A Syrian man prays on July 12, 2017 at a cemetary in Khan Sheikhun, a rebel-held town in the northwestern Syrian Idlib province…
يزور أحباءه الذين فقدهم في الهجوم الكيمائي على خان شيخون

للمرة الأولى منذ بدء الحرب السورية، نَسبت "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية" ثلاثة هجمات كيميائية مباشرةً إلى قوات بشار الأسد. وأكد التقرير الصادر في 8 أبريل عن "فريق التحقيق وتحديد الهوية" المُنشأ حديثا أن النظام السوري، رغم تعهّده بنزع أسلحته الكيميائية، استمر باستخدامها ـ بما في ذلك السارين ـ طوال فترة الصراع. 

وتوفر النتائج النهائية فرصة للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لمراجعة أوجه القصور في سياساتها، والتعبير بوضوح عن التزامات "الخط الأحمر" فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيمياوية في سوريا، وكذلك استخدام جميع الأدوات المتاحة لزيادة عزلة النظام ومؤيديه ومحاسبتهم.

ما الذي يقوله التقرير؟

يلقي تقرير "فريق التحقيق وتحديد الهوية" باللوم مباشرة على الجيش السوري حول ثلاث هجمات بالأسلحة الكيمياوية وقعت خلال فترة أسبوع واحد في أواخر مارس 2017. وتقدم النتائج دليلا على أن النظام لم يقم بإخفاء جزء من مخزونه من الأسلحة الكيماوية خلال عملية نزع السلاح الدولية (2013 ـ 2014) فحسب، بل استمر في استخدام هذه الأسلحة المحظورة مع الإفلات من العقاب أيضا. 

وهذه هي المرة الأولى التي تنضم فيها "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية"، المكلفة بالإشراف على "معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية" وتنفيذها، إلى اللعبة المشحونة دبلوماسيا، والمتعلقة بتحميل المسؤولية.

وعلى الرغم من أن التقرير شامل وقاطع، إلا أنه من غير المرجح أن يؤثّر على المسار الاستراتيجي للصراع ـ أو حتى ملف الأسلحة الكيمياوية. وكانت إدانة النظام راسخة من قبل. وفي الواقع، يُظهر البحث الذي قام به كاتِبيْ هذا المقال أن قوات النظام السوري استخدمت الأسلحة الكيميائية أكثر من 340 مرة طوال فترة الحرب، مع حصول أكثر من 90 بالمئة من هذه الحوادث في أعقاب الضوضاء المتعلقة بالخط الأحمر الأميركي والتي أعقبت الهجمات القاتلة في 21 أغسطس 2013، وعملية نزع السلاح اللاحقة.

أي رد عسكري على استخدام الأسلحة الكيمياوية يجب ألا يستهدف مرافق الإنتاج والتخزين فحسب، بل الوحدات المسؤولة عن تنفيذ الهجمات أيضا

وكما يتضح من التقرير، وكذلك من التقارير والإفصاح من قبل وسائل الإعلام، أن بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ودول أخرى كانت على دراية جيدة بمخزون سوريا المستمر من الأسلحة الكيميائية والهجمات المستمرة، لكنها تركت الأمر يتبدّد من أجل تجنب الانجرار بصورة أكثر نحو الحرب. 

وفي الواقع، اكتشفت واشنطن وشركاؤها استخدام الأسلحة الكيميائية منذ فترة غير بعيدة تعود إلى مايو 2019، ولكنها ارتأت عدم اتخاذ أي تدابير بهذا الشأن بالرغم من الجحيم الذي كانت تتوعد به آنذاك.

ومن هذا المنطلق، يجب تفسير نتائج "فريق التحقيق وتحديد الهوية" على أنها إدانة أخرى للسياسة الغربية التي لم تبالِ لسنوات باحتواء أسوأ التجاوزات في الحملة العسكرية السورية. 

ووقعت الهجمات الثلاثة التي تم التحقيق فيها قبل أيام فقط من هجوم الرابع من أبريل عام 2017، الذي أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا في خان شيخون، والذين أثارت صورهم غضبا عالميا، مما أسفر في النهاية عن رد عسكري أميركي. 

ويشير ذلك إلى أنه فيما يتعلق بالسياسة الأميركية، لم يكن الخط الأحمر الحقيقي في سوريا يتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية على هذا النحو ـ الذي لم يتوقف طوال الحرب ـ بل حول فقدان ماء الوجه الذي قد ينتج عن عدم الرد على حدث بارز بشكل خاص.

التداعيات والردود العسكرية

لقد فشلت الولايات المتحدة والقوى الأوروبية مرارا وتكرارا في تقدير حجم التأثيرات الثانوية المترتبة عن الاستراتيجية الحربية للنظام السوري. فالاستخدام الفعال والمنخفض التكلفة للأسلحة الكيميائية في سوريا لا يسيء للمعايير الدولية فحسب، بل قد يوحي أيضا للأنظمة الأخرى المنخرطة في الحروب والجهات الفاعلة غير الحكومية بالاقتداء بنهج الأسد، كما فعل تنظيم "الدولة الإسلامية" مرارا وتكرارا.

