A picture taken on Mach 30, 2020 shows a mural depicting a mask-clad boy in front of the Zouk Thermal Power Plant, north of the…
غرافيتي حول فيروس كورونا في لبنان

ربما كان هذا السر الأكبر في 2020: هل كل ما حصل جراء فيروس كورونا مجرد صدفة لتطور طبيعي ضمن خلايا أحد الحيوانات في الصين؟ أو أن شريرا ما اتخذ قرارا بتصنيع هذا الفيروس أو على الأقل باحتضانه ونشره حول العالم؟

هذا المقال لا يستهدف حصر الإجابات على هذا السؤال، وإن كانت النتيجة النهائية بأن جميع النظريات المطروحة اليوم لا دليل مؤكد عليها وهي آراء مرتبطة في غالب الأحيان بأجندة سياسية أو أيديولوجية.

في عام 2003 تحدث عالم الفيزياء الفلكية البريطاني الشهير مارتن ريس عن التطور السريع في الأسلحة البيولوجية، وراهن بأنه مع حلول 2020 سيحدث خطأ بيولوجي يؤدي إلى وفاة مليون إنسان، وإذا كان حصول كورونا قد جعل الناس تدهش من هذا التوقع الدقيق، إلا أنه ليس هناك حتى الآن ما يؤكد أنه بالفعل نتيجة خطأ بشري له علاقة بتطور الأسلحة البيولوجية.

لكن الفكرة الأعمق هنا والمرعبة فعلا أن إطلاع ريس وغيره على تصاعد السباق بين الدول في تطوير الأسلحة البيولوجية، يعني أن "كورونا" بكل ما أحدثته للعالم من إرباك وهلع هي مجرد مذاق لما يمكن أن يحدث للعالم في حال استخدام التقنية البيولوجية في شن حرب أو عملية إرهابية.

قبل أكثر من 45 سنة وقعت دول العالم اتفاقا لحظر الأسلحة البيولوجية، إلا أن هناك أدلة وتقارير كثيرة لا يمكن حصرها عن استمرار السباق على تطوير هذا النوع من الأسلحة بين 25 دولة على الأقل، وذلك في سرية شديدة مراعاة للاتفاقية الدولية، وفي سباق خفي للتوازن الاستراتيجي بين الدول الكبرى، مستفيدين في ذلك من أنه لا توجد جهة تنفيذية دولية تراقب التزام الدول بالاتفاقية، أو تجبرهم على الشفافية الكاملة بشأن دراساتهم ومشاريعهم في هذا المجال.

هناك أيضا مؤشرات قوية على أن الصين تملك برنامجا متقدما في مجال الأسلحة البيولوجية، ولكن في سرية شديدة

كان أشهر الأسلحة البيولوجية قبل توقيع الاتفاقية هو "الأنثراكس" والذي كان لدى أميركا مخزون ضخم منه ودمرته عند توقيع الاتفاقية، إلا أن الاتحاد السوفييتي حينها استمر في تطويره سرا إلا أن حصل في 1979 تسريب بيولوجي في المصنع الخاص به قتل حوالي 80 شخصا، والذي اعترف به بوريس يلتسين رسميا في 1992. 

كان الغريب أن الحادث قتل الرجال فقط، وهذا جعل الأميركيين يشكون حينها أن السوفيات قد طوروا الأنثراكس بحيث يستهدف جنسا معينا فقط. طبعا ما زال الأنثراكس يستخدم في بعض العمليات الإرهابية، التي تظهر بين الحين والآخر، وما زال ضباط الجيشين الأميركي والبريطاني يتلقون اللقاحات ضده.

أميركا لديها أيضا برنامج معلن لتطوير التقنيات الدفاعية الخاصة بالأسلحة البيولوجية، ولكن اتساع المساحة الرمادية بين الأسلحة الدفاعية والهجومية يجعلها دائما محل هجوم الدول الأخرى. 

في العام الماضي، لما أعلنت وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة (وهي هيئة حكومية أميركية) عن تجارب في مجال تطوير الجينات بحيث تكون محصنة ضد الهجمات البيولوجية، ثار قلق عالمي بأن هذه الأبحاث قد لا تكون وقائية بالكامل بل هي أيضا تمنح الأميركيين معرفة متقدمة في مجال التعامل مع الأسلحة البيولوجية، وقد تستخدم لشن هجمات عسكرية.

