A demonstrator from Amnesty International holds a placard outside the Bang Kwang Central Prison to protest against the death…

لا يمكنك أن تكون إسلاميا، لنكتشف أنك تمارس الجنس مع عشيقتك في السر أو تسرق حقوق الغير حين يتاح لك ذلك دون علم الآخرين.

كما لا يمكنكِ أن تكوني نسوية وتحتقري عاملة النظافة لمجردة أنها... عاملة نظافة؛ فحقوق النساء لم توجد للمتعلمات فقط!

في نفس الإطار، لا يمكنك أن تكون حقوقيا وتناقض القيم التي يفترض أنك تدافع عنها، كلما أزعجك موضوع أو شخص ما.

أستوعب بصعوبة أنه، أمام حالات الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي على أطفال، أقرأ تعليقات لبعض الأشخاص المنتمين لأطياف اليسار أو للتيار الحقوقي، وهم يطالبون بالإعدام في حق الجاني.

إلغاء عقوبة الإعدام اليوم هو من المطالب الحقوقية الكونية... لا يمكنك أن تؤمن بحقوق الإنسان، وتطالب في نفس الوقت بسلب الحق الأول للإنسان، وهو الحق في الحياة.

إضافة لما سبق، لا يمكنك أن تكون حقوقيا وتتمنى لمغتصب... أن يتعرض للاغتصاب لكي يفهم بشاعة الأمر!

أولا، لم تثبت أي تجربة عالمية أن إعدام المجرمين يخفف من نسب الجريمة في ذلك المجتمع؛ ولا أن الإعدام يكون رادعا للمجرم قبل ارتكاب جريمته. هذا دون الحديث عن مكافحة الإرهاب. هل نتخيل مثلا أن الإرهابي الذي قرر أن يفجر نفسه وسط مجموعة من الأشخاص، سيتراجع عن قراره خوفا من الإعدام؟

في نفس الوقت، وبالأرقام والإحصائيات، الدول التي ألغت عقوبة الإعدام لا تعرف نسب إجرام أعلى من الدول التي تطبق عقوبة الإعدام!

هذا لا يعني الإفلات من العقاب بالطبع، فهناك أشكال مختلفة من العقاب للمجرمين، حسب طبيعة جريمتهم وحجم الأذى الذي تسببوا فيه للآخرين. لكن الإعدام يبقى أبشعها... وأقلها تأثيرا في تغيير سلوك المجرم (إذ يصعب، عمليا، تغيير سلوكه بعد الإعدام!) أو في التأثير الإيجابي على غيره من المواطنين.

هذا دون أن ننسى أنه، في حالة الخطأ القضائي (وهو أمر وارد جدا قد يصل لعشرة بالمئة في بعض البلدان)، فليس هناك أية إمكانية للتراجع وتصحيح الخطأ... بعد تنفيذ حكم الإعدام!

ثم، هل يمكننا أن نؤسس العدالة على... فكرة الانتقام؟ ألا تتحول العدالة نفسها إلى "قاتل" باسم إحقاق الحق؟ هل قتل القاتل هو استرجاع لحق القتيل أو عائلته مثلا؟ تحضرني هنا قولة لغاندي صرح فيها بما مضمونه أن سياسة العين بالعين لا يمكن أن تنتج لنا إلا مجتمعَ عميان!

إضافة لما سبق، لا يمكنك أن تكون حقوقيا وتتمنى لمغتصب... أن يتعرض للاغتصاب لكي يفهم بشاعة الأمر!

إلغاء عقوبة الإعدام اليوم هو من المطالب الحقوقية الكونية... لا يمكنك أن تؤمن بحقوق الإنسان، وتطالب في نفس الوقت بسلب الحق الأول للإنسان، وهو الحق في الحياة

الاغتصاب تجربة إنسانية بشعة يفترض أن نتضامن مع ضحاياها سواء كانوا رجالا أو نساء، من التيار الفكري / الأيديولوجي الذي ننتمي له أو من أي تيار آخر، أصدقاء أو غرباء أو حتى خصوما…

ولأنها تجربة إنسانية بشعة، فلا يمكننا أن نتمناها حتى لخصومنا... حتى لمغتصب أو لشخص يبرر الاغتصاب!

لحظات ضعفنا الإنساني قد تكون مفهومة. جميعنا، في لحظة غضب، قد يصدر عنا سلوك أو جملة أو موقف "لا يشبهنا" كما يقول صديق عزيز. سلوك أو جملة أو موقف لا يشبه القيم التي ندافع عنها. لكن قوتنا وقوة تصالحنا مع ذاتنا ومع مواقفنا ومع الشعارات التي ندافع عنها (حتى لا تكون مجرد شعارات) تكمن أساسا في قدرتنا في نقد الذات ومراجعة المواقف والسلوكيات التي قد تصدر في لحظة هشاشة أو غضب إنساني…

القيم التي ندافع عنها لا تكتسي رمزيتها الحقيقية إلا حين تتلاءم مع سلوكياتنا اليومية ومواقفنا اتجاه مختلف القضايا... لأن الشعارات سهلة جدا نستطيع جميعنا أن نكتبها على مواقع التواصل أو في جلسات الأنس بين الأصدقاء!

لكن الأصل في الحكاية برمتها... أن "نشبه شعاراتنا". أن نشبه خطاباتنا. أن تتناسق سلوكياتنا ومواقفنا اليومية، مع ما يفترض أننا ندافع عنه بصدق!

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.