إلهان عمر في جلسة للكونغرس بمناسبة خطاب "حالة الاتحاد" الذي ألقاه الرئيس الأميركي جو بايدن
إلهان عمر في جلسة للكونغرس بمناسبة خطاب "حالة الاتحاد" الذي ألقاه الرئيس الأميركي جو بايدن

في سياق الصراع بين الحزبين السياسيين الرئيسيين في الولايات المتحدة، فإن طرد الجمهوريين في مجلس النواب للديمقراطية، إلهان عمر، من لجنة العلاقات الخارجية مؤشر على تصاعد التوترات في الكونغرس الأميركي.  ويشير إلى تواجد معارك سياسية وثقافية شاملة بين الحزبين.

فقد احتدم الصراع بين المؤيدين لعمر، وغالبيتهم من تيار أقصى اليسار في الحزب الديمقراطي ودعمهم في المقام الأول هو بناء على الهوية السياسية، فهي كامرأة مسلمة لجأت إلى الولايات المتحدة من الصومال يجب الدفاع عنها في نظرهم.   

لكن من وجهة نظر الجمهوريين يرون أن على جميع الأعضاء، الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، الذين يسعون للخدمة في الشؤون الخارجية، الالتزام بأعلى معايير السلوك بسبب الحساسية الدولية ومخاوف الأمن القومي ضمن اختصاص هذه اللجنة، ونظراً لأن عمر قامت بعدة تجاوزات، كان هذا القرار.

وهنا نرى الانقسام بين الحزبين ليس فقط سياسيا بل أيضا ثقافيا، أو انقسام في الثقافة السياسية، ومن هذا المنطلق كيف يمكن لدول المنطقة ودول الخليج تحديدا التخطيط لمصالحها السياسية في ظل هذا الانقسام الحزبي الكبير؟   

لقد صوت الجمهوريون لعزل عمر من لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب بسبب تصريحاتها الخطيرة بشأن الكثير من المواضيع المتعلقة بالشؤون الأمنية والعلاقات الخارجية ومنها معاداة السامية وبشأن إسرائيل عامة.

ففي عام 2021، عندما ساوت عمر الولايات المتحدة وإسرائيل مع حماس وطالبان، وصف 12 نائبا ديمقراطيا تصريحاتها بأنها "مسيئة" و"مضللة". وفي 2019، علقت عمر على الهجمات الإرهابية، التي وقعت في 11 سبتمبر 2001 والتي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 3000 شخص في الولايات المتحدة، لقد "فعل بعض الأشخاص شيئا ما".   

وبالطبع، إن أكثر من دافع عن عمر المنتمون إلى تيار أقصى اليسار من الحزب الديمقراطي، مثل زميلتها النائبة رشيدة طليب، الديمقراطية من ميشيغان، والتي صورت عمر على أنها ضحية للرقابة والتمييز.

كذلك انتقدت النائبة الديمقراطية، ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، الجمهوريين في مجلس النواب ووصفت القرار على أنه "استهداف للنساء ذوات البشرة الملونة في الولايات المتحدة الأميركية". وندد ديمقراطيون آخرون بمعاملة عمر على أنها نكاية سياسية، وقد قال زعيم الأقلية في مجلس النواب، حكيم جيفريز: "إن الأمر يتعلق بالانتقام السياسي".    

وبغض النظر عن كل هذه المناظرات بين الحزبين، كانت علاقة إلهان عمر باللوبيات المناوئة لدول الخليج واضحة للعيان، فمثلا أول من رحب بفوزها في الكونغرس كان مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (CAIR). كذلك عرفت بعلاقتها باللوبي الإيراني، المجلس القومي الإيراني الأميركي (NIAC) والذي أبدى تعاطفه معها بعد عزلها.   

كذلك علق المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، على تويتر أن "ما حدث يعتبر استبدادا برلمانيا في أميركا لإسكات صوت نائبة ناقدة!".  كما عرفت عمر بشدة هجومها على دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات. 

