فجأة، يبدو أن هناك ثورة تختمر في بيلاروسيا. في التاسع من أغسطس، ذهب البيلاروسيون إلى صناديق الاقتراع لتقرير ما إذا كان الرجل القوي للبلاد، ألكسندر لوكاشينكو، يستحق فترة سادسة في منصبه. كان من المفترض أن تكون الانتخابات مسألة شكلية، من شأنها أن توفر خمس سنوات أخرى في السلطة للنظام الاستبدادي القمعي الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن الاتحاد السوفياتي في عام 1991.
لم يجر الأمر كما يشتهي لوكاشينكو. وعقب انتخابات 9 أغسطس، التي تقول السلطات إن لوكاشينكو فاز بها بهامش كبير، بدأت احتجاجات شعبية واسعة النطاق في الجمهورية السوفياتية السابقة، رفضا لنتائج الانتخابات التي يُنظر إليها على أن انتخابات مزورة. انطلقت هذه الاضطرابات منذ أسبوعين، ولا تزال مستمرة، بحيث تحولت إلى مسيرات شعبية وتجمعات نقابية وتظاهرات عامة، على الرغم من حملة القمع والاعتقالات الجماعية التي شنتها السلطات.
في الواقع، أصبح من الواضح الآن تماما أن المعارضة البيلاروسية، المعترضة على النظام السياسي الذي تراه غير تمثيلي ومزور، تسعى بشكل متزايد إلى تحقيق انتقال سياسي سلمي في البلاد. سفيتلانا أليكسيفيتش، الكاتبة الحائزة على جائزة نوبل وإحدى كبار المفكرين في البلاد، تحدثت باسم الكثيرين الأسبوع الماضي عندما قالت علنا إن "السلطات أعلنت الحرب على الناس" ودعت لوكاشينكو إلى التنازل عن السلطة من أجل تجنب وقوع حرب أهلية.
يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معارضة متزايدة في الداخل الروسي
السؤال العملي هو: كيف سيرد النظام على هذه التطورات؟ حتى الآن، جاءت استجابة لوكاشينكو كما هو متوقع: قمع رسمي واسع النطاق أدى إلى انتشار التعذيب وأظهر وحشية النظام. كان الرد قاسيا لدرجة أن الاتحاد الأوروبي وافق على خطط لفرض عقوبات جديدة على مسؤولي النظام في بيلاروسيا ردا على ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار تحركات المعارضة دفع لوكاشينكو إلى التمحور دوليا أيضا. وبهدف مواجهة الاضطرابات المتصاعدة، مد يده مجددا إلى روسيا للمساعدة في الحفاظ على الوضع السياسي الراهن.
وهذا تطور مهم، لأن العلاقات بين موسكو ومينسك كانت تنحو صوب التوتر في الأشهر الأخيرة. فخلال العام الماضي، كثفت الجهود الروسية لضم بيلاروسيا (التي كانت من الناحية الفنية في اتحاد كونفدرالي مع روسيا منذ عام 1996، لكنها ظلت مستقلة)، بالإضافة إلى الخلافات حول الطاقة، مما دفع لوكاشينكو إلى شق طريق أكثر استقلالية وتوسيع اتصالات حكومته مع الغرب. أدت مناورات لوكاشينكو إلى توتر عميق في العلاقات مع الكرملين، ووصل الأمر إلى درجة أن موسكو أرسلت مرتزقة إلى بيلاروسيا قبل انتخابات التاسع من أغسطس في محاولة لزعزعة استقرار البلاد. لكن الأمر مختلف اليوم مع تعرض قبضته على السلطة للخطر، تخلى رئيس بيلاروسيا عن محاولاته لتحقيق التوازن بين الشرق والغرب، وعاد إلى موسكو للحصول على حمايتها.
أصبحت بيلاروسيا بشكل غير متوقع أحدث اختبار لإمكانية حصول تغيير سياسي ذي معنى في الدول المحيطة بروسيا
واقعيا، يمكن الاعتماد على الكرملين في مد يد العون. وعلى مدى العقدين الماضيين، راقبت الحكومة الروسية بقلق ما يسمى بـ "الثورات الملونة" التي اجتاحت دول الاتحاد السوفياتي السابق، مما أدى إلى تخفيف قبضتها على جيرانها الأضعف بسبب هذه الثورات. في الواقع، كان غزو أوكرانيا واحتلال شبه جزيرة القرم في عام 2014 (الذي يستمر حتى يومنا هذا) محاولة واضحة من قبل موسكو لتغيير المسار الموالي للغرب في ذلك البلد في أعقاب "ثورة الميدان" في ديسمبر 2013.
كذلك يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معارضة متزايدة في الداخل الروسي. حيث أدى تدهور الاقتصاد، وتفاقم المصاعب المحلية، والاستجابة الوطنية الفاشلة لفيروس كورونا إلى انخفاض ملحوظ في شعبية بوتين نفسه، إلى حد ظهور علامات جديدة على تزايد مقاومة قيادته السياسية.
لذلك يوافق الكرملين بلا شك على ما قاله لوكاشينكو في اجتماع طارئ لمجلس الوزراء في نهاية الأسبوع: "الدفاع عن بيلاروسيا يمثل حماية منطقة ما بعد الاتحاد السوفياتي بأكملها". وهذا هو السبب الذي جعل الحكومة الروسية تشير إلى استعدادها لتقديم مساعدة عسكرية إلى مينسك، ومن المرجح أن تجد موسكو ذريعة للقيام بذلك.
يبدو أن بوتين وأنصاره قد أدركوا ما تفهمه المعارضة البيلاروسية بالفعل؛ أصبحت بيلاروسيا بشكل غير متوقع أحدث اختبار لإمكانية حصول تغيير سياسي ذي معنى في الدول المحيطة بروسيا (وربما حتى في داخل روسيا نفسها).