Moroccan volunteers of local organisation National Institute for Solidarity with Women in Distress prepare food donations to be…
متطوعة في إحدى المنظمات المحلية في المغرب خلال تحضير مساعدات غذائية للأسر المحتاجة

في فترات الأزمات، تظهر معادن الناس الحقيقية.

شعار نكرره جميعا... لكن، اليوم، ونحن نعيش أزمة صحية عالمية، تظهر فعلا أمامنا عينات مختلفة من الناس.

هناك عينات تسعى لمساعدة من حولها بإمدادهم بالأخبار الصحيحة، أو عبر مساعدات مادية أو عينية لهؤلاء الذين فقدوا مصدر دخلهم بسبب المرض، وعبر مختلف أشكال التضامن المادي والمعنوي والنفسي.

ثم هناك عينات تسعى لاستغلال الأزمة لصالحها، كقطاع التعليم الخصوصي والمصحات الخاصة في المغرب أو ممثلي بعض المهن الحرة (كالمهندسين)، الذين طلبوا بدورهم الاستفادة من الدعم المادي الذي تقدمه الدولة لقطاعات اقتصادية وفئات اجتماعية مهددة.

هناك عينة من الناس تعتبر أن الوباء أصابنا بسبب الفساد والانحلال

هناك أيضا عينة من الناس ترى في كل شيء عقابا من الله: رجال دين مسلمون رأوا في كورونا عقابا من الله، قبل أن يصاب أحدهم، هو نفسه، بكورونا. وزير إسرائيلي متدين اعتبر أن كورونا لا يصيب إلا المثليين، قبل أن يصاب به هو نفسه! رجال دين مسيحيون اعتبروا أن المجيء للقداس يحمي المتدينين من الإصابة بالعدوى، قبل أن تتحول بعض التجمعات الكنسية إلى أحد أهم أسباب انتشار العدوى... وغيرها من أشكال التأويل الديني للمصائب: الله يعاقبنا بالفيروسات والأمراض والفياضانات. الفيروسات جند من جنود الله (وماذا حين تصيب المتدينين؟). الوضوء يحمي من الإصابة (وماذا عن التيمم؟). الرسول أمر بالحجر الصحي (وكأن الرسول طبيب... علما أن عددا من الثقافات قبل وبعد الإسلام كانت قد تطورت معرفتها تدريجيا ببعض الأمراض وكانت تقوم بالعزل في حالة انتشار الأمراض المعدية). زيارة الكنيسة وممارسة كل طقوس التعبد تحمي من الإصابة بكورونا (علما أن الشرب من نفس الإناء من طرف عشرات المتدينين في نفس القداس هو أسرع وسيلة لنقل العدوى)... وغيرها من أشكال خلط الدين بالصحة والأوبئة.

هناك عينة أخرى (تقترب من العينة أعلاه) تعتبر أن الوباء أصابنا بسبب الفساد والانحلال، وأننا نحتاج للقرآن أكثر من حاجتنا للفن. لماذا لا تقرأ القرآن وتترك غيرك يسمع لفيروز أو بتهوفن أو ناس الغيوان، حسب هواه؟ ثم، لو كانت قراءة القرآن تحمي المؤمنين من المصائب، كيف مات عدد من الصحابة والتابعين بسبب الأمراض أو بسبب التقتيل بين المسلمين في معارك متعددة، وهم "السلف الصالح"؟ لماذا لم يحمِهم القرآن؟

هناك عينة أخرى من الناس، تحديدا في المغرب، يبدو لك أنها ترفض أن تعترف بأن هناك، على العموم، تدبيرا جيدا للأزمة الصحية التي يعيشها العالم. وكأنها تتمنى أن يتم تدبير الأزمة الصحية بشكل سيء حتى تتمكن من التشفي ونشر هاشتاغات "لك الله يا وطني".

عموما، دبر المغرب بشكل جيد أزمة كورونا، إذ كان من أوائل البلدان التي أقفلت الحدود وقامت بعدد من الإجراءات الوقائية والصحية والاقتصادية (فرض العزل المنزلي وإجراءات التباعد الاجتماعي مع ظهور الحالات الأولى، إغلاق جميع الفضاءات العامة من مقاهي وحمامات ومساجد وغيرها، توفير صندوق مالي مهم خاص بتدبير الجائحة، فرض الكمامات مع إنتاجها بشكل واسع ودعمها اقتصاديا لتكون في متناول الجميع بسعر 7 سنتيم يورو، دعم الأسر الفقيرة ماديا، تقديم تسهيلات للمقاولات التي تضررت بسبب الأزمة، نشر حملات واسعة للتوعية، تطوير البنيات الصحية ودعمها بمختلف الوسائل، وغيرها من الإجراءات).

اليوم، يفترض أننا جميعا أمام هدف واحد: الخروج من هذه الأزمة الصحية بأقل الأضرار الإنسانية

إلى غاية اليوم، الوضع تحت السيطرة إلى حد كبير وإن كان لا أحد (في المغرب وفي العالم) يعرف كيف ستتطور الأمور. لكن هناك عينة من مواطنينا يبدو أنها تبحث عن أشكال الخلل مهما كانت صغيرة (أو وهمية) لكي تثبت أن الدولة لا تقوم بواجبها. بل حتى وكأن البعض يتمنى بشكل أو بآخر انفجار عدد الإصابات والموتى لكي تصح نظريته.

أي نعم، الوضع صعب وهناك بعض أشكال الخلل. لكن بشكل عام، ومع كل ما يمكن قوله حول ضعف بنيات الصحة في المغرب (وهذه قضية إشكالية أساسية علينا أن نعود لها بعد انتهاء هذه الأزمة)؛ إلا أن التدبير العام إلى غاية هذه اللحظة يتم بشكل استباقي جيد، خصوصا مقارنة مع دول متقدمة كفرنسا أو إسبانيا أو الولايات المتحدة الأميركية.

في العموم وخارج أزمة كورونا، هناك الكثير مما يمكن انتقاده في بلداننا على مستوى التدبير... لكن، اليوم، يفترض أننا جميعا أمام هدف واحد: الخروج من هذه الأزمة الصحية بأقل الأضرار الإنسانية. هناك أشخاص مصابون وآخرون فقدوا أو سيفقدون حياتهم. هناك الآلاف ممن سيتضررون اقتصاديا من هذه الأزمة. نحتاج لتظافر الجهود لتجاوز الكارثة... لا لتقريع بعضنا البعض بسبب أمور ليس هذا وقتها بتاتا.

فلنكن بخير... جميعنا!

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.