Employees of flower shops destroy unsold flowers due to the loss of demand amid the COVID-19 coronavirus pandemic, in Saint…
بائع ورود روسي يتلف ورودا لم يتمكن من بيعها بسبب انخفاض الطلب عليها بسبب جائحة كورونا

توفر الحروب والكوارث الطبيعية والثورات والأوبئة تاريخيا، الفرص للحكام في الدول التي تفتقر إلى الأنظمة الديمقراطية، أو تعيش في ظل مؤسسات ديمقراطية ضعيفة أو يافعة، لاستغلال هذه الظروف غير الطبيعية، لتعزيز صلاحياتهم، والاستيلاء على أكبر قدر ممكن من السلطات التنفيذية لفرض حالات الطوارئ بحجة التصدي للتحدي الكبير الذي تواجهه البلاد، واستخدام هذه الصلاحيات بشكل اعتباطي أو استبدادي على حساب السلطات التشريعية والقضائية، ولفرض قيود خانقة على الحريات العامة باسم حماية المصالح الوطنية. 

حتى الدول الديمقراطية حين تواجه مثل هذه التحديات تتخذ أحيانا إجراءات قد لا تتخذها في الظروف العادية، كما حدث في الولايات المتحدة عقب هجمات سبتمبر 2001 بعد اقرار قانون الوطنية Patriot Act  الذي أعطى السلطات الفدرالية صلاحيات جديدة على حساب الحريات المدنية.

 جائحة كورونا، تهدد المجتمعات كما تهددها الحروب، وربما أكثر. هذه الجائحة فرضت العزلة على شعوب بكاملها، وعطلت الاقتصاد العالمي بشكل غير مسبوق، وهو أمر لم يحدث حتى خلال الحروب، وفرضت على الحكومات والمجتمعات تحديات جديدة لا أحد يعرف يقينا كيف وفي أي وقت ستنتهي، وكيف ستغير من أنماطنا المعيشية ومسلماتنا وتقاليدنا السياسية والاجتماعية والثقافية.

السلطات الصينية لاحقت المراسلين الأجانب الذين حاولوا تغطية أخبار الفيروس وطردت بعضهم

أول ضحايا جائحة كورونا من غير البشر كانت حريات التعبير وحريات الصحافة ونشر المعلومات الحقيقية والموثقة والعلمية. وهذا أول ما بادر إليه النظام السلطوي الأوتوقراطي الصيني حين سارع منذ انتشار فيروس كورونا COVID-19 في مقاطعة ووهان إلى التغطية على سرعة انتشاره، وطبيعته وعدد ضحاياه، ولم يقبل في البداية تشخيص وآراء المراجع الطبية. 

هذا القرار الكارثي تسبب في انتشار الفيروس إلى مناطق أخرى داخل الصين ولاحقا إلى الدول المجاورة مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة واليابان، ولاحقا إلى مختلف أنحاء العالم. السلطات الصينية لاحقت المراسلين الأجانب الذين حاولوا تغطية أخبار الفيروس وطردت بعضهم بمن فيهم مراسلي صحف أميركية خارج البلاد. ووصل الأمر بالصين إلى نشر نظريات المؤامرة، بما في ذلك الادعاء بأن الولايات المتحدة هي التي تسببت بنشر الفيروس.

هذا الأسلوب في التعتيم على خطر الفيروس اعتمد لاحقا من قبل أنظمة أوتوقراطية ومتسلطة مثل إيران ومصر، حيث ادعى النظام الثيوقراطي الإيراني أن الولايات المتحدة هي التي نشرت الفيروس، "كسلاح أثني" ضد الإيرانيين كما عتم النظام على حقيقة خطر جائحة كورونا التي أدت إلى وفاة أكثر من 4 آلاف مواطن ودفن العديد منهم في مقابر جماعية بشكل سري.

