ماذا يعني أن يُسقط سلاح الجو الأميركي منطاد صيني و3 اجسام مجهولة فوق ولايات ألاسكا وكارولينا الجنوبية وميشيغان وداخل مقاطعة اليوكون في كندا، وأن تؤكد الاستخبارات الأميركية أن واحد منها على الأقل هو بالون تجسس صيني لسرقة صور ومعلومات فوق الأراضي الأميركية؟
وماذا يعني أن تكشف الاستخبارات الأميركية أن الصين أرسلت مناطيد مشابهة فوق 40 دولة، بينها دول شرق أوسطية وفي أميركا اللاتينية وأفريقيا؟ كحد أدنى، نحن أمام حالة تجسس من العيار الثقيل تقودها بكين منذ أكثر من عامين وتتقدم في تطويرها، وكحد أقصى نحن أمام صفحة جديدة في التشنج بين الصين والولايات المتحدة عنوانها التجسس وتتشعب لملفات جيوسياسية واقتصادية وأمنية.
التجسس هو أحد أقدم الأعراف في الحروب الاستخباراتية بين الدول وليس فقط بين الخصوم بل حتى الحلفاء. فالولايات المتحدة تجسست على المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل خلال ولاية الرئيس باراك أوباما، وها هو أدوارد سنودن، موظف الاستخبارات الأميركية السابق لاجئاً عزيزاً لدى روسيا بوتين. أما الاستخبارات الخليجية فليس من بعيد اخترقت وكالة الأنباء القطرية، ودخلنا بعدها في أزمة المقاطعة.
ما يختلف في أزمة البالونات الصينية هو أنها، وفي حال صحت الاستخبارات الأميركية، تتم في وضح النهار وعلى المستوى العالمي وفي شكل فاضح. أحد البالونات فوق كندا هو في حجم سيارة صغيرة، أما الآخر الذي تم إسقاطه فوق المياه الأميركية فهو بحجم سبع باصات.
هذا الأسلوب هو جديد للصين نفسها التي زعمت أن البالون الأول هو لرصد الطقس، وصادف أنه كان في ولايات فيها منشآت عسكرية أميركية بينها مونتانا. الصُدف أيضاً شاءت أن يجول البالون الرابع الحدود الكندية-الأميركية، علماً أن الطقس البارد هناك لا يشهد الكثير من التقلبات…
أما البالون الصيني فوق الشرق الأوسط فهو مر مرور الكرام فوق دول عربية وجمع معلومات عنها في حين معظمها يهرول نحو بكين ليطلب القرب من شي جينبينغ.
التقارب التجاري مع الصين لا ضرر فيه، أما الدفاعي فهو أمر يجب أن يؤرق عدة دول خليجية ولأن التكنولوجيا الصينية قادرة على اختراق أنظمة دفاعية وسرية لهذه الدول.
الصين نفسها التي ترسل البالونات شرقًا وغربًا استقبلت بالأحضان هذا الأسبوع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. هي الصين نفسها التي تنظر لها بعض القيادات العربية كبديل لواشنطن. وفي ذلك ضرب من قصر النظر، بسبب العقيدة الخارجية للصين المبنية على المقايضة وليس على الحماية الأمنية أو الضمانات الدفاعية. فهل سيحمي البالون الصيني مصافي أرامكو؟ أو هل يضمن الحركة البحرية الدولية في مضيق هرمز؟ لا ولا.
الاجتماع الدفاعي الذي عقدته واشنطن في الرياض هذا الأسبوع مع دول خليجية فيما كان الرئيس الإيراني يحزم حقائبه للسفر إلى بكين هو مؤشر على الفرق الشاسع بين القوة الأميركية والقوة الصينية. الأولى دافعت عن حلفائها من الكويت إلى أوكرانيا، فيما الثانية تتنصت على الصديق والخصم في بالون فقعته الاستخبارات الأميركية بأقل من دقيقة وهي تدرس اليوم تكنولوجيته وصور "الطقس" التي رصدها.