في أواخر شهر مايو، شنت حكومة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان هجوما جديدا على المسلحين الأكراد عبر الحدود المشتركة مع العراق. الحملة الجديدة بحد ذاتها، ليست أمرا مستغربا؛ إذ ينفذ الجيش التركي منذ فترة طويلة عمليات عبر الحدود ضد العناصر المرتبطة بحزب العمال الكردستاني (PKK)، حيث يمثل تمرّد هذا الحزب التهديد الأكبر للدولة التركية. إضافة إلى ذلك، كثفت الحكومة التركية، في الأسابيع للهجوم عبر الحدود العراقية، عملياتها العسكرية في شرقي البلاد وجنوبي شرقها كجزء من هجوم واسع لمكافحة الإرهاب.
ومع ذلك، لم يكن المقاتلون المرتبطون بشكل مباشر بحزب العمال الكردستاني هم أهداف غارة مايو. وبدلا من ذلك، شكل المقاتلون الأكراد من حزب الحياة الحرة الكردستاني (PJAK) أهداف هذه الغارات التي نفذتها القوات الجوية التركية شمال السليمانية في كردستان العراق في 26 مايو، وأدت الغارات الجوية إلى قتل اثنين على الأقل من أعضاء جماعة اليسار المتطرف، التي شنت حملة حرب عصابات طويلة ضد إيران المجاورة.
وهذه الحملة متجذرة في تاريخ إيران الإمبراطوري الطويل، الذي نجح على مر القرون في وضع مجموعة من الثقافات المختلفة تحت السيطرة الفارسية. والنتيجة هي إيران الحالية التي تتكون من مزيج معقد من الجنسيات والقوى العرقية، وهو مزيج تسيطر عليه السلطة الدينية القمعية بشق الأنفس.
كجزء من عمليات مكافحة الإرهاب الواسعة النطاق الخاصة بها، ساعدت أنقرة طهران في التصدي لعناصر المعارضة الكردية
في الواقع، يواجه النظام الإيراني اليوم معارضة سياسية داخلية خطيرة تمتد من المحافظات الشمالية الغربية للبلاد من أذربيجان الشرقية وأذربيجان الغربية وأردبيل (موطن الجزء الأكبر من الأذربيجانيين الإيرانيين) إلى سيستان ـ بلوشستان في الجنوب الشرقي، حيث يقطن غالبية البلوش الإيرانيين.
وبالمثل، فإن المناطق الكردية في إيران ذات الأغلبية الكردية في أذربيجان الغربية وكردستان وكرمانشاه متوترة. وسبق أن شن حزب PJAK حملة عسكرية مستمرة هناك ضد القوات الإيرانية بين عامي 2004 و2011، ويشتبك مقاتلوه بشكل متقطع مع القوات المسلحة الإيرانية منذ ذلك الحين. ووقع أحدث هجوم من هذا النوع في أوائل مايو، عندما قُتل أحد كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، إلى جانب ملازمين، في وضح النهار من قبل مقاتلي PJAK في غربي إيران.
وجد النظام الإيراني صعوبة في قمع هذه المعارضة. على الرغم من مجموعة من السياسات القمعية والهجمات العسكرية التي تهدف إلى تهدئة تلك المناطق المضطربة، لم تتمكن الجمهورية الإسلامية من قمع النشاط السياسي من قبل مجتمعاتها العرقية المتنوعة، أو قمع الأنشطة المناهضة للدولة تماما من قبل القوات الانفصالية مثل PJAK.
ولكن الآن، على الأقل، يبدو أن طهران قد حصلت على حليف جديد ضدهم. في الأسابيع الأخيرة، وكجزء من عمليات مكافحة الإرهاب الواسعة النطاق الخاصة بها، ساعدت أنقرة طهران في التصدي لعناصر المعارضة الكردية في ما يقول المراقبون إنه رغبة متزايدة في التعاون ضد التهديدات المشتركة.
يبدو أن الحكومة التركية تتجه نحو الشرق ـ وتضاعف علاقتها الطويلة الأمد مع الجمهورية الإسلامية. والنتيجة المباشرة لهذا المحور هي تعاون أعمق بين البلدين ضد الأكراد
مثل هذا التنسيق له معنى استراتيجي سليم لأنقرة أيضا. لطالما عبر إردوغان عن رؤية طموحة لمجال النفوذ "العثماني الجديد" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في الآونة الأخيرة، ومع ذلك، تواجه أجندة إردوغان الإقليمية، تحديات قاسية في الإقليم.
في ليبيا، يضع دعم أنقرة لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا هذا الأمر على خلاف مع موسكو التي تدعم بشدة المتمردين بقيادة خليفة حفتر وجيشه الوطني الليبي في جهودهم للسيطرة على البلاد. وفي حال تزايد الاحتكاك بين الجانبين هناك، يخشى الكثيرون، أن ينتهي الأمر بتهديد التسوية المؤقتة والهشة التي تم التوصل إليها قبل أشهر بين تركيا وروسيا في سوريا - مما قد يمهد الطريق لتصعيد جديد لهذا الصراع الطويل الأمد. (وقد تفاقم هذا القلق في الأيام الأخيرة بسبب التقارير التي تفيد بأن روسيا قد بدأت في توسيع وجودها العسكري في شمال شرق سوريا، حيث يقع نفوذ أنقرة).
كما تواجه أنقرة مقاومة جديدة من مصر، حيث تمضي حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي قدما في خطط التحالف الإقليمي المناهض لتركيا. في اجتماع افتراضي عقد مؤخرا، اتفق وزراء خارجية مصر والإمارات واليونان وقبرص وفرنسا على ضرورة مواجهة ما يعتبرونه معا نشاطا عسكريا وتجاريا تركيا استفزازيا في شرق البحر الأبيض المتوسط.
في ظل هذه الخلفية، يبدو أن الحكومة التركية تتجه نحو الشرق ـ وتضاعف علاقتها الطويلة الأمد مع الجمهورية الإسلامية. والنتيجة المباشرة لهذا المحور هي تعاون أعمق بين البلدين ضد الأكراد.