Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu, wearing a protective face mask, chairs the weekly cabinet meeting in Jerusalem on…
رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي في خضم محاكمة علنية وقاسية ـ يمكن أن تنتهي به خلف القضبان

منذ أبريل 2019، عندما طرحت الفكرة علانية لأول مرة، أصبحت خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لضم أجزاء من الضفة الغربية ووادي نهر الأردن غير شعبية على نطاق واسع.

في استطلاع أجرته "جيروزاليم بوست" مؤخرا، فضل 27 في المئة فقط من المستطلعين إجراءات الضم بشكل كامل. وعارضت نسبة قريبة (23 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع) الفكرة بشكل صريح، في حين قال 21 في المئة إنه يجب تأجيل تنفيذ الخطة من موعدها المزمع في يوليو، وربما لمدة طويلة. والأكثر تعبيرا ودلالة، يبدو أن أقل من نصف جميع الناخبين في حزب الليكود برئاسة نتانياهو يؤيدون المبادرة الآن.

فلماذا يبدو نتانياهو عازما على المضي قدما بخطته هذا الصيف؟ الجواب له علاقة كبيرة برؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي خدم في موقعه لسنوات طويلة، للمشهد الدولي ووضعه الداخلي.

الأخطر من وجهة نظر القدس، أن هذه الخطوة تخاطر بإيذاء مكانة إسرائيل في واشنطن

على الصعيد الدولي، أكثر دولة يأخذ نتانياهو مواقفها بعين الاعتبار هي الولايات المتحدة. منذ توليه منصبه في عام 2017، ميزت إدارة دونالد ترامب نفسها باعتبارها الحكومة الأميركية الأكثر تأييدا لإسرائيل في الذاكرة الحديثة من خلال خطوات مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف الرسمي بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان. ووضع ما يسمى "بصفقة القرن" للوصول إلى سلام إسرائيلي ـ فلسطيني، والتي تم الكشف عنها في وقت سابق من هذا العام، خطة سلام مواتية بشكل لا لبس فيه للجانب الإسرائيلي. نتانياهو حريص على الاستفادة من التقارب الحالي، خاصة لأن الانتخابات الأميركية القادمة يمكن أن تمهد الطريق لإدارة جديدة ـ وربما أقل تعاطفا ـ في واشنطن.

هناك أيضا مجموعة من الاعتبارات المحلية التي تؤثر في قرار الضم. وأهم هذه العوامل، أن عقارب الساعة تقترب من نهاية ولاية نتانياهو كرئيس للوزراء، وهي الولاية التي قد تكون الأخيرة.

فإذا صمدت الحكومة الإسرائيلية الحالية، فسيحتاج نتانياهو إلى التنحي في سبتمبر 2021 والتخلي عن منصبه إلى شريكه في التحالف، ومنافسه السياسي، بيني غانتس. ليس هناك ما يضمن أن غانتس، الذي يرأس حزب أزرق-أبيض المائل لليسار، سيستمر في نفس المسار إذا لم يكتمل الضم في الوقت الذي يتولى فيه منصبه. وإذا كان الأمر كذلك، فستجد حكومة غانتس صعوبة بالغة في التراجع عن السيادة الإسرائيلية على الأراضي التي تمت المطالبة بها حديثا.

ولكن نتانياهو يتحرك بناءً لاعتبارات أخرى أيضا. فرئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي في خضم محاكمة علنية وقاسية ـ يمكن أن تنتهي به خلف القضبان. نتانياهو حريص على إبعاد الخطاب الإعلامي عن مشاكله القانونية، وتوفر خطة الضم له وسيلة للقيام بذلك. وكما لاحظ المعلق الإسرائيلي هيرب كينون، فإن "كل الحديث عن الضم، وبسط السيادة الإسرائيلية، يبعد النقاش عن اتهام نتانياهو بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة".

وفي الواقع نجح هذا التكتيك. منذ بدء محاكمة نتانياهو في أواخر مايو، يلاحظ كينون أن "كان هناك عدد قليل من العناوين حول محاكمته، وعدد كبير من القصص التي تتعامل مع خطة السيادة (وفيروس كورونا)". بعبارة أخرى، تبين أن خطة الضم ضمانة سياسية مفيدة للغاية لرئيس الوزراء المحاصر في إسرائيل.

ولكن في الوقت نفسه، من الواضح أيضا أن خطة نتانياهو خطرة للغاية.

لسبب أساسي، هو أنها تهدد بتقويض الانفراج الهادئ على مدى السنوات العديدة الماضية بين إسرائيل ودول الخليج. في حين أن هذا الانفتاح في العلاقة جاء في البداية نتيجة مخاوف مشتركة من صعود إيران، فقد تطور منذ ذلك الحين إلى مصالحة تشمل الآن، من بين ميزات أخرى، التطبيع التدريجي للعلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية وبدء الرحلات الجوية المباشرة بين الإمارات والدولة اليهودية.

خطة الضم ضمانة سياسية مفيدة للغاية لرئيس الوزراء المحاصر في إسرائيل

ومع ذلك، يمكن للضم أن يبطئ هذا الاتجاه، وربما يعطله تماما. وقد أثار الاقتراح بالفعل ضجة بين الحكومات العربية التي، رغم انفصالها المتزايد عن القضية الفلسطينية، ما زالت تجد نفسها مدينة لها. لذلك، ذهب السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، إلى حد أن نشر مقالا في صحيفة يديعوت أحرونوت، ذات الانتشار الواسع في إسرائيل، للتحذير علنا من أن الضم سيؤدي إلى "انتكاسة خطيرة" في العلاقات بين أبوظبي والقدس. وقد أرسل قادة عرب آخرون إشارات مماثلة ـ في حين أن الأقرب إلى القضية الفلسطينية، مثل العاهل الأردني الملك عبد الله، كانوا أكثر صرامة.

والأخطر من وجهة نظر القدس، أن هذه الخطوة تخاطر بإيذاء مكانة إسرائيل في واشنطن. لقد حذر الديمقراطيون البارزون في الكونغرس نتانياهو علانية بالفعل من أن المضي قدما في "الضم من جانب واحد" من شأنه أن يقوض "مصالح الأمن القومي الأميركي في المنطقة".

هذا التحذير مهم لسببين؛ لأن الكونغرس كان يعمل تقليديا كحصن من الحزبين لدعم "العلاقة الخاصة" بين إسرائيل والولايات المتحدة، ولأن هناك الآن احتمال متزايد بأن السيطرة على مجلس الشيوخ ستتحول إلى الحزب الديمقراطي بعد نوفمبر انتخابات. إن إسرائيل التي يُنظر إليها على أنها لا تستجيب لمواقف الكونغرس ستجد صعوبة بالغة في حشد نفس مستوى الدعم في المستقبل الذي تناله حاليا.

ومن المفارقات، أن نفس استطلاع جيروزاليم بوست الذي رسم تناقضا واسعا بين الناخبين الإسرائيليين تجاه الضم، سجل أيضا واقع الهيمنة المتزايدة لحزب الليكود في السياسة الإسرائيلية، حيث يتصدر حاليا جميع منافسيه. هذا الزخم السياسي قد يدفع الليكود وزعيمه للفوز في الانتخابات المقبلة للبلاد؛ إلا إذا أدت المقامرة الحالية بتآكل هذه المكاسب.

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.