Lebanese Prime Minister Hassan Diab speaks to the media outside Beirut's international airport, Lebanon April 5, 2020. REUTERS…

تجري محاولات حثيثة في لبنان للاستعانة بـ"كورونا" لتعويم حكومة حسان دياب التي شكلها تحالف "8 آذار" وعلى رأسه "حزب الله". يجري بث أخبار مكثفة عن "قصة نجاح" لبنانية في مواجهة الفيروس، والحال أن "الاستثناء" اللبناني هنا يحضر في ظل فشل عالمي في مواجهة الجائحة. 

فشل العالم ونجح لبنان! هل تصدقون؟ ووزير الصحة اللبناني كان سباقا بين زملائه في كل العالم إلى إطلاق وعد بأن النصر قريب، وأننا على أبواب مرحلة ما بعد "كورونا"، وهو إذ فعل ذلك، فاته أن ولوجنا تلك المرحلة سيعيدنا إلى حقائق أكثر فداحة من حقيقة الفيروس. سيعيدنا إلى حقيقة الانهيار، وهذه الحقيقة ستترافق هذه المرة مع قوة دفع جديدة نحو الهاوية، فالإفلاس هذه المرة سيحضر معززا بما أحدثه "كورونا" من كوارث موازية، لن تستطيع معها حكومة تحالف الممانعة من مواكبته بخطاب "التكنوقراط" المضجر، ولا بابتسامة رئيسها المستعادة من كتاب الإنجازات الذي أعده عن نفسه يوم كان وزيرا للتربية.

لكن قصة النجاح اللبنانية التي سبقت العالم في الحرب على الفيروس وأطاحته، تقف وراءها حكومة لن تتمكن، على الرغم من تكنوقراطيتها، من الكف عن كونها حكومة النظام نفسه الذي سطا أركانه على ثروات اللبنانيين وعلى ودائعهم ومدخراتهم. 

حقائق ما بعد كورونا تنتظرنا. أعداد العاطلين من العمل ستتضاعف، والمصارف ستزيد من إجراءاتها بحق المودعين

نظام الفساد هو من رشح حسان دياب، وهو من اختار الوزراء، وهذه حقيقة لن يتمكن النظام من تحويل أنظار اللبنانيين عنها، حتى لو استعان بلحظة ضعف يعيشونها في ظل تفشي الفيروس في مدنهم وقراهم. وقصة النجاح الذي يُستعان خلال الترويج لها بحملة تعمية كبرى عن حقائق الفيروس، وعن أرقامه المتوهمة، لن تسعف النظام في مساعيه للنجاة بفعلته.

والحال أن الاعتماد على كسل سعد الحريري للقول إن حسان دياب يستيقظ باكرا، أو على ضعفه أمام جبران باسيل، للقول أيضا إن دياب تصدى للتعيينات في مصرف لبنان، ليس كافيا لتمرير وجه الرئيس الناعس. ثمة حقائق أثقل من أن تطيحها مساعٍ ركيكة من هذا النوع. حقيقة أن نظام الفساد والاستتباع ما زال هو نفسه، وأن أركانه يديرون اللعبة من وراء وجه الرئيس الناعس، لا يمكن حجبها في كل تفصيل من تفاصيل إداء السلطة. 

لا يشك أحد في لبنان في أن جبران باسيل ما زال حاضرا في كل شيء وأن نبيه بري شريك أكبر في هذه الحكومة وأن "حزب الله" هو الآمر الناهي، وأن قرار الإفراج عن ودائع الناس تحت الثلاثة آلاف دولار صدر استجابة لخطاب حسن نصرالله الأخير.

تعتقد "8 آذار" أن "كورونا" هو فرصتها لتوجيه الضربة الأخيرة لسعد الحريري. وهي، إذا صح هذا الاعتقاد، تكون قد ارتكبت خطأ استراتيجيا بحق نفسها. فالشريك الذي تعرفه خير من الشريك الذي لا تعرفه، