Israel seals off home of Palestinian synagogue gunman
منزل منفذ الهجوم على كنيس الذي أسفر عن مقتل 7 مدنيين.

في كتاب سيرة ذاتية نشره عام 2010، يقول الملك عبدالله الثاني، في فصل حمل عنوانا فرعيا "إسرائيل القلعة أم السلام مع سبع وخمسين دولة"، مخاطبا الإسرائيليين مباشرة: "..لا تسمحوا لسياسييكم بأن يضعوا أمنكم في أشداق الخطر من خلال الخيارات العمياء الخالية من التفكير السليم والتي تمعن في عزلكم"، ويصف الملك الأردني في حديثه للشعب الإسرائيلي حال كوريا الشمالية بكل علاتها على أنها أفضل في علاقاتها مع العالم من إسرائيل. ثم يصل الملك إلى ملخص ما يريد قوله في رؤيته لخيارات إسرائيل – ولا نزال في سياق عام 2010- بقوله: ".. أن أمام إسرائيل خيارا واضحا: هل تريد أن تبقى قلعة معزولة تطل بحذر وخوف من وراء الحصون على جيران لا يزيدهم الزمن إلا عدائية وعدوانية، أم هي مستعدة لقبول يد السلام الممتدة إليها من كل الدول الإسلامية السبع والخمسين بحيث تندمج نهائيا بمنطقتها وجوارها، مقبولة وقابلة؟".

مصادفة حقيقية واجهتها حين كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في العاصمة الأردنية في زيارة مباغتة للجميع "وربما للقصر نفسه" حين كنت أقرأ تلك السيرة الذاتية للملك الأردني والتي حملت عنوانا لافتا يحمل كل المفارقات قبل 12 عاما حين تم نشر الكتاب، والعنوان هو "فرصتنا الأخيرة: السعي نحو السلام في زمن الخطر".

في الاقتباس أعلاه، وهو يخاطب الإسرائيليين محذرا، كان نتانياهو أيضا رئيسا لحكومة إسرائيل، والحقيقة أن المزاج العام الإسرائيلي لم يتأثر كثيرا لنصيحة الملك الأردني، فبقي منزاحا لليمين وبتواصل مستمر، ورغم أن الملك كان ذكيا بتوظيف ثقافته في الخطاب، مستخدما وصف "القلعة المعزولة" في مخاطبته العقل الجمعي الإسرائيلي المشبع بالروايات التوراتية المليئة بالقلاع والموجع بفكرة الانتحار الجماعي لقلعة مسادا الشهيرة، فإن الإسرائيليين ظلوا على انزياحهم نحو اليمين المتطرف بخيارات عمياء كما وصفها الملك في تحذيره قبل عقد وعامين، لننتهي اليوم بنتانياهو من جديد رئيسا لحكومة أكثر تطرفا، فيها مجموعة جديدة من الشباب المتطرف دينيا "وقوميا" بذهنية إقصائية بلا شك ستزيد من عزلة إسرائيل، وتوحدها المرتبط بجنوح السياسيين الجدد الذين يقودونها.

لا يخفى على أحد أن العلاقة بين نتانياهو والملك الأردني ليست طيبة ودوما هي مليئة بالشكوك والحذر الذي يحمله الأردن تجاه نتنياهو تاريخيا، وهو إرث ثقيل من الخيبات بهذا السياسي الماكر منذ عهد الملك الراحل حسين بن طلال.

المشكلة، أنه وبعد عقد وعامين جرت مياه كثيرة بين أقدام الجميع في المنطقة، وفي إسرائيل كانت التحولات السياسية رهنا للمزاج اليميني الذي اختطفته التيارات الدينية المتطرفة موظفة أعمال العنف وسكون العملية السلمية وفساد السلطة في رام الله لتجييش الشارع الإسرائيلي نحو أكثر السياسات تطرفا وعنفا في الإلغاء والإقصاء.

يبرز من بين كل طاقم "الكابينيت" الوجه الجديد المكتشف في عالم نتانياهو الاستعراضي إيتمار بن غفير، وهو الحالة الأكثر ضجيجا بين متطرفي حكومة إسرائيل.

ولفهم وزير الأمن الإسرائيلي بصورة أكثر وضوحا، يمكن فقط الاستدلال عليه كمحامي قانوني لديه رؤية "متماسكة" لتقويض نظام السلطة القضائية في إسرائيل تحقق استراتيجية مزدوجة بتثبيت صورة إسرائيل كدولة قانون أمام العالم "ولو شكليا"، وبنفس الوقت تعمل رؤيته للدولة "الجديدة" على شرعنة العنف والقتل والإقصاء، بل وإبعاد الفلسطينيين عن أراضيهم وبيوتهم في عملية هندسية معقدة تسمح بتنفيذ خطة الترانسفير.

