من المتابعات والقراءات والاتصالات وكثير من التواصل مع مصادر متعددة في عواصم متعددة، فإن الكل يشعر بانفجار وشيك وعاصف في الضفة الغربية تداعياته ستكون ارتدادية على الإقليم كله. الوضع الراهن "والساكن" في كل القضية الفلسطينية كان لا بد أن يتحرك في اتجاه ما، وها هي الحكومة اليمينية في إسرائيل تسعى لا لتحريك الساكن وحسب، بل صارت غايتها وهدفها المنهجي والمتعمد دفع الأمور كلها إلى الحافة ونحو التفجير الكامل.
الموقف "اليميني" للحكومة الإسرائيلية مبني على قراءة موقف خاطئة، بل مضللة وسيدفع ثمنها الإسرائيليون أنفسهم إن بقيت الخطة "الحكومية" على طريقتها في التفجير المتتابع وصولا إلى الذروة في شهر رمضان القادم.
يخطيء الإسرائيليون "وهنا نعني اليمين الحاكم تحديدا" باعتقادهم حد اليقين أن سيناريو "الرعب الأمني" المقارب لرعب تهجير عام 1948 يمكن أن ينجح مع الفلسطينيين. الأهم الذي غفلت عنه خلية التفجير الإسرائيلية أن الفلسطينيين اليوم لديهم هوية وطنية راسخة في وجدانهم، صارت تتماسك خرسانيا عند جيل أو جيلين على الأقل، في الضفة الغربية "والمكون العربي" في الداخل الإسرائيلي نفسه. والمفارقة أن التراكم الزمني للاحتلال هو المحفز لتشكل هذه الهوية المكتملة، ثم بلورتها في علاقة تزداد طرديا مع استمرار الاحتلال وممارساته القمعية. لذا فالخسارات الفادحة هذه المرة حساباتها مختلفة لدى الفلسطينيين.
تلك القراءة الخاطئة كارثية، لو صح ما يرد من تسريبات عن نية لدى بن غفير وبعض اليمينيين المتشددين بممارسة طقوس دينية "غاية في الاستفزاز" في صحن المسجد الأقصى وبالتزامن مع أيام مقدسة عند المسلمين نهاية رمضان وبعد عيد الفصح المسيحي الذي يتصادف حضوره في إبريل القادم. التشريعات التي يسعى وزير الأمن الإسرائيلي إلى استصدارها لإباحة الدم عبر إطلاق الرصاص الحي على الفلسطينيين في حال اندلعت" الانتفاضة" وتطويق "المناطق" من خلال الجيش لحماية العمق الإسرائيلي وإغلاق مداخل إسرائيل - أو مخارجها- لن يؤدي إلى إزاحة جماعية كما يتوهم صناع القرار الإسرائيلي اليوم.
هناك مراهنة معقولة ومنطقية أيضا على المعارضة الإسرائيلية المتصاعدة ضد حكومة نتانياهو، أسبابها مختلفة ومتفاوتة لكنها في النهاية تصعيد داخلي في إسرائيل يقرأ "الموقف" بشكل أكثر واقعية من الحكومة نفسها. وهناك معارضة إقليمية ودولية تتصاعد يوميا، أهم تجلياتها رسائل التحذير الأميركية المتواصلة لإسرائيل من الاستمرار في منهجية تفجير المواقف وسياسة دفع الجميع إلى الحافة، وخصوصا سياسة توتير العلاقة مع الأردن -الجار الشرقي- بأطول خط مواجهة تم تجميدها منذ اتفاقية السلام- مغامرة مبنية على قراءات إقليمية خاطئة جداً عند نتانياهو وفريقه السياسي الموزع بين يمين ديني وقومي وبراغماتي.
لذا يصبح مقطع فيديو بأقل من دقيقتين، للزميل الكاتب والمحلل عريب الرنتاوي الأكثر انتشاراً منذ ثلاث أيام في كل الأوساط الأردنية بأطيافها المتعددة وصالوناتها السياسية، حين تحدث ضيفا في مقر حزب جبهة العمل الإسلامي، منتقدا بقسوة "موضوعية" الموقف الأردني المتمثل بحالة "الوضع الراهن" دون حسم حقيقي وواضح إزاء الحرب الإسرائيلية على المصالح الأردنية.
وفي الحقيقة أرى أن كثيرا مما قاله الرنتاوي مهم أن يسمعه الإسرائيليون أنفسهم. فحين تكون هناك حكومة بهذا التطرف كله، فإن إسرائيل كدولة تقدم نفسها على أنها ديمقراطية مؤسساتية متخمة بالحريات، تصبح بكل وجودها تحت التهديد من أنتخبهم المزاج العام العام الإسرائيلي الجانح إلى أقصى اليمين.
أما الأردنيون، فعليهم الانتباه إلى حزمة من الخيارات الجديدة، التي قدمتها الغطرسة الإسرائيلية على طبق من فضة، الخيارات التي كانت غريبة في عرف شركاء السلام، وأصبحت ضرورة ملحة كاستراتيجية مرنة تتناسب مع المساحة التي تضيق يوما بعد يوم، والتي يريد الإسرائيليون تطويق الأردن في زواياها، ناهيك عن كل التغيرات الأخرى في الإقليم، والتي يجد فيها الأردن دوره الحقيقي الذي فقده منذ زمن، ولا يزال يبحث عنه بعيدا وهو بين يديه. ومن ذلك، أن ينتبه الأردن على الأقل من مبدأ حماية الوصاية، إن لم نقل تقديرا لتاريخ وحدة الضفتين، إلى تيار واسع من الفلسطينين في الضفة الغربية الذين يرون الأردن مجالهم الحيوي وعمقهم الاستراتيجي، والمؤمنين مثل كثير من أشقائهم في شرق النهر أن لا نهر بضفة واحدة.