في أكتوبر من العام الماضي ألغى موقع فيسبوك حسابي الشخصي الذي أنشأته في عام 2007 بدون سابق إنذار أو توضيح لاحق عن سبب الإلغاء على الرغم من محاولاتي الحثيثة لاستعادة الحساب أو معرفة سبب إلغائه على أقل تقدير.
وفي مايو الماضي تكرر السيناريو نفسه ولكن هذه المرة مع حسابي على موقع "تويتر" الذي أنشأته في عام 2009 وتجاهل المسؤولون رسائلي التي طالبتهم فيها بالالتزام بالقوانين التي وضعوها وإفادتي بأسباب الإلغاء.
تضررت كثيرا بسبب هذين القرارين الجائرين وفقدت الكثير من الذكريات والحوارات والحقوق الأدبية كما انقطع تواصلي مع مئات الأصدقاء الذين كنت أتواصل معهم من خلال المنصتين.
لم يعد أمامي الآن بعد أن فشلت كل محاولاتي لاسترجاع الحسابين أو الحصول على الأرشيف الخاص بي أو على الأقل معرفة مبررات قراري الإلغاء إلا الاعتماد على قدراتي التحليلية لاستنتاج أسباب إلغاء حساباتي وامتناع المسؤولين في الشركتين عن الرد على رسائلي.
في البداية، كنت ألتمس للشركتين الأعذار باعتبار أن الأعداد الهائلة لمستخدمي المنصتين والشكاوى التي يتم إرسالها يوميا إلى المسؤولين فيهما قد تكون السبب وراء تأخر حصولي على إجابة لتساؤلاتي ولكن بعد استمرار التجاهل لأشهر توصلت إلى قناعة تامة بأن الأمر ليس مجرد خطأ إجرائي وإنما قرار إداري بُني على جهل مسؤولي الشركتين بفحوى منشوراتي على فيسبوك وتغريداتي على تويتر.
إن انتهاج مواقع التواصل الاجتماعي لسياسة الكيل بمكيالين وتوسعها في حظر الحسابات بدون إبداء أسباب منطقية لهو مؤشر خطير يجب التصدي له ومواجهته قبل أن فوات الأوان
وأغلب الظن أن إلغاء الحسابين سببه منشوراتي وتغريداتي التي أتناول فيها الشأن الجهادي بحكم عملي في هذا المجال لأكثر من عقد من الزمن وقد تتضمن في بعض الأحيان صورا وبيانات مصدرها الأذرع الإعلامية للتنظيمات الجهادية.
ولكون تلك الصور والبيانات من المصدر الرئيسي، يبدو أن اللوغريثمات الخاصة بالحذف الفوري للإصدارت الجهادية تعرفت عليها لكنها لم تتمكن من التفريق بيني ككاتب ومراقب لتلك التنظيمات وبين أنصار الجماعات الجهادية في الموقعين. ومما زاد الأمر تعقيدا بحسب ظني أن اسمي وكنيتي على موقع فيسبوك من الأسماء المتداولة في أوساط الجهاديين ولذلك لم تشفع لي كتاباتي ومشاركاتي في الموقعين وعبر وسائل الإعلام المنددة بالإرهابيين والأفكار المتطرفة ودعاة الجهاد الذين ينشرون الكراهية ورفض الآخر على كتاباتهم وفتاويهم التحريضية.
قد يبدو هذا الاستنتاج منطقيا وكنت سأقبل به لو أن الشركتين تطبقان نفس السياسة مع جميع من ينشرون الإصدارات الجهادية إلا أن الواقع للأسف يثبت عكس ذلك فالموقعان يعجان بآلاف الحسابات التي تروج علنا للجماعات الجهادية ولا تخفي تأييدها لتنظيمات إرهابية كـ "داعش" و"القاعدة" وغيرها.
يكفي مثلا كتابة كلمة "دولاوي" نسبة إلى "الدولة الإسلامية" على محرك البحث في فيسبوك لتظهر لك مئات الحسابات المؤيدة لـ"داعش" التي تنشط في الترويج للبيانات والإصدارات الجهادية بدون أي مضايقات من شركة فيسبوك.
الموقعان يعجان بآلاف الحسابات التي تروج علنا للجماعات الجهادية ولا تخفي تأييدها لتنظيمات إرهابية كـ "داعش" و"القاعدة" وغيرها
وبالإضافة إلى ذلك، يسمح فيسبوك لـ "هيئة تحرير الشام" الجهادية لحملة "إرم معهم بسهم" التي تنشط في مجال جمع الأموال لصالح الجماعات الجهادية في سوريا باستخدام الموقع والترويج لأنشطتهم فيه.
والأمر نفسه ينطبق على موقع "تويتر" الذي يبدو أنه لا يكتفي فقط بإتاحة منصته للحسابات التي تعلن تأييدها لمنظمة إرهابية كتنظيم الدولة بل إنها توثق حسابات شخصيات تكفيرية كالكويتي حاكم المطيري الذي له أكثر من مليون متابع على تويتر والسماح لجهادي مطلوب كالسعودي عبد الله المحسيني وأبو العبد أشداء والمصري يحيى الفرغلي والسوري عبد الرزاق المهدي وغيرهم باستخدام الموقع.
إن انتهاج مواقع التواصل الاجتماعي لسياسة الكيل بمكيالين وتوسعها في حظر الحسابات بدون إبداء أسباب منطقية لهو مؤشر خطير يجب التصدي له ومواجهته قبل أن فوات الأوان.
لقد حان الوقت لأن يلعب مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي دورا في ترشيد أداء تلك الشركات التي كون أصحابها ثروات هائلة ولكن على الرغم من ذلك فإن مشاركتهم محدودة في منع الجماعات الجهادية ودعاة الكراهية من الترويج لأفكارهم التي لها أبلغ في الكثير من الويلات التي تعاني منها شعوب ومجتمعات العالم.