بن غفير، وفي تداعيات الهجوم على كنيس في القدس، وبعد اجتماع الحكومة الإسرائيلية التي اتخذت قرارات مثيرة للجدل القانوني، تسرب عنه في جلسات مغلقة قوله " أنني لم أنتخب لكي أغلق بيوت المخربين فقط، يلزمنا معالجات جذرية أكثر"، وهذا تصريح أعلنه الرجل وتسرب عنه أكثر من مرة، ومع ذلك يرى بعض اليمينيين في الكنيست أن بن غفير عاجز لا يزال عن تقديم المطلوب!! حسب حزب "يش عتيد- هناك مستقبل" الذي أسسه ليبيد!

..(هنا، على الأردنيين تحديدا "وبالتأكيد نقصد طاقم الملك والمحيطين به" أن ينتبهوا إلى تلك المعالجات الجذرية الأكثر التي يتحدث عنها بن غفير، والتي يربطها بمشاريع قوانين عند الكنيست لتقويض سلطة القضاء وتسييسه في إسرائيل لصالح اليمين، والانتباه أكثر إلى الكنيست المستعد لتمرير تلك التشريعات وتغيير وجه إسرائيل إلى دولة مواجهة من جديد، وربما على طاقم الملك "المتخصص بالإعلام والمحترف طبعا!" أن يتنازل ولو قليلا في الانفتاح الإعلامي لعله لا يقع في أزمات الحرج "المعتادة".)

وبن غفير نفسه الوزير بكامل السلطة على سياسات الأمن الإسرائيلي، بعد زيارة نتانياهو إلى العاصمة الأردنية، صرح علنا أنه لا يكترث للوصاية الهاشمية، وأعلن بالنص "أنا أدير سياستي الخاصة"!.

هذا الخطر الذي يواجه الإقليم كله بمشاريع تفجير عنف متوالدة لا نهاية لها، يهدد إسرائيل نفسها التي لم يخف رئيس الدولة فيها إسحق هيرتسوغ – القانوني المؤمن بدولة المؤسسات والعملية السلمية كحل نهائي-  قلقه العميق من مشروع التغيير العاصف في بنيتها القضائية بقوله هو شخصيا قبل أيام " الثورة القضائية التي يعتزم نتنياهو وحكومته تمريرها في الكنيست ستؤدي إلى هلاكنا جميعا".

وعودا على بدء..

فإنه ومن ضمن تلك الرؤية "الواقعية" لوقائع كل ما يحدث يوميا وتباعا وبتسارع في إسرائيل، فإن نبوءة الملك التحذيرية قد تحققت، وقد سمح الإسرائيليون فعلا لسياسييهم بأن يضعوا أمنهم وأمن المنطقة كله في أشداق الخطر، والخيارات العمياء الخالية من التفكير السليم بدأت تتحول إلى سياسات وتشريعات، والقلعة التي يريد هذا اليمين عزل الإسرائيليين فيها، بدأوا بإخلائها من الفلسطينيين، تحضيرا لمواجهات لا أحد يمكن ان يتكهن بمنتهاها.

لقد كان نتانياهو واضحا بعد زيارة عمان وهو لا يزال يمارس الخداع ذاته والحيل نفسها في تمرير "الأزمات" بلا أي أثمان حقيقية يتكلف بدفعها.

الزيارة التي يدرك العارفون بها كم تمنى الأردن لها ان تكون سرية جدا، لكن لا أسرار امام تسريبات الإسرائيليين المحرجة، انتهت بموقفين مختلفين عبر عنهما بيانان متوازيان لا يلتقيان، كان البيان الأردني يتحدث بإصرار عن محادثات مع نتانياهو عن حقوق الشعب الفلسطيني وتقرير مصيره بحق الدولتين – وهذا بالتأكيد ما حدث في المحادثات- لكن مكتب نتانياهو لم يذكر الفلسطينيين مطلقا في كل النص، وبينما كان البيان الأردني يؤكد على دعوة الملك في المحادثات على ضرورة وقف العنف كان بيان مكتب نتانياهو يرسل برقيات سريعة على شكل تمريرات إلى دول الإقليم بتكثيف التعاون الإقليمي والشراكات البينية، مستقصدا من عمان أن تصل برقيته إلى الرياض.

وحين تحدث البيان الأردني عن حل الدولتين، كان بيان مكتب نتانياهو يشيد ببلاغة إنشائية لا معنى حقيقي لها بالصداقة الأردنية – الإسرائيلية!! 

ومن كتاب الملك الأردني نفسه المنشور قبل عقد وعامين، أقتبس منه اقتباسا آخر أورده الملك عن إيهود باراك "آخر مقاتلي السلام في إسرائيل" والذي وصف نتانياهو نفسه بقوله" لم يترك نتنياهو حفرة إلا وقع فيها، والمشكلة الكبرى في أنه لا يسقط في الحفرة وحده لكنه يأخذ البلد برمته معه"!

بعد عقد وعامين، فإن الحفرة التي يعد نتانياهو نفسه للسقوط فيها كبيرة تتسع الإقليم كله في عالم لا يحتمل بالمطلق هزات جديدة ولا حروب لا نهايات لها.

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.