يعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي المنتهية ولايته الجنرال، أفيف كوخافي، أن الجيش أعد خططا لضرب إيران، وقال كوخافي حسب تصريحات لهيئة البث الإسرائيلية إن "جيش الدفاع بلور خلال العام المنصرم ثلاثة برامج لشن هجوم في إيران، كضربة انتقامية، لا علاقة لها بالبرنامج النووي، لتدمير المنشآت النووية والمراكز والمقرات الداعمة للمشروع النووي".
هذه تصريحات يجب حملها بجدية بالغة على مستوى الإقليم، ولا يمكن الأخذ بها كمناورة سياسية في سياق مناورات التصعيد السياسي المعتادة.
وهي كذلك تصريحات يمكن أن تكمل هندسة تصور السياسة الإسرائيلية على الأرض والتي يرشح عنها الكثير من المعلومات والتسريبات من إسرائيليين وفلسطينيين غرب نهر الأردن.
مع حكومة يمينية إقصائية جمع فيها، بنيامين نتانياهو، صقور التطرف الإسرائيلي فإن ضرب إيران غاية في حد ذاتها، لكنها تصبح أيضا وسيلة "تغطية" كساتر ترابي لتحقيق غاية أكثر شهية لطاقم اليمين المتحكم بمقاليد السلطة في إسرائيل، وهي التخلص من القضية الفلسطينية وإسقاط عملية السلام برمتها وإعادة إحتلال الضفة الغربية بهدف الضم النهائي وفرض الأمر الواقع الذي سيكون من الصعب تغييره لو تحقق كل ذلك، أو على الأقل فسيكون واقعا يرسم مسافة زمنية تغير الوقائع على الأرض بما يزيد الأمور تعقيدا على ما هي عليه من تعقيد.
القلق موجود في واشنطن، وعواصم أخرى، لكنه حاضر في العاصمة الأردنية عمان رغم كل الهدوء الذي يلف "القرار السياسي" الأردني المتعلق بكل مآلات الحال في الضفة الغربية.
الدبلوماسية الأردنية التي تؤمن بقاعدة "قوتنا في حضورنا" ترى أيضا أن "تثبيت الموقف هو موقف بحد ذاته"!! وهذا يأتي في سياق تكرار وإعادة تكرار مستمرة لإسطوانة "حل الدولتين" التي يثبت واقع السلطة الفلسطينية نفسها أنه لم يعد قابلا للتنفيذ على المدى القريب ولا المتوسط، على الأقل بوجود تلك السلطة نفسها!
سيناريو إسقاط العملية السلمية " وكذلك السلطة الفلسطينية" وتحويل المناطق في الضفة الغربية إلى حالة فراغ فوضوي يسوده العنف الدموي ليس خيالا متطرفا، بل هي معلومات تتأكد يوما بعد يوم وحسب التسريبات من مصادر إسرائيلية "تشعر بالقلق على إسرائيل نفسها" ومصادر فلسطينية من الداخل الفلسطيني فإن الموعد المتوقع لساعة التنفيذ سيكون في منتصف شهر رمضان القادم ( أي في نيسان- إبريل).
التسريبات من الطرفين توحي ان الحكومة "اليمينية" ستسعى إلى تفجير الوضع في مناطق الضفة الغربية ودفع الناس إلى الحافة القصوى من اليأس، مع تزامن في ضراوة في التعامل الأمني حد استعمال الرصاص الحي وإسقاط السلطة واعتبارها غير قائمة بالتزامن مع تطويق المناطق الفلسطينية بحصار عسكري، وإفلات القوة الأمنية الإسرائيلية في الداخل الفلسطيني والأخطر – حسب التسريبات نفسها من مصادر متعددة- هو في تسهيل حركة المرور "والهروب" نحو الضفة الشرقية.
وفي لقاء مع سياسي فلسطيني قادم من رام الله تم في عمان، أكد أن قوى اليمين الديني المدعومة بالمطلق من الحكومة الأمنية، في إسرائيل تعتزم "بإعلان واضح " انتهاك حرم المسجد الأقصى في تاريخ محدد في رمضان القادم بطقوس يهودية تعلن يهودية الأماكن المقدسة للمسلمين في كامل القدس.
يضاف إلى ذلك انتهاكات حدثت بالفعل من قبل إسرائيل لأماكن ومقدسات مسيحية "أرثوذكسية" تم تسجيل الشكوى رسميا فيها.
طبعا السيناريو مرعب، وهو ما يحمل العاهل الأردني على ترتيب زيارة مرتقبة إلى واشنطن يمر فيها على عواصم مهمة في طريقه قريبا جدا، مع قناعة أردنية تشبه "المراهنة" على أن أيدولوجية الحكومة الإسرائيلية الحالية ستضعها أمام مواجهات صدامية مع المجتمع الدولي.
ومن وجهة نظر شخصية طالما كتبت عنها ويتبناها كثيرون معي فإن التمسك بمفهوم وحدانية "التمثيل الفلسطيني" لمنظمة التحرير ووريثها "السلطة الفلسطينية" منتهية الصلاحية باتت خطرا على الأمن الأردني والإقليمي كله، وكذلك على مصير الضفة الغربية كأرض تحت الاحتلال، وهو ما يعيد الحسابات إلى نقطة ما قبل أوسلو وعند مدريد تحديدا وعلى الأقل، حيث التمسك بقرار ٢٤٢ والواقع القانوني للضفة الغربية ما قبل السادس من حزيران، خصوصا أنها ورقة استخدمها المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة نفسه مؤخرا، باتهام الأردن كقوة احتلال للضفة الغربية عام ١٩٥٠، وهي تهمة تعكس نوايا إسرائيلية واضحة تسبق سيناريو الانفجار الوشيك والمتوقع، ومع تلك الانكفاءة "الزمنية" إلى ما قبل أوسلو وكل تداعياتها التي تتساقط حاليا، فلا بد من توفير مظلة أردنية – إقليمية لقيادة فلسطينية مختلفة يتم تشكيلها من الداخل الفلسطيني نفسه.
وهذا كله على الأقل تحريك للراكد الذي ستفجره إسرائيل من طرف واحد، بدلا من إدارة "وضع راهن" لم يكن أكثر من مضيعة للوقت الذي استثمرته قوى اليمين لا في إسرائيل وحدها بل في الشرق الأوسط كله وأول المستفيدين منه فعليا، الخطر الآخر والكامن في الشرق، إيران.