A handout picture released by the media office of the Iraqi Presidency on April 9, 2020 shows President Barham Saleh (L)…
الرئيس العراقي برهم صالح مكلفا مصطفى الكاظمي

عادل عبد المهدي، محمد توفيق علاوي، عدنان الزرفي وصولا إلى مصطفى الكاظمي اليوم كمرشح لرئاسة الوزراء؛ أربعة أسماء تعبر عن عمق المأزق العراقي والتنازع الإقليمي والإيراني ـ الأميركي داخل العراق وتراكم الأزمات بما يضع الحكومة المقبلة أمام مفترق تاريخي بين خيار الانقاذ أو استمرار الانهيار.

أربعة أشهر على استقالة عبد المهدي وفشل الطبقة السياسية العراقية في تشكيل حكومة توافقية أوصل هذا الأسبوع إلى ترشيح الكاظمي، الأقل تصادما من غيره مع اللاعبين الداخليين والإقليميين والدوليين. فالرجل يأتي من خلفية استخباراتية وأكاديمية كرئيس لجهاز الاستخبارات منذ 2016، وكاتب ورئيس منظمة حقوقية في المنفى بين بريطانيا وألمانيا قبل ذلك. وفي قيادة الاستخبارات في مرحلة حساسة، نجح الكاظمي في التوفيق بين مصالح الأميركيين والإيرانيين بمحاربة "داعش" وخلق توازنا سيكون العراق بأمس الحاجة إليه اليوم.

فالكاظمي وبعد اتهامات له بأنه كان على علم بالضربة الأميركية ضد قاسم سليماني في 3 يناير، حضر جنازة القائد الإيراني ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية أنه زار بيروت واجتمع مع قيادات في "حزب الله" مطمئنا إياهم حول حيادية الاستخبارات العراقية.

بين كورونا والتفتت الحاصل في العراق، لا تحتمل بغداد أجندات فاشلة وشخصيات غير قادرة على وقف الانهيار

التوافق الداخلي في الصور على الأقل حول ترشيح الكاظمي وتجمع كافة الأفرقاء العراقيين لتهنئته يلعب أيضا في مصلحة الرجل وكونه ليس من الأحزاب السياسية التقليدية، وهو من جيل السبعينيات الذي ذاق الأمرين في عهد صدام حسين إنما أدرك صعوبة مرحلة ما بعد سقوطه والانتهاكات المستمرة اليوم للسيادة العراقية.

الكاظمي وأي رئيس وزراء عراقي هو في موقع لا يحسد عليه اليوم في مواجهة أزمة اقتصادية وعجز يتخطى الـ 24 مليار دولار، بطالة تزيد عن الـ 25 في المئة، اضمحلال الخدمات المعيشية وفساد مستشر داخل الطبقة السياسية. هذا عدا عن الحفرة السياسية التي وقع فيها العراق في ظل التفتت الميليشياوي، واستفراد إيران بقراره هذه الميليشيات السياسي، والدور المفضوح لإسماعيل قآاني، رئيس فيلق القدس، في تنسيق عملياتها وزيارتها هذا الشهر والاطمئنان على الذخيرة والجهود اللوجستية بعد غياب المايسترو قاسم سليماني.

أي حكومة عراقية جديدة ستواجه تضاربا سريعا بين واشنطن وطهران حول ملفات صواريخ الباتريوت، والوجود الأميركي في العراق، والتعامل مع الاحتجاجات، ومصير الميليشيات. وباء كورونا وانتشاره في العراق بحالات أكثر بكثير مما تقر في السلطات بحسب رويترز، سيزيد من حجم الضغوط الاقتصادية على أي حكومة مقبلة. فأسواق النفط متأزمة، والركود الحالي في العراق سيضاعفه ركود عالمي في الشهور المقبلة.

من دون رؤية وطنية جامعة للعراقيين، لا يهم اسم رئيس الوزراء المقبل

رهان بغداد على إيران أو أميركا لن يحل المشاكل الاقتصادية ولن يشتري الأمن، فالأزمة أصعب من ذلك ومفاتيح الحل هي في قرارات عراقية أولا تتعاطى مع مصالحة داخلية متأخرة منذ سقوط صدام حسين. هكذا مصالحة يجب أن تراعي التمثيل النسبي لجميع الفئات العراقية، وتطبيق قانون النفط والغاز، والتعاطي المباشر مع ميليشيات مذهبية وتقوية السلطة المركزية. هكذا خطوات هي أساسية للمضي بإصلاح اقتصادي، وخطط وطنية، تؤدي إلى دعم إقليمي ودولي لبغداد.

من دون رؤية وطنية جامعة للعراقيين، لا يهم اسم رئيس الوزراء المقبل الذي سيكون دوره صوريا وقرارات حكومته مرتهنة لأصحاب النفوذ والبنادق في بلاد الرافدين. وبين كورونا والتفتت الحاصل في العراق، لا تحتمل بغداد أجندات فاشلة وشخصيات غير قادرة على وقف الانهيار. فأمام الكاظمي اليوم فرصة حقيقية لطي صفحة الحكومات الماضية، وتأليف حكومة ذات أولويات وطنية تراعي التوازن الخارجي، إنما تتعاطى مباشرة مع مشاكل العراقيين. فالانهيار الاقتصادي والتفتت السياسي في العراق ليس من مصلحة لا واشنطن ولا طهران، وهو سيحتم عودة "داعش" سواء بقي الأميركيون أو انسحبوا...

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.