هناك أيضا مؤشرات قوية على أن الصين تملك برنامجا متقدما في مجال الأسلحة البيولوجية، ولكن في سرية شديدة، وظهر الحديث عن هذا البرنامج إلى السطح عدة مرات آخرها مع الحديث عن أكاديمية علم الفيروسات في ووهان، والتي تم اتهامها من ضابط الاستخبارات الإسرائيلي داني شوهام بتسريب فيروس كورونا عمدا، لكن شوهام لم يقدم أي أدلة تؤكد ذلك.

بالمقابل يشير الخبراء العسكريون لمشكلة أساسية في الأسلحة البيولوجية وهي صعوبة تنفيذ هجمات عسكرية بحيث يصاب العدو فقط. هذا مثلا ما يقتل معظم نظريات المؤامرة التي لها علاقة بكورونا، وهي كونها آذت جميع الدول بلا استثناء، ولذلك تركزت معظم الدراسات الحديثة على "الإرهاب البيولوجي" لأن الجماعات الإرهابية هي الوحيدة التي يمكنها تنفيذ مثل هذه الهجمات بدون مبالاة بالعواقب.

هذا طبعا إلا إذا كان السلاح ذكيا بما يكفي لإصابة العدو فقط. هذا يشرح الضجة التي أحدثها تقرير جريدة صنداي تايمز في 1998 عن "قنبلة عرقية" تطورها إسرائيل من خلال مركز أبحاث في مستعمرة "نتسيونا"، بحيث تقتل العرب ولا تقتل اليهود رغم تقارب جيناتهم نظرا إلى أصولهم السامية المشتركة. البعض صدق التقرير حينها حيث خرجت شخصيات سياسية إسرائيلية لتستنكره، وجاء آخرون ليعتبرونه رد فعل منطقي على ما كان يشاع حينها عن برامج العراق لتطوير أسلحة بيولوجية وكيماوية، بينما خرج فريق ثالث ليقول بأن التقرير كان تسريب إسرائيلي مزيف لبث الخوف في قلوب الأعداء العرب.

من المستبعد لعاقل أن يتخذ قرارا باستخدام الأسلحة البيولوجية لأنه من الصعب توقع آثارها والتي قد تدمر الجميع

لكن بعيدا عن هذا كله، تبقى إسرائيل الدولة المتقدمة الوحيدة التي رفضت التوقيع على اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية، ولديها بلا شك برنامج متقدم لتطوير الأسلحة البيولوجية، أشار له تقرير صادر عن الكونغرس الأميركي في 1993. بدأ البرنامج الإسرائيلي على يد ديفيد بن غوريون في 1948 بواسطة علماء إسرائيليين من أصول ترجع لأوروبا الشرقية، وهو البرنامج الذي تبلور لاحقا في تأسيس الأكاديمية الإسرائيلية للأبحاث البيولوجية في نيتسيونا، حسب ما تقوله دراسة لمركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار في كاليفورنيا.

هناك أيضا إشارات رسمية كثيرة لمحاولات هنا وهناك لإنتاج أسلحة بيولوجية جينية أخرى، والطريف أنه في عام 2012 نشرت مجلة أتلانتيك عن احتمال تطوير فيروس يصيب الناس بزكام خفيف، ولكنه في نفس الوقت إذا صادف أشخاص بجينات معينة يقضي عليهم، وهذه البرامج هي التي جعلت كثيرا من الدول تضع أنظمة تمنع خروج عدد كبير من عينات الـDNA خارج الدولة وتعتبرها أسرارا أمنية، وذلك حتى لا يسهل استهداف الدولة بأسلحة جينية.

في كل الأحوال، من المستبعد لعاقل أن يتخذ قرارا باستخدام الأسلحة البيولوجية لأنه من الصعب توقع آثارها والتي قد تدمر الجميع، إلا طبعا إذا كان شخصا أو جماعة إرهابية يريدون الفوضى الشاملة في العالم التي تصيب آثارها الجميع بدون تمييز.

هذا يذكرني بالسؤال الذي بدأت به مقالي: هل يا ترى هناك من يستمتع اليوم بالفوضى الحاصلة بسبب كورونا وينتظرها أن تحقق أهدافه الأنانية جدا؟ أتمنى من الأعماق أن يكون الجواب بـ "لا".

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.