مع دخول الغزو الروسي لأوكرانيا عامه الأوّل، احتلّ الرئيس الاوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الذي كان العالم يستخف به، موقعًا متقدّمًا في "قائمة الأبطال"، في حين سقط الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي كان يعظّمه الجميع، في "قائمة المرذولين".
نجح الآتي إلى الرئاسة الاوكرانية من عالم التمثيل، في إثبات قدرة هائلة على المواجهة والصمود والقيادة والإلهام، في وقت سجّل فيه "القيصر" الذي كان المديح ينهال على "عبقريته الاستراتيجية"، خسائر معنوية ومادية هائلة.
لم يستطع بوتين تحويل أحلامه التي وقفت وراء استسهال إعطاء الأوامر لبدء اجتياح أوكرانيا إلى حقائق، فلا سقطت كييف تحت جحافل جيشه، ولا انتقلت السلطة إلى "جماعته"، ولا انهار الجيش الاوكراني، ولا استقبله الاوكرانيون بالورد والأرز، ولا تفسّخ حلف شمال الأطلسي، ولا جاعت أوروبا، ولا نزحت شعوبها إلى موسكو تنشد الدفء في موسم البرد، ولا انهار "الاتحاد الاوروبي".
كل هذه التصورات التي حفلت بها مخيلة بوتين ظهرت أنّها أضغاث أحلام، فالوقائع الميدانية أثبتت أنّ الحقائق الواقعية خيّبت أوهام "العبقرية الاستراتجية".
ولم تكن وقائع جولة فولوديمير زيلينسكي إلى لندن وباريس وبروكسل، بعد زيارة سابقة لواشنطن، سوى تكريس لهذه الحقائق، بحيث أظهرت أنّ المقاومة الاوكرانية للاجتياح الروسي، على الرغم من مرور سنة حافلة بالدمار والدماء، لا تزال في بداياتها، في وقت كانت فيه اوروبا وحلفاؤها في العالم، تظهر قدراتها على تزويد اوكرانيا، بكل ما تحتاجه من أجل أن تنتصر في "حرب السيادة".
في هذا الوقت، يحاول فلاديمير بوتين، بأثمان "جرمية"، أن يحفظ ماء وجهه، بحيث وضع كل امكانات بلاده والدول التي يستتبعها، من أجل تسجيل انتصارات صغيرة، تعينه على إنقاذ ما تبقى من هالته أمام شعبه الممسوك بيد من حديد، وهو الذي لم يبق لديه، بعدما مزّقت المقاومة الاوكرانية كل أوراق قوته، سوى التلويح بقدراته النووية.
بهذه الوضعية، لن يذهب "القيصر" إلى طاولة المفاوضات، فهو اختار ادخال نفسه وبلاده وجيشه وشعبه في "حرب استنزاف"، لأنّ التراجع عن اهداف الحرب على اوكرانيا، بالنسبة اليه، لا تقاس بالوقائع الميدانية، بل بالصورة التي طالما رسمها لنفسه، فهو روسيا وروسيا هو، فاذا تراجع هو تراجعت روسيا، واذا تواضع هو تواضعت روسيا، واذا انهزم هو انهزمت روسيا.
وعليه، فإنّ الحرب الروسية على اوكرانيا تستعد للدخول في عامها الثاني الذي لن يكون "أرحم" من عامها الأوّل، وفي وقت يجدد فيه الغرب وقوفه الى جانب فولوديمير زيلينسكي وتزويد جيشه بما كان محظورًا عليه، سوف يعمل فلاديمير بوتين على احراز تقدّم في الاقاليم التي ضمّها ورفع وتيرة الضغط القاتل على الشعب الاوكراني لعلّه…يستسلم!
ولكن، على الرغم من أنّ "القيصر" يحاول أن يستفيد من عوامل "الوقت المفتوح" و"الدمار الهائل"، فإنّ حلفاء اوكرانيا لا يتوقفون عن جعل عوامل قوة بوتين تنقلب ضدّه، فالوقت الطويل تكمن قيمته في تحويله الى أداة انتصار وليس الى فترة استنزاف، و"الدمار الهائل" تكمن خطورته في مرحلة الصدمة، ولكنه لاحقًا يتحوّل الى عبء ثقيل على صانعه.
سوف يعمل فلاديمير بوتين على اطالة امد حرب سبق له أن وعد بأنّها ستكون مجرّد نزهة، ولكن، اذا بقي الغرب عمومًا واوروبا خصوصًا، في موقع الداعم للصمود الاوكراني، وفق ما أظهرته المعطيات التي تلت زيارة زيلينسكي لواشنطن وواكبت جولته الاوروبية، فإنّ ربيع بوتين لن يُزهّر أبدًا!
ليس سهلًا أبدًا، بعد سنة واحدة أن يتم تلبيس "القيصر" ثياب ادولف هتلر، في وقت تلقى فيه عباءة ونستون تشرشل على "الممثل"!