في مصر كان رد الفعل الأولي للسلطات هو الثناء السخي على الصين وكيفية معالجتها للجائحة، ثم ترهيب المراسلين الأجانب كما فعلت الصين، لأنهم تجرأوا على تغطية حقائق الجائحة في مصر وخاصة الأرقام الحقيقية للمصابين والتي تناقضت بشكل سافر مع ادعاءات الحكومة المصرية، بمن فيهم مراسلين لصحيفة الغارديان البريطانية وصحيفة نيويورك تايمز الأميركية. وتمشيا مع تقاليد الحكم العسكري للرئيس عبد الفتاح السيسي، وفي محاولة لإبعاد الأنظار عن إخفاقاته الداخلية، اتهم وزير الوقف تنظيم الإخوان المسلمين بنشر الفيروس في صفوف الجيش والشرطة.

جائحة الطغيان

وأي مراجعة سريعة لكيفية تعامل دول عديدة تفتقر إلى التقاليد والممارسات الديمقراطية والشفافة في مختلف القارات مع جائحة كورونا تبين التشابه الكبير في الاستغلال السافر لقادة هذه الدول لهذا الطاعون الجديد وكأنه هبة سماوية لتعزيز تسلطتهم وطغيانهم. 

الدول التي شهدت تظاهرات احتجاجية ضد الفساد المالي والظلم السياسي في الأشهر الماضية من تشيلي وفنزويلا إلى الجزائر ولبنان والعراق وإيران، سارعت إلى استغلال الجائحة لوقف كل أنواع الاحتجاجات، ولنشر الجيش في شوارع المدن، والإسراع إلى سجن المعارضين السياسيين والإعلاميين.

في لبنان فرضت الحكومة التي يهيمن عليها "حزب الله"، "حالة طوارئ صحية" للحد من انتشار جائحة كورونا، ولكنها استخدمتها للتخلص من الخيم التي نصبها المتظاهرون في بيروت، ولفرض المراسيم التي تحد من نشاط اللبنانيين في الأماكن العامة.

في أذربيجان منعت السلطات أي تجمعات، حتى ولو كان التجمع يضم أربعة صحافيين كما حدث مؤخرا حين تم اعتقال إذاعي معارض في مكتبه مع زملائه. في الفيليبين التي يحكمها الرئيس رودريغو دوتيرتي بيد من حديد منذ سنوات. استغل دوتيرتي الجائحة وطلب من برلمانه الضعيف الذي يسيطر عليه حزبه صلاحيات جديدة لتعزيز حكمه المتسلط أصلا، من بينها معاقبة كل من ينشر معلومات "غير صحيحة" وذلك في محاولة سافرة لترهيب أي إعلامي أو سياسي يناقش أي موضوع لا يناسب السلطة. 

في تركيا، سارع الرئيس رجب طيب إردوغان إلى اعتقال الذين تجرأوا على تحدي ادعاءاته بأنه لا توجد هناك إصابات بفيروس كورونا في تركيا. وكان إردوغان قد استغل هجمات إرهابية وقعت في تركيا في 2015، ومحاولة الانقلاب العسكري في 2016 لتوسيع صلاحياته التنفيذية والقضاء على ما تبقى من المؤسسات والممارسات الديمقراطية في تركيا. 

في تايلاند حذرت السلطات الصحافيين من إجراء أي مقابلات مع الأطباء أو الأخصائيين حول جائحة كورونا والاكتفاء بتغطية المؤتمرات الصحية للحكومة فقط. كما حصلت الحكومة، التي يقف وراءها الجيش على صلاحيات جديدة من البرلمان الضعيف بحجة مكافحة الجائحة. 

أسلوب التعتيم على خطر الفيروس اعتمد لاحقا من قبل أنظمة أوتوقراطية ومتسلطة مثل إيران ومصر

في كمبوديا، استغلت الحكومة جائحة كورونا لاعتقال قادة المعارضة السياسية. كما لجأ النظام إلى نشر الإشاعات بأن الأقلية المسلمة في البلاد هي التي جلبت الفيروس إلى كمبوديا. 