طوال سنوات، اعتبر المنظّرون عن أسلحة الدمار الشامل أن الأسلحة الكيميائية ـ أو ما يُسمّى "نووي الفقراء" ـ قد فقدت معظم فائدتها في ساحة المعركة. ومع ذلك، يُظهر بحث الكاتِبيْن وجود فائدة تكتيكية واستراتيجية حتى في العوامل التي يتدنى معدل خطورتها المميتة مثل الكلور، وهي فائدة تطغى على أي عقاب دولي قد يترتّب عنها. 

وقد أثبتت الأسلحة الكيميائية، منذ استخدامها للمرة الأولى في أواخر عام 2012، أنها عنصر صغير لكن أساسي في الاستراتيجية الحربية لنظام الأسد، والتي تدور حول حملات عقاب المدنيين وتشريدهم. وتتغلغل العوامل الكيميائية داخل الخنادق والأنفاق والملاجئ، وتكمّل تأثيرات القصف التقليدي، ولا تترك للسكان المدنيين أي خيار سوى ترك المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بينما تحرم المتمردين من الشرعية الشعبية والموارد. 

وبالفعل، يظهر تقرير "فريق التحقيق وتحديد الهوية" كيفية تداخل الحملات التقليدية والكيميائية للجيش السوري على المستوى العملياتي في تشكيلات الخطوط الأمامية الرئيسية.

ولهذا السبب، فإن أي رد عسكري على استخدام الأسلحة الكيمياوية يجب ألا يستهدف مرافق الإنتاج والتخزين فحسب، بل الوحدات السورية المسؤولة عن تنفيذ الهجمات أيضا. وقد ضمّت هذه الوحدات حتى الآن "الفرقة الجوية الثانية والعشرون"، و"الفرقة المدرعة الرابعة"، و"قوات النمر" وما يرتبط بها من "اللواء 63" مروحيات. 

أثبتت الأسلحة الكيميائية، منذ استخدامها للمرة الأولى في أواخر عام 2012، أنها عنصر صغير لكن أساسي في الاستراتيجية الحربية لنظام الأسد

وبالإضافة إلى قدرة الضربات العقابية على ردع الاستخدام المستقبلي للأسلحة المحظورة، بإمكانها أيضا خدمة الهدف الأوسع المتمثل في إيقاف حملة العنف الجماعي والتهجير السورية ـ دون الدخول في المنحدر الزلق المتمثل بتغيير النظام. وكان هذا صحيحا بالنسبة لأي هجوم منذ أن أعلنت واشنطن عن خطها الأحمر في عام 2012، وحتى آخر هجوم مسجل بالقرب من بلدة "كباني" في مايو الماضي، والذي كان سيوفر فرصة مبكرة لردع أحدث هجوم للنظام على محافظة إدلب. وقد أدت تلك الحملة المستمرة منذ ذلك الحين إلى تشريد أكثر من مليون مدني وتُهدد بخلق أزمة لاجئين أخرى لأوروبا ـ وتمت قيادتها من قبل نفس تلك الوحدات المحددة في تقرير "فريق التحقيق وتحديد الهوية" وبحوث الكاتِبيْن على أنها مسؤولة عن هجمات الأسلحة الكيمياوية.

إن نسبة التكلفة إلى الفائدة للضربات هي أكثر مؤاتاة حاليا لأن الافتراضات التي طال أمدها حول الخطر الكامن في العمل العسكري في سوريا قد أثبتت خطأها مرارا وتكرارا. وفي مراحل مختلفة، هاجمت إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة مواقع تطوير الأسلحة الكيميائية ومواقع النظام الأخرى دون تدخل روسي مباشر.

A displaced Syrian woman and her daughter visits a grave of a relative in the town of Ariha in the northern countryside of…
تطبيع العلاقة التركية ـ الكردية لمواجهة كورونا في سوريا
مع مرور الذكرى التاسعة لبدء الثورة السورية، فإن أي جردة حساب لما أنجزته الثورة السورية تشير إلى أن الأمر الثابت هو أن سوريا تحولت إلى أرض تتنافس عليها الدول القريبة والبعيدة وباتت حقل تجارب لمشاريع وأفكار متناقضة تمول من الخارج وتعتاش على دماء السوريين

وإلى جانب العمل العسكري، لدى الدول الغربية عدد من الوسائل الدبلوماسية والقضائية تحت تصرفها. على سبيل المثال، يمكنها استخدام نتائج "فريق التحقيق وتحديد الهوية" لبناء قضية قوية في "المجلس التنفيذي" لـ "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية" و"مؤتمر الدولة الطرف" لإصدار عقوبات ضد النظام، وكذلك حرمانه من الشرعية التي تمنحها العضوية غير المؤهلة في المنظمة. يجب استخدام النتائج أيضا لحشد الدول الموقعة التي كانت تقف في السابق على السياج حول الملف السوري لـ "الأسلحة الكيميائية".

