A Lebanese anti-government protester carries national flags as smoke billows from burning tyres during a demonstration in the…
متظاهرة لبنانية في ضد الفساد

نقلت صحيفة لبنانية عن مسؤولين حكوميين قولهم إنه في حال عثور لبنان على الغاز، فإن إنتاجه سيبدأ بعد "ست أو سبع سنوات". وتقدّر حكومة لبنان، حسب نتائج المسح الزلزالي، احتياطي الغاز الطبيعي في مياهها بـ 25 ترليون قدم مكعب. 

لكن خبراء الطاقة يشككون بمصداقية المسح الزلزالي كوسيلة تنقيب، ويشيرون إلى كثرة الاجتهادات التي ترافق أي مسح. ويبدو أن لبنان سعى إلى تضخيم نتائج مسحه، في الغالب لأسباب شعبوية سياسية، فرئيس البلاد ميشال عون، وصهره الساعي لخلافته في الرئاسة النائب جبران باسيل، يعدان اللبنانيين بوفرة وبحبوحة مبنية على هذا الغاز.

لكن غاز لبنان هو "غاز في بحر"، وهي عبارة مستوحاة من القول اللبناني "سمك في بحر"، أي أنها ثروة موعودة لا قيمة لها، ولا فائدة إن كانت هذه الثروة ستبدأ بدرّ أرباحها بعد سبع سنوات، في وقت جفّت احتياطات البلاد من النقد الأجنبي، وهو ما أجبرها على تقليص ساعات قيادة اللبنانيين، بأعذار واهية مثل وباء كورونا المستجد. لكن الواقع أن لا مال لدى لبنان لاستيراد المحروقات أو المواد الأساسية الأخرى، وحتى لو تم اكتشاف الغاز بكميات تجارية، سيعاني لبنان من مشكلة تسويق وتصدير هذا الغاز، في وقت يغرق العالم بفائض من الطاقة دفع سعرها إلى الحضيض.

سيواصل النظام اللبناني امتصاص نقمة اللبنانيين بلعبة الدخان والمرايا

ثم أن انتظار ست أو سبع سنوات لانفراج مالي في بلد يعيش في "ظل المقاومة" الوارف و"الكرامة" التي أنعمت بها على اللبنانيين بانهيار قيمة عملتهم الوطنية، وتاليا مدخراتهم ورواتبهم، يعني أن لا برنامج حكم لعون، الذي يصف نفسه بـ "القوي"، أي قوي في الغالب على شعب يغرق في الفقر.

والقوة في لبنان تعني استقواء الحكام بوحدة "مكافحة الجرائم الإلكترونية"، وهي دائرة في الأمن اللبناني تقوم بتكميم الأفواه وإسكات أي انتقادات ضد عون والدولة المتلاشية التي يديرها. ليس عون وحده. حتى رئيس الحكومة حسّان دياب، وهو زعيم لم ينتخبه أحد، يشتري مؤيدين له على الإنترنت، ويعاني من مشكلة غرور تدفع اللبنانيين للتندر عليه. ومثل عون، صار دياب زعيما وصار يسلّط الأمن على ناشط معترض هنا أو هناك، فيتم إحضار المعترض إلى مكاتب الأمن حيث "يسقونه فنجان قهوة"، وإما يخرج معتذرا مدركا خطأه، أو يبيت ليلة أو أكثر في الزنزانة مع صغار اللصوص ممن دفعهم فقرهم لسرقة مسجلة سيارة أو حقيبة سيدة في شارع.

أما كبار اللصوص في لبنان، فمعظمهم قدم براءة ذمة مالية لقضاء ينافس في فساده الحكّام، الذين يعيشون حياة مترفة فيها قصور ويخوت وطائرات خاصة ورحلات استجمام في أكثر بقاع الدنيا تكلفة، ثم يبررون حياتهم الباذخة بالقول إن الطائرة الخاصة يملكها صديق، والقصر ورث عائلي، ورحلات الاستجمام ومشاهدة مباريات كأس العالم في كرة القدم مهمات حكومية لمصلحة الشعب اللبناني.