اتهام جماعات أو فئات داخلية بنشر الأوبئة هو تقليد قديم. خلال وباء الطاعون الذي انتشر في أوروبا في القرن الرابع عشر وقضى على حوالي نصف سكان القارة، اتهمت السلطات في أكثر من مدينة كبيرة الأقليات اليهودية بأنها مسؤولة عن نشر الطاعون. هذه الاتهامات أدت إلى قتل العديد من اليهود. 

في الأردن، وبعد إقرار "قانون دفاعي" جديد أعطى الحكومة صلاحيات جديدة، أعلن رئيس الوزراء عمر الرزاز أن حكومته سوف " تتعامل بحزم" مع أي شخص ينشر "الإشاعات والفبركات والأخبار الملفقة التي تثير الذعر" وذلك في إشارة ضمنية إلى وسائل الإعلام أو السياسيين المعارضين. 

في إسرائيل، استغل رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، الذي يواجه منذ سنتين اتهامات قضائية بالفساد، جائحة كورونا، لتعطيل عمل القضاء الإسرائيلي، ونجح بذلك في تأجيل محاكمته، كما نجح في تعطيل عمل البرلمان، وفعل ذلك طبعا باسم مكافحة جائحة كورونا. هذه الإجراءات ساعدت نتانياهو على إضعاف وتفكيك المعارضة حين انشق بيني غانتس الذي كان يرأس تحالف "أزرق أبيض" عن المعارضة لينضم إلى ائتلاف نتانياهو.

في روسيا استغل الرئيس فلاديمير بوتين الجائحة وطلب من البرلمان الضعيف إلغاء القيود الزمنية المفروضة على خدمة المسؤولين الكبار، بمن فيهم الرئيس، ما يعني أن بوتين سوف يبقى حاكما لروسيا إلى أجل مفتوح، كما أمر بتوسيع أعمال المراقبة بما في ذلك استخدام الأجهزة التي تتعرف على ملامح الوجوه بدقة، لكي تستخدم في رصد، من يخالف تعليمات الحجر الصحي، أو أي تظاهرات معارضة في المستقبل. 

وهناك أكثر من 170 ألف كاميرا في موسكو وحدها سوف يضاف إليها هذه السنة 9 آلاف كاميرا جديدة. في كل هذه الدول، القوى المعارضة لا تستطيع، خلال المستقبل المنظور على الأقل، الاعتراض على هذه الممارسات غير الديمقراطية، مثل تنظيم صفوفها أو النزول إلى الشوارع للاحتجاج بسبب الجائحة. 

وتبين التجارب السابقة، أن حالات الطوارئ والقوانين المتشددة التي تفرض خلال الأزمات الخانقة، تبقى بمعظمها سارية المفعول حتى بعد نهاية الظروف التي سمحت بإقرارها. وللتذكير حالات الطوارئ التي فرضت "مؤقتا" في بعض الدول العربية بقيت سارية المفعول لعقود من الزمن. وعلى سبيل المثال فرض الرئيس المصري الراحل حسني مبارك حالة الطوارئ بشكل مؤقت بعد وصوله إلى الحكم، ولكنها بقيت سارية المفعول لثلاثين سنة.

ولعل ما حدث في هنغاريا هو المثال الأكثر فداحة وصفاقة، لأن هنغاريا عضو في الاتحاد الأوروبي (الذي يبدو عاجزا عن محاسبتها) وكانت لديها مؤسسات ديمقراطية ناجحة في السابق، وإن كان الرئيس فيكتور أوربان قد وضعها في السنوات الماضية على طريق الأوتوقراطية عبر تأجيج القومية الهنغارية الشوفينية والعداء للاجئين والمهاجرين. وفي مطلع الشهر الجاري طلب أوربان من برلمانه الذي يفتقر إلى الاستقلالية إعطاءه صلاحيات لمكافحة جائحة كورونا تسمح له بفرض حالة الطوارئ بشكل مفتوح. هذه الصلاحيات تشمل الحكم بالمراسيم، الأمر الذي يجعله الديكتاتور الوحيد في الاتحاد الأوروبي.

