دمار سوريا وتشرد أهلها من الهزة فوق الدمار والتشرد الذي لحق السوري في العشر سنوات الفائتة، هو تذكير بالمأساة والدرك الذي وصلت إليه "عرين العروبة" والتي باتت خياراتها محصورة اليوم بين الجوع أو توسل الأسد.
الهزة والتي أودت بحياة أكثر من ثلاثة آلاف سوري حتى الساعة وشردت أكثر من 300 ألف، عكست أيضا حجم الإهمال الدولي في التعاطي مع سوريا. فحتى اليوم والأمم المتحدة بعظمتها وجبروتها لم ترسل مساعدة إغاثة واحدة للداخل السوري. أين طاقمها؟ ليس من بعيد كان يلتقط الصور في فندق الشيراتون في دمشق. ليس في إدلب فندق خمس نجوم إنما هي تستأهل اهتماما من دعاة حقوق الإنسان والسلام العالمي.
أما الأسد وعقيلته أسماء فلم يتشرفا ببيان تعزية واحد أو زيارة لأحد الضحايا. التسوق على مواقع "غوتشي" و"شانيل" هو أهم بكثير من "فلاحي" إدلب.
الفشل الدولي على مستوى المساعدة والإغاثة في سوريا لا مبرر له، وهو اليوم سيعبد الطريق لإعادة بعض الدول فتح جسورها مع بشار الأسد.
فبعد اتصال من الرئيس الإماراتي محمد بن زايد والمصري عبد الفتاح السيسي بالأسد، ستعجل الهزة قطار التطبيع العربي مع الأسد. اليوم، الدول الغربية ما زالت تعيد تحفظاتها وتكرر أنها لن ترسل المساعدات عبر الأسد، إنما دمشق تعول أولا على التطبيع الإقليمي وتحديدا العربي والتركي. فالمال ولو جاء من أوروبا أو الخليج أو أفريقيا لا يهم الأسد، والغطاء الإقليمي هو أكثر من كاف لتعويمه سياسيا.
عودة الأسد إلى الجامعة العربية دفع باتجاهها الأردن والإمارات وتحفظت عليها السعودية ومعها مصر بعد ضغوط غربية. إنما اليوم والسيسي قد اتصل بالأسد والغرب منشغل بأوكرانيا، فقد تدفع الكارثة بدعوة دمشق من باب المساعدة وإعادة الإعمار.
الورقة الأهم والأصعب أمام الأسد هي تركيا. فأي امتداد للنظام إلى إدلب لا يمكن أن يحصل من دون صفقة (أو مواجهة) مع أنقرة، وأي مساعدات لتلك المنطقة ستمر من خلال تركيا.
اليوم تركيا منهمكة بمصائبها وما يتخطى الـ20 ألف قتيل من الهزة ليجعلها الأسوأ في تاريخ البلاد. هذه الأرقام تجعل تركيا أقل رغبة في البقاء في الأراضي السورية وتحمل أعباء الإنقاذ هناك. يضاف إلى ذلك العاملان الاقتصادي والاجتماعي. فالنقمة على اللاجئين السوريين ستزداد بعد الهزة بالنسبة لأكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري.
وحتى قبل الهزة كانت هناك الرغبة التركية بطي صفحة الحرب والعبء الاقتصادي المترتب عليها، وإعطاء أولوية لمواجهة الأكراد. يضاف إلى ذلك العامل الاقتصادي، فالسوق التركي هو منفس للبضائع السورية والعكس صحيح.
أما الانتخابات المقبلة فهي تضاعف الضغوط على رجب طيب إردوغان لتحسين الواقع الاقتصادي. وهنا المعارضة التركية أكثر تأييدا من إردوغان للمصالحة مع الأسد.
كل هذه العوامل ومن دون تأييد الغرب تضع الأسد أمام فرصة التصالح مع العرب واستمالة تركيا فوق دمار والحجارة التي قتلت أبناء إدلب.