(FILES) In this file photo taken on January 12, 2017, US Vice President Joe Biden and President Barack Obama walk past each…
بايدن وأوباما في صورة تعود للعام 2017

مئتا يوم تفصل أميركا عن انتخاباتها الرئاسية في 3 نوفمبر والتي سيتواجه فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونائب الرئيس السابق جوزيف بايدن الذي شهدت حملته أفضل أسبوع لها حتى الآن بتوحيد الصف الديمقراطي واستقطاب دعم نجومه خلف مرشحه.

بايدن، رغم تقدم سنه وقلة الكاريزما لديه، نجح تكتيكيا بلم شمل الحزب في مرحلة مبكرة من السباق، وحيث فشل أسلافه باراك أوباما وهيلاري كلينتون. ففي 2008 و2016 خاض الديمقراطيون معارك انتخابات تمهيدية ضارية لتسمية مرشح استمرت حتى الصيف بين أوباما وكلينتون، وثم بين كلينتون وبيرني ساندرز. الاقتتال الطويل يومها داخل الحزب قوض حظوظ كلينتون أمام ترامب، وأدى إلى تصويت نسبة 10 في المئة من أنصار كلينتون للجمهوري جون ماكين يومها.

قلبت 2020 هذه المعادلة بداية هذا الأسبوع ويوم الاثنين تحديدا حين خرج المرشح اليساري بيرني ساندرز عن صمته وأعلن في فيديو مشترك دعمه لبايدن. الثلاثاء لحقه أوباما بفيديو شاهده حتى الآن أكثر من 10 ملايين مشاهد، والأربعاء كانت إليزابيث وارن آخر منافسي بايدن لتعلن دعمها لنائب الرئيس السابق.

امتحان بايدن الأساسي بعد توحيد صفوف حزبه هو في اختيار اسم لنائب الرئيس

صورة الحزب الديمقراطي وهو يتأهب للتصويت خلال ستة أشهر معاكسة تماما لـ 2016 والسبب الأبرز في ذلك يعود لشخص واحد: دونالد ترامب. نجح ترامب بسياساته ونهجه اليميني الشعبوي حيث فشلت المؤسسة الديمقراطية الحزبية لسنوات بتوحيد جناحي الوسط واليسار خلف بايدن. فهزيمة ترامب باتت الهدف الأول للديمقراطيين بغض النظر عن اسم أو لون أو تاريخ أو عمر مرشحهم ومما سيجعل هذا السباق مختلفا عن أي سباق شهدته الولايات المتحدة في القرن الواحد والعشرين.

يقف باراك أوباما في الكواليس خلف جهود رص صفوف الحزب لمواجهة ترامب، وقد لعب دور أوباما المايسترو ورعى المصالحة بين بايدن وبيرني بعيدا عن الأضواء. نيويورك تايمز نقلت أن الرئيس السابق اتصل بساندرز أربع مرات لترتيب انسحابه من السباق ودعم بايدن، كما اتصل بمنافسين سابقين للمرشح الشهر الفائت حين بات واضحا أن نائبه السابق أخذ الصدارة.

إلى أين يذهب السباق من هنا؟

انتخابات 2020 أميركيا ستكون أكثر حدة من سابقاتها نظرا لعمق الانقسام بين الحزبين والتصاق مستقبل المحكمة العليا ووجهة أميركا الداخلية والخارجية بنتائجها. فالرئيس المقبل سيعيّن على الأقل قاضيين في المحكمة العليا، وسيعود له رسم مستقبل الطاقة النووية واتفاقات التبادل التجاري والتغيير المناخي مع دول آسيا، الاتحاد الأوروبي ودول أميركا اللاتينية. أما داخليا، فنظام الرعاية الصحية، وملفات الهجرة والتقاعد وهيكلية الاقتصاد الأميركي بعد ركود وباء كورونا كلها على المحك.

أرقام البطالة والانتكاسة الاقتصادية التي ستدخلها الولايات المتحدة بسبب كورونا تؤذي إلى حد كبير حظوظ ترامب وهي لم تكن في حسابات الرئيس الأميركي حين كان يفاوض اتفاقا للتبادل التجاري مع الصين في يناير. 

في نفس الوقت فإن مستوى الانقسام الأميركي وعمقه بين اليمين واليسار يرجح أن يتم حسم الانتخابات في أقل من أربع ولايات هي بنسلفانيا وميشيغان وكارولينا الشمالية وويسكونسن. ترامب يستفيد من وجوده في موقع الرئاسة لتمرير سياسات تفيد حظوظه أو الهيمنة على الفضاء الإعلامي كما يفعل اليوم.

نجح ترامب بسياساته ونهجه اليميني الشعبوي حيث فشلت المؤسسة الديمقراطية الحزبية لسنوات بتوحيد جناحي الوسط واليسار خلف

في نفس الوقت تعطي الاستطلاعات الحالية فرصة ذهبية للديمقراطيين للبناء على هبوط شعبية ترامب (معدل 43 في المئة) والركود القادم ومحاولة كسب البيت الأبيض ومعه أكثرية مجلس الشيوخ. فالجمهوريون يتراجعون اليوم في عقر دارهم في أريزونا، كما تواجه وجوه مخضرمة في الحزب مثل سوزان كولينز وليندسي غراهام معارك صعبة لإعادة انتخابهما. المعركة على مجلس الشيوخ ستتمحور حول خمسة مقاعد وفوز أي من ترامب أو بايدن سيتحكم به إلى حد بعيد شكل هذا المجلس.

أما بايدن فامتحانه الأساسي بعد توحيد صفوف حزبه هو في اختيار اسم لنائب الرئيس والتي أكد المرشح أنها ستكون امرأة. أي من منافسي بايدن سابقا السيناتورات كاميلا هاريس، وآيمي كلوبتشار واليزابيث وارن قد يتم اختيارهن. إنما ضعف بايدن في أوساط الشباب وكونه مدين اليوم للأقلية الافريقية الأميركية التي أهدته فوزا في كارولينا الجنوبية وقلبت السباق، هي عوامل ترجح اسم هاريس.

المعركة الانتخابية بين بايدن وترامب بدأت فعليا هذا الأسبوع وهي لا تشبه بانطلاقتها على الإطلاق انتخابات 2016. أما نهايتها فستأتي بعد سيل من الفضائح والخوض في وحول كورونا وركود اقتصادي يضرب بعرض الحائط وعود ترامب وقد يكلفه ـ مع غياب المفاجآت ـ الولاية الثانية.

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.