عندما عين وزير العدل ميريك غارلند محققا خاصا للنظر في ما إذا كان الرئيس بايدن أو أي من مساعديه قد انتهكوا القانون بعد العثور على وثائق رسمية سرية في مكتب خاص استخدمه بايدن بعد انتهاء ولايته كنائب للرئيس باراك أوراما في مركز أبحاث يحمل اسمه في واشنطن، ولاحقا في منزله في ولاية ديلاوير، كانت شعبيته ترتفع تدريجيا على خلفية انحسار معدلات التضخم، وانخفاض البطالة إلى مستويات تاريخية، والأداء الجيد والمفاجئ للديمقراطيين في الانتخابات النصفية، ومع تفاقم التحديات القانونية للرئيس السابق ترامب، وتخبط الجمهوريين في مجلس النواب. وكان بايدن قد أسس المركز بعد تقاعده من البيت الأبيض، والوثائق تعود إلى دوره في ولاية الرئيس أوياما .
ردود فعل الجمهوريين الاحتفالية على هذه الهدية المجانية التي وقعت في أحضانهم تبين عمق امتنانهم لهذه الفرصة التي أبعدت الأنظار عن الخلافات بينهم في مجلس النواب والتي انعكست على انتخاب كيفين ماكارثي رئيسا للمجلس بعد 15 دورة انتخابية ومساومات ومقايضات محرجة بينه وبين حفنة من غلاة المتطرفين الموالين للرئيس السابق ترامب. وسارع مكارثي وغيره من رؤساء اللجان المختصة إلى الإعلان عزمهم تنظيم جلسات استماع للتحقيق بأوراق بايدن السرية واستدعاء مسؤولين من وزارة العدل وأجهزة حكومية أخرى للمثول أمامهم
قرار الوزير غارلند يعني أن بايدن سيواجه خلال الأسابيع والأشهر المقبلة تحقيقات قضائية تشمل استجواب مساعديه وربما استجوابه شخصيا،، وعناوين سلبية أو مثيرة وخاصة في وسائل الإعلام المحافظة واليمينية، وتكهنات حول مستقبله السياسي، وأخرى من خصومه ومؤيديه حول كيفية ارتكابه لمثل هذه الأخطاء وهو الذي يفاخر بأنه يتعامل بمسؤولية مع وثائق الدولة السرية.
وكان الوزير غارلند قبل شهرين قد عين المحقق الخاص جاك سميث للنظر في حيازة الرئيس السابق ترامب لوثائق سرية ورفضه التعاون مع وزارة العدل بهذا الشأن، ما أثار الأسئلة حول احتمال ضلوعه مع مساعديه في محاولة عرقلة التحقيق. وكان من اللافت أن غارلند ارتأى تعيين المحقق الجمهوري روبرت هيو، وهو مسؤول سابق بارز في وزارة العدل كان قد عينه الرئيس السابق ترامب في منصبه. ويعتقد أن الوزير غارلند يريد الالتفاف مسبقا على أي محاولات من الجمهوريين في مجلس النواب التشكيك في صدقية التحقيق بوثائق بايدن.
وكما هو متوقع سارع الجمهوريون، حتى قبل معرفة كيفية وصول هذه الوثائق إلى مكتب ومنزل بايدن، لاتهامه بالمعايير المزدوجة والخبث السياسي خاصة وأنه انتقد بشدة قرار ترامب نقل مئات الوثائق السرية إلى مقره في ولاية فلوريدا. وسارع هؤلاء إلى المقارنة والمساواة بين الحالتين على الرغم من وجود فروق عديدة بينهما.
الفارق الأساسي بين الحالتين هو أن الرئيس بايدن ومساعديه أبلغوا الأجهزة الرسمية وتحديدا الإدارة الرسمية للأرشيف والسجلات، ولاحقا وزارة العدل فور العثور على الوثائق، وتعهدوا بالتعاون الكامل مع المسؤولين مع التأكيد بان الوثاق المحدودة وصلت إلى مكتب ومنزل بايدن بطريق الخطأ. من جهته أكد بايدن أنه لا يعرف كيف وصلت الوثائق إلى حوزته، وأنه غير ملم بمضمونها، ولم يطلب الاطلاع عليها. في المقابل رفض الرئيس السابق ترامب ومساعديه طلبات إدارة الأرشيف العديدة استعادة الوثائق، وحتى بعد تسليم الإدارة عددا من الصناديق التي تحتوي على سجلات ووثائق سرية عديدة، تبين لاحقا أن ترامب ومساعديه لم يسلموا كل ما لديهم من وثائق. هذا الوضع أرغم وزارة العدل على الحصول على أمر قضائي بتفتيش مقر ترامب والاستيلاء على الوثائق. ولذلك يواجه ترامب ومساعديه تحقيقا جنائيا.