سيواصل النظام اللبناني امتصاص نقمة اللبنانيين بلعبة الدخان والمرايا. تتظاهر الحكومة الحالية أنها عازمة على إصلاح جذري ومكافحة فساد، ويساندها سياسيون يعلنون قيادتهم حركة مواطنين ومواطنات ضد الفساد. لكن المشكلة هي أن الحكومة، وسياسيي مكافحة الفساد وحركاتهم، انتقائيون، سيواصلون تحريضهم ضد فاسدين لا يحبهم "حزب الله"، وسيتسترون على الفاسدين من حلفاء الحزب. أصلا الحكومة نفسها اكتسبت ثقة البرلمان بأصوات كتل برلمانية معروفة بفسادها المدقع، فكيف تطهر الحكومة لبنان ممن وضعوها في مكانها؟

لبنان بلا أمل. لم يتبق من أكباش الفداء التي قدمها "حزب الله" وعون إلى اللبنانيين إلا حفنة من الموظفين المحسوبين على رئيسي الحكومة السابقين، الراحل رفيق ونجله النائب سعد الحريري. كلّما اشتكى لبنانيون الفاقة، يلجأ عون إلى التحريض ضد بقايا الحريري وضد زعيم الدروز وليد جنبلاط، ومثله يفعل "حزب الله"، وإنما على نطاق إقليمي ودولي. بالنسبة لـ "حزب الله"، كان لبنان ليكون درة المستضعفين في العالم لولا أميركا وإسرائيل والسعودية، أو أي دولة حققت نجاحات في حكمها واقتصادها ورفاهية ناسها.

لبنان على طريق إيران وفنزويلا: انهيار في العملة الوطنية والاقتصاد يحيل الدولة هباء، فلا يبقى إلا الزعماء وشبكاتهم في قصورهم ذات الحماية المشددة، وفوقهم "حزب الله" وترسانة يمكنها تدمير لبنان والمنطقة، من دون أن تطعم لبنانيا واحدا.

أما كبار اللصوص في لبنان، فمعظمهم قدم براءة ذمة مالية لقضاء ينافس في فساده الحكّام

أما السبيل الوحيد للخروج من المأزق اللبناني، فوعي الناس والتغيير في طرقهم، وفي مفهومهم للدولة، ولدورهم فيها كمواطنين أصحاب حقوق، لا أزلام يقتاتون على فتات الزعماء. وحتى تتغير ثقافة اللبنانيين ويصبحون مواطنين، سيبقى لبنان بلدا حزينا، يعيش أسوأ أزمة معيشية له منذ المجاعة التي مرت عليه في الحرب الكونية الأولى.

ليس عون مشكلة لبنان، ولا صهره، ولا رئيس الحكومة المحدود المواهب. ولا حتى مشكلة لبنان جيش إيران المسمى "حزب الله". مشكلة لبنان هي الثقافة العامة التي أنجبت عون وباسيل ودياب و"حزب الله" وغيرهم، ومشكلة لبنان هي الناس التي لا تعي أن مصلحتهم تقضي برمي ثقافتهم بأكملها في البحر، إلى جانب الغاز الموعود، واستبدالها بثقافة مبنية على الانخراط في النظام العالمي واقتصاده، وإقامة أكبر شبكة أصدقاء ممكنة في العالم، من إيران إلى إسرائيل، وترك المنطقة تتدبر نفسها وحروبها بنفسها، حتى يتفرّغ اللبنانيون لأنفسهم، ولإطلاق مواهبهم في السوق الدولية، ولبعض العيش الكريم.

بموارده البشرية، يخرج لبنان من مأزقه وعوزه، لا بالغاز والصواريخ، فلو كان الغاز والصواريخ مقياس بحبوحة الشعوب، لما كان الإيرانيون يعيشون في بؤس ينافس بؤس اللبنانيين والعراقيين والسوريين واليمينيين.

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.