Youssef, 6, and Myriam 4, pose for a photograph while holding pictures that they drew during the coronavirus disease (COVID-19)…
طفلان مغربيان يعرضان رسومات أنجزاها خلال الحجر الصحي في منزلها

حتى الآن، على الأقل، لم تتضرر أفريقيا تقريبا من وباء فيروس كورونا كما حدث في أوروبا أو آسيا أو أميركا الشمالية. ومع ذلك، فإن جزءا على الأقل من القارة، وهو شمالها، يظهر بالفعل علامات خطيرة لانتشار العدوى، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى قربها من أوروبا، حيث انتشر المرض. واعتبارا من 22 أبريل، شكلت الدول الخمس في المنطقة بشكل تراكمي أكثر من 40 بالمئة من حوالي 25 ألف حالة تم تصنيفها حتى الآن في القارة من قبل الاتحاد الأفريقي.

ومن بين هذه الدول، تعرضت المملكة المغربية لضربات شديدة. وهي تحتل حاليا المرتبة الثانية بعد مصر في عدد حالات كوفيد19 النشطة في شمال أفريقيا، وتمثل بحد ذاتها أكثر من 13 بالمئة من جميع حالات الإصابة في القارة. ومع ذلك، تمكنت الحكومة المغربية من تحويل عملها ضد فيروس كورونا إلى مصدر للوحدة الوطنية، وبشكل متزايد، لتعزيز مكانتها الإقليمية أيضا.

يحسب للمملكة أنها بدأت التعبئة ضد فيروس كورونا بشكل مبكر. بحلول منتصف مارس، عندما بدأ الإبلاغ عن الحالات المحلية الأولى للفيروس التاجي، بدأت الحكومة المغربية بالفعل في اتخاذ إجراءات لإغلاق الشركات والمؤسسات في جميع أنحاء البلاد. وبحلول أواخر مارس، توسعت تلك الجهود لتشمل خطة "حكومية شاملة" للتغلب على المرض، مما يستتبع استثمارات كبيرة في قطاع الرعاية الصحية في البلاد، ورصد مكثف للأفراد المصابين بالمرض، والتزام وطني بتخصيص حوالي 2.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي لمكافحة الوباء.

يحسب للمملكة أنها بدأت التعبئة ضد فيروس كورونا بشكل مبكر

تشمل الإجراءات التي نفذتها المملكة، إلى حد كبير، ضوابط اجتماعية واسعة النطاق، مثل تعليق التعليم الخاص والعام، وحظر السفر والتجمعات الكبيرة، وإغلاق المقاهي والمطاعم، وتعليق الصلاة في المساجد. في العادة، مثل هذه الخطوات كانت لتكون مثيرة للجدل بشكل كبير، خاصة وأن السلطات المغربية واجهت اعتراضا اجتماعيا متناميا في الأشهر الأخيرة. بدلا من ذلك، كان لها تأثير معاكس، مما عزز مكانة وشرعية الحكومة المغربية المحلية.

ويتضح ذلك كثيرا من استطلاع للرأي العام أجراه المعهد المغربي لتحليل السياسات في مارس، والمعهد هو مركز أبحاث مستقل مقيم في الرباط، وقد وجد أن المستطلعين يؤيدون بشدة الخطوات الاحترازية التي اتخذتها السلطات. وأشارت الدراسة إلى أن ما يقرب من 80 بالمئة من حوالي 2500 مشارك شملهم الاستطلاع "أعربوا عن ارتياحهم للتدابير التي اتخذتها الحكومة".

لكن استجابة المملكة للفيروس التاجي تتجاوز الحدود الوطنية أيضا. وفي حين استجابت العديد من حكومات العالم للوباء من خلال التحول إلى الداخل، قام المغرب بالعكس، واستخدم فيروس كورونا كوسيلة لجمع مزيد من التعاون الإقليمي ولتحسين مكانة المملكة الدولية.

ولهذه الغاية، تواصل الملك محمد السادس مع قادة كوت ديفوار والسنغال فيما يعتبره كثيرون بداية لمبادرة إقليمية مستقلة بشأن الصحة. كما أعلن ملك المغرب نفسه كرائد عالمي في الاستجابة لفيروس كورونا من خلال الانضمام رسميا إلى اتحاد دولي يضم ثلاثة عشر دولة (بما في ذلك المملكة المتحدة وكندا) لتنسيق وتوحيد السياسات الوطنية بانتظام. لقد بدأت هذه المناورات في جذب الانتباه الدولي. وأشارت توتال نيوز الأرجنتينية مؤخرا إلى أن العاهل المغربي "هو أول رئيس دولة من القارة يروج لمبادرة أفريقية للتعامل مع جائحة فيروس كورونا".

التعاون الإقليمي الأكبر في مواجهة المرض يمكن أن يحدث فرقا حقيقيا

مدى شدة الوباء في أفريقيا لا يزال موضع تكهنات كبيرة. وأشار تقرير جديد صادر عن اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة إلى أنه في أفضل سيناريو، ستشهد القارة 300 ألف حالة وفاة بسبب فيروس كورونا هذا العام. في أسوأ الحالات، يمكن أن يشهد أكثر من مليار إصابة و3.3 مليون حالة وفاة في عام 2020 وحده.

ومع ذلك، قد يكون التأثير الحقيقي للمرض أخف ـ كما كان في عام 2014، عندما لم يتطابق تفشي فيروس إيبولا، على الرغم من كونه شديدا، مع عدد الإصابات التي توقعها خبراء الصحة. ومع ذلك، فإن المشاكل المتوطنة في القارة ـ بما في ذلك انتشار الفقر وانعدام الأمن الغذائي الكبير والأنظمة السياسية الهشة وعدم كفاية الموارد الحكومية ـ لديها القدرة على جعل الوباء أسوأ بكثير بمجرد وصوله أخيرا إلى أفريقيا بجدية.

لكن ما هو واضح بالفعل هو أن التعاون الإقليمي الأكبر في مواجهة المرض يمكن أن يحدث فرقا حقيقيا. في هذا الصدد، يبدو أن المغرب يحدد سرعة الاستجابة في القارة.

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.