ولكن التعاون الأولي والسريع الذي أبداه بايدن ومساعديه مع محققي وزارة العدل وموظفي إدارة الأرشيف لا يعني أنهم لن يواجهوا أسئلة صعبة ومحرجة عليهم الإجابة عليها بسرعة وشفافية، لمنع خلق الانطباع العام في أذهان المواطنين من أن تصرف بايدن مماثل لتصرف ترامب، وان هناك تكافؤ بين الحالتين. ومن أبرز هذه الأسئلة: لماذا لم يعلن البيت الأبيض عن اكتشاف الوثائق في مركز بايدن الذي أسسه بالتعاون مع جامعة بنسلفانيا فور حدوث ذلك، أي في الثاني من نوفمبر- تشرين الثاني الماضي، أي قبل 6 أيام من موعد الانتخابات النصفية؟ وهل عدم الكشف عن الأمر مرتبط بالانتخابات النصفية، وهل شارك بايدن في هذا القرار؟ أيضا لماذا لم يكشف البيت الأبيض عن العثور على وثائق سرية في منزل الرئيس بايدن بولاية ديلاوير في العشرين من ديسمبر – كانون الأول الماضي، حين بثت شبكة التلفزيون سي بي إس تقريرا عن اكتشاف الوثائق في مركز بايدن؟ من المسؤول عن تأكيد البيت الأبيض لصحة خبر شبكة سي بي إس عن وثائق الرئيس في مكتبه، وعدم الإشارة إلى الوثائق السرية في منزله في ديلاوير، في غرفة ملاصقة لمرآبه. حين علّق بايدن للمرة الأولى عن الوثائق قال إن مرآبه الذي يحتوي على سيارته من طراز Corvette "مقفل" الأمر الذي عرضه للتهكم ودفع بشبكة فوكس اليمينية لوصف مرآب بايدن Car- a- Lago في تلاعب على الكلمات مع اسم مقر ترامب في فلوريدا Mar- a- Lago.
ولكن بغض النظر عن الفروق القانونية بين الحالتين وحقيقة أن ترامب قاوم التحقيق الأولي وأمتنع في البداية عن تسليم وثائق رسمية سرية أشرف على نقلها من البيت الأبيض إلى مقره في فلوريدا، وفي المقابل تعاون بايدن مع التحقيق وجهله لكيفية وصول هذه الوثائق إلى مكتبه ومنزله قبل سنوات. إلا أن المقارنة السطحية سوف تظهر أنه للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة تقوم وزارة العدل بتحقيقات متزامنة مع رئيسين، أحدهما سابق، والآخر في البيت الأبيض حول احتمال انتهاكهما للقوانين المتعلقة بكيفية حفظ واستخدام الوثائق الرسمية والسرية للدولة. الرئيس السابق أعلن قبل أسابيع عن ترشيح نفسه لولاية جديدة، والرئيس الحالي كان يعتزم قريبا ترشيح نفسه لولاية ثانية.
الديمقراطيون سارعوا للوقوف وراء بايدن، ولكن بعضهم انتقدوا أو تساءلوا عن غياب الشفافية، والأسباب التي أدت إلى تقديم مثل هذه الهدية المجانية للأكثرية الجمهورية في مجلس النواب التي ستستخدم تحقيقاتها بطريقة مماثلة لاستخدام التحقيقات باغتيال السفير الأميركي كريستوفر ستيفن في ليبيا في 2012 لتشويه سمعة ومكانة وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك هيلاري كلينتون والإضرار بها قبل إعلانها عن ترشيح نفسها للانتخابات الرئاسية في 2016.
مقربون من الرئيس بايدن قالوا إنه يشعر بإحباط كبير لأن أخطاء عرضية ناتجة عن تهور من قبل بعض مساعديه في التدقيق بالوثائق قبل نقلها إلى مكتبه ومنزله قد وضع عراقيل سياسية وقانونية أمام مسيرته السياسية في هذه اللحظة الحرجة من ولايته. ويضيف هؤلاء أنه من السابق لأوانه التكهن عن تأثير قضية الوثائق السرية على قراره المتوقع، قبل الكشف عن الوثائق، بترشيح نفسه لولاية ثانية، ولكنهم استبعدوا أن يرشح نفسه قبل انتهاء التحقيق بهذه القضية.