فهجومها على دول الخليج كان بسبب ما وصفته بـ "العبودية الحديثة" أي التعامل مع العمالة الأجنبية كعبيد، أما الهجوم على السعودية كان تحديدا في ملف اليمن وحقوق الإنسان، وذلك بتصوير حصار وتجويع آلاف المدنيين اليمنيين وآثار الحرب على تغذية أزمة المناخ.

هذا العداء على السعودية لم يكتف بالخطابات والبيانات لشيطنة المملكة، بل قدمت مشروعا لفرض قانون حظر بيع الأسلحة للسعودية في حربها باليمن.

وانتقدت عمر التقارب السعودي الأميركي بعد زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، للسعودية وذلك بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا واحتياج الغرب للنفط الخليجي، وقالت: "لا نريد شراء نفط من ديكتاتوريين يشنون حرباً على دولة مجاورة ضعيفة"، معبرة عن صعوبة تفهمها لزيارة بايدن  إلى السعودية وتقاربه مع قادة المملكة. 

أما الدولة الخليجية الثانية، التي كانت من أكبر ضحايا عمر هي الإمارات، لكن الهجوم عليها كان بسبب عدة ملفات، ومنها بسبب انتقال الأوليغارشية (وهم النخبة الحاكمة ومجموعة رجال الأعمال في الجمهوريات السوفيتية السابقة الذين تربحوا على الثروة بسرعة خلال عصر الخصخصة الروسية) إلى دبي، ودور الإمارات في تحطيم الثورات العربية أو ما يسمى بـ "الربيع العربي".

كما اتهمت عمر الإمارات في انقلاب السودان وعدم الاستقرار في ليبيا وفي النزاع في إثيوبيا والصومال، وألقت باللوم على الولايات المتحدة بسبب مبيعات الأسلحة إلى الإمارات.

إن هذه الاتهامات حقيقة تدعو إلى الفخر للإمارات إذا كانت بمقدرتها أن تقوم بكل هذه التحركات الإقليمية والعالمية، فهي اتهامات بالطبع مبالغ بها وبعيدة عن الصحة.  

كما أن عمر كانت ضد الاتفاقيات الإبراهيمية، لأن، في نظرها، هذه ليست اتفاقيات سلام بل اتفاقيات أسلحة تهدف إلى زيادة تمكين دول الخليج أمام مخاطر الحرب وتحديدا ضد "إيران".  

وهنا مربط الفرس، أن كل هذا الهجوم على دول الخليج هو في الأساس دفاعا عن إيران، ومنها رفع العقوبات الفوري عن إيران والمضي قدما بالملف النووي، وذلك بسبب ارتباطها بلوبيات إيرانية في الولايات المتحدة وشخصيات أميركية إيرانية أي أنها هنا تدافع عن مصالحها وليس مصالح الولايات المتحدة،  وقد فضحتها في ذلك الصحفية الإيرانية، مسيح علي نجاد، وقالت لها: "تدعمين إيران وهي دولة مارقة، تقتل شعبها، وتزعزع الإقليم، والسلام العالمي، أين كنتِ يا إلهان عمر عندما تواصلت معك طلباً للعون بعد استجواب أمي السبعينية وأخذ أخي رهينة من قبل النظام الإيراني بسبب دعمي للحقوق المدنية في إيران؟".

ثم أضافت "أنا لم أكن أتخيل يوما أن أحد أعضاء الكونغرس وهي امرأة ملونة مثلي ستنضم إلى الظالمين".   

إن الانقسام الحزبي الذي نشهده في الولايات المتحدة والذي يشمل حتى داخل كل حزب وعلاقة بعض النواب باللوبيات المعادية لدول الخليج، يدل على أهمية تعزيز دور اللوبيات الخليجية للحفاظ على مصالحها وأهمية التمكن من بناء علاقات وطيدة مع كلا الحزبين.    

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.