكر السلفي بوسائل بسيطة وغير صداميّة قوامها الدعوة للاستمتاع بالحياة والفنون والرياضة وكل ما يُدخل البهجة إلى القلوب.

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.