حتى الدول الديمقراطية الغربية لم تفلت من هذه النزعات الأوتوقراطية. في بريطانيا، ذات التقاليد الديمقراطية العريقة، أقر البرلمان باسم مكافحة فيروس كورونا وبسرعة خارقة قانونا يعطي الوزراء صلاحيات غير اعتيادية تسمح لهم بتوقيف وعزل الأفراد لفترات مفتوحة، ومنع التجمعات، وإغلاق المطارات والمرافئ دون مراقبة أو إشراف البرلمان.

تزامنت جائحة كورونا مع وجود رئيس أميركي لا مثيل له في تاريخ الولايات المتحدة، حيث يقوض علاقات أميركا الدولية ويضعف تحالفاتها القديمة، كما يقوم بتعطيل المؤسسات الداخلية ومن بينها مجلس النواب (بعد انتخاب أكثرية ديمقراطية في 2018) والنظام القضائي، إضافة إلى تعطيل عمل أجهزة الاستخبارات وترهيب وسائل الإعلام وشيطنة من ينتقده. 

في كمبوديا، لجأ النظام إلى نشر الإشاعات بأن الأقلية المسلمة في البلاد هي التي جلبت الفيروس إلى كمبوديا

وخلال انشغال الأميركيين بجائحة كورونا قام ترامب بطرد مايكل آتكينز المفتش العام لأجهزة الاستخبارات الأميركية في خطوة انتقامية لأنه وفر الغطاء "لكاشف الأسرار" whistleblower الذي أبلغ الكونغرس بتفاصيل المكالمة الهاتفية بين الرئيس ترامب ورئيس أوكرانيا فلودومير زيلينسكي والتي أدت إلى محاكمة وإدانة ترامب في مجلس النواب، وتبرأته في مجلس الشيوخ. كما أقال ترامب بشكل اعتباطي بغلين فاين الذي كان يفترض أن يشرف باسم الكونغرس على برنامج المساعدات للأميركيين الذي زادت قيمته عن ألفي مليار دولار.

اجتاحت جائحة كورونا العالم، وهو يعيش في حالة "ركود ديمقراطي" كما يقول الباحث لاري دايموند. ووفقا لتقارير مؤسسة فريدوم هاوس  Freedom House التي تعنى بشؤون الديمقراطية، تعاني الديمقراطية في العالم من انحسار مستمر منذ 14 سنة. وهذا ما نراه بوضوح في دول كانت فيها مؤسسات وممارسات ديمقراطية سابقا مثل هنغاريا وتركيا والفيليبين، والتي أصبحت الآن أنظمة أوتوقراطية شعبوية ومتزمتة وانعزالية. 

وفي المقابل تطرح دول مثل الصين وروسيا نفسها على أنها بديل فعال للديمقراطيات الغربية الليبرالية لأنها قادرة بطبيعتها السلطوية على اتخاذ القرارات الصعبة كما فعلت الصين حين فرضت حجرا صحيا صارما ومتشددا للغاية على مقاطعة ووهان، ومارست التعتيم المقصود وهي ممارسات شبه مستحيلة في الديمقراطيات الغربية.

وإلى أن تستعيد الولايات المتحدة عافيتها الديمقراطية الكاملة، وإذا لم تقم مع غيرها من الديمقراطيات الحقيقية بمعالجة "الركود الديمقراطي" في العالم، سوف تبقى الديمقراطية في العالم، كمبادئ ومؤسسات، في موقع دفاعي ضد جائحة الطغيان.

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.