A picture taken on September 4, 2019 shows logos of US social networking websites Instagram, Twitter and Facebook, displayed on…
أغلب الظن أن إلغاء الحسابين سببه منشوراتي وتغريداتي التي أتناول فيها الشأن الجهادي بحكم عملي في هذا المجال لأكثر من عقد من الزمن

في أكتوبر من العام الماضي ألغى موقع فيسبوك حسابي الشخصي الذي أنشأته في عام 2007 بدون سابق إنذار أو توضيح لاحق عن سبب الإلغاء على الرغم من محاولاتي الحثيثة لاستعادة الحساب أو معرفة سبب إلغائه على أقل تقدير. 

وفي مايو الماضي تكرر السيناريو نفسه ولكن هذه المرة مع حسابي على موقع "تويتر" الذي أنشأته في عام 2009 وتجاهل المسؤولون رسائلي التي طالبتهم فيها بالالتزام بالقوانين التي وضعوها وإفادتي بأسباب الإلغاء.

تضررت كثيرا بسبب هذين القرارين الجائرين وفقدت الكثير من الذكريات والحوارات والحقوق الأدبية كما انقطع تواصلي مع مئات الأصدقاء الذين كنت أتواصل معهم من خلال المنصتين.

لم يعد أمامي الآن بعد أن فشلت كل محاولاتي لاسترجاع الحسابين أو الحصول على الأرشيف الخاص بي أو على الأقل معرفة مبررات قراري الإلغاء إلا الاعتماد على قدراتي التحليلية لاستنتاج أسباب إلغاء حساباتي وامتناع المسؤولين في الشركتين عن الرد على رسائلي.

في البداية، كنت ألتمس للشركتين الأعذار باعتبار أن الأعداد الهائلة لمستخدمي المنصتين والشكاوى التي يتم إرسالها يوميا إلى المسؤولين فيهما قد تكون السبب وراء تأخر حصولي على إجابة لتساؤلاتي ولكن بعد استمرار التجاهل لأشهر توصلت إلى قناعة تامة بأن الأمر ليس مجرد خطأ إجرائي وإنما قرار إداري بُني على جهل مسؤولي الشركتين بفحوى منشوراتي على فيسبوك وتغريداتي على تويتر.

إن انتهاج مواقع التواصل الاجتماعي لسياسة الكيل بمكيالين وتوسعها في حظر الحسابات بدون إبداء أسباب منطقية لهو مؤشر خطير يجب التصدي له ومواجهته قبل أن فوات الأوان

وأغلب الظن أن إلغاء الحسابين سببه منشوراتي وتغريداتي التي أتناول فيها الشأن الجهادي بحكم عملي في هذا المجال لأكثر من عقد من الزمن وقد تتضمن في بعض الأحيان صورا وبيانات مصدرها الأذرع الإعلامية للتنظيمات الجهادية.

ولكون تلك الصور والبيانات من المصدر الرئيسي، يبدو أن اللوغريثمات الخاصة بالحذف الفوري للإصدارت الجهادية تعرفت عليها لكنها لم تتمكن من التفريق بيني ككاتب ومراقب لتلك التنظيمات وبين أنصار الجماعات الجهادية في الموقعين. ومما زاد الأمر تعقيدا بحسب ظني أن اسمي وكنيتي على موقع فيسبوك من الأسماء المتداولة في أوساط الجهاديين ولذلك لم تشفع لي كتاباتي ومشاركاتي في الموقعين وعبر وسائل الإعلام المنددة بالإرهابيين والأفكار المتطرفة ودعاة الجهاد الذين ينشرون الكراهية ورفض الآخر على كتاباتهم وفتاويهم التحريضية.

قد يبدو هذا الاستنتاج منطقيا وكنت سأقبل به لو أن الشركتين تطبقان نفس السياسة مع جميع من ينشرون الإصدارات الجهادية إلا أن الواقع للأسف يثبت عكس ذلك فالموقعان يعجان بآلاف الحسابات التي تروج علنا للجماعات الجهادية ولا تخفي تأييدها لتنظيمات إرهابية كـ "داعش" و"القاعدة" وغيرها.

يكفي مثلا كتابة كلمة "دولاوي" نسبة إلى "الدولة الإسلامية" على محرك البحث في فيسبوك لتظهر لك مئات الحسابات المؤيدة لـ"داعش" التي تنشط في الترويج للبيانات والإصدارات الجهادية بدون أي مضايقات من شركة فيسبوك.

الموقعان يعجان بآلاف الحسابات التي تروج علنا للجماعات الجهادية ولا تخفي تأييدها لتنظيمات إرهابية كـ "داعش" و"القاعدة" وغيرها

وبالإضافة إلى ذلك، يسمح فيسبوك لـ "هيئة تحرير الشام" الجهادية لحملة "إرم معهم بسهم" التي تنشط في مجال جمع الأموال لصالح الجماعات الجهادية في سوريا باستخدام الموقع والترويج لأنشطتهم فيه.

والأمر نفسه ينطبق على موقع "تويتر" الذي يبدو أنه لا يكتفي فقط بإتاحة منصته للحسابات التي تعلن تأييدها لمنظمة إرهابية كتنظيم الدولة بل إنها توثق حسابات شخصيات تكفيرية كالكويتي حاكم المطيري الذي له أكثر من مليون متابع على تويتر والسماح لجهادي مطلوب كالسعودي عبد الله المحسيني وأبو العبد أشداء والمصري يحيى الفرغلي والسوري عبد الرزاق المهدي وغيرهم باستخدام الموقع.

إن انتهاج مواقع التواصل الاجتماعي لسياسة الكيل بمكيالين وتوسعها في حظر الحسابات بدون إبداء أسباب منطقية لهو مؤشر خطير يجب التصدي له ومواجهته قبل أن فوات الأوان.

لقد حان الوقت لأن يلعب مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي دورا في ترشيد أداء تلك الشركات التي كون أصحابها ثروات هائلة ولكن على الرغم من ذلك فإن مشاركتهم محدودة في منع الجماعات الجهادية ودعاة الكراهية من الترويج لأفكارهم التي لها أبلغ في الكثير من الويلات التي تعاني منها شعوب ومجتمعات العالم.

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.