لقد كان الأوروبيون على وجه الخصوص يبحثون عن طرق لمواصلة تعاملهم مع السوريين، وفي الوقت نفسه إقصاء أوساط الأسد. وعلى الرغم من النجاحات التي حققها النظام في ساحة المعركة، إلا أن أكثر من ثلث سكان سوريا ما قبل الحرب ما زالوا نازحين في أماكن خارجة عن سيطرته، في حين أن حكم النظام في الداخل يبدو مهتزا

لذلك، فإن السياسة المتمحورة حول السوريين أينما كانوا، وليسوا المتواجدين داخل سوريا، قد تفتح المجال اللازم لرسم مستقبل البلاد وتقليل خطر انتشار الراديكالية في صفوف شرائح كبيرة من المدنيين الذين تعرّضوا لمعاملة وحشية ويشعرون أن المجتمع الدولي قد تخلّى عنهم. 

وبالتالي، تصبح المساءلة، قبل كل شيء بالنسبة لأبشع الجرائم، والبحث عن الحقيقة أدوات سياسية أساسية للدول الأوروبية التي تتطلع إلى تشكيل هيئة سياسية سورية مستقبلية. وإلا فإن تكتيك النظام المؤكد للعنف غير المقيد قد ينجح في إخضاع باقي السكان للإذعان.

الخاتمة

بناءً على نتائج "فريق التحقيق وتحديد الهوية"، يجب على بريطانيا وفرنسا ودول أخرى أن تدعو إلى معاقبة النظام السوري وتعليق امتيازاته كعضو كامل العضوية في "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية" بما يتماشى مع بند "التدابير الجماعية" بموجب المادة الثانية عشرة من "اتفاقية الأسلحة الكيميائية". 

وعلى هذه الدول أيضا عرض هذه المسألة على "مجلس الأمن الدولي" و"الجمعية العامة للأمم المتحدة"، حيث من المحتمل أن تواجه "فيتو" روسي آخر. وإذا كان من المستحيل تحقيق التدابير الجماعية (وهو أمر مُرجّح)، فيجب على السلطات الوطنية إصدار عقوبات إضافية خاصة بها. وفي كلتا الحالتين، ستعطي المساعدة الأميركية وزنا كبيرا للإجراءات الأوروبية.

يجب على الحكومات نفسها، بالتنسيق مع الشركاء الإقليميين مثل تركيا وإسرائيل، أن تكرر خطوطها الحمراء وتوضحها فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا وتتابعها بسرعة وثبات في حال حدوث أي انتهاكات. وعند اختيار أهداف الضربات التأديبية، يجب على المسؤولين النظر في السياق الأوسع نطاقا للحرب، وضرب القوات الجوية السورية وتشكيلات الخطوط الأمامية المسؤولة عن الهجمات بالإضافة إلى مرافق الإنتاج والتخزين.

قوات النظام السوري استخدمت الأسلحة الكيميائية أكثر من 340 مرة طوال فترة الحرب

يجب على الحكومات أن تكثّف دعمها لإمكانيات الرد والحد من المخاطر على الأرض في شمال غرب سوريا من خلال مساعدة المبادرات الإنسانية المحلية والمجتمع المدني. وتشمل الإجراءات المفيدة إرسال معدات واقية وإمدادات طبية إلى الدفاع المدني السوري (المعروف أيضا بـ "الخوذ البيضاء") والجمعيات الخيرية الطبية العاملة على الأرض؛ وتوفير الدراية الفنية بشأن جمع الأدلة وحفظها؛ وتعزيز أنظمة الإنذار المبكر على غرار "مرصد سوريا".

وأخيرا، يجب على الحكومات الأوروبية مواصلة تعزيز قضية المساءلة عبر القنوات المتعددة الأطراف والقنوات الوطنية. ينبغي تقديم تمويل إضافي إلى "فريق التحقيق وتحديد الهوية"، و"الآلية الدولية المحايدة والمستقلة" التابعة للأمم المتحدة، و"بعثة تقصي الحقائق" التابعة لـ "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية" للتعجيل بعملهم وتوسيع نطاقه. 

ويمكن تقديم معلومات استخبارية وطنية بشأن المخزونات والمرافق المخفية بصورة أكثر اتساقا لدعم عمل "فريق تقييم الإعلان" الخاص بـ "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية". 

وبالمثل، فإن رفع السرية عن المعلومات المتعلقة بسلاسل القيادة يمكن أن يُكمّل النسخ العامة لتقرير "فريق التحقيق وتحديد الهوية" وأن يساعد منظمات المجتمع المدني على متابعة المحاكمات في المحاكم الوطنية الخاضعة للولاية القضائية العالمية.

المصدر: منتدى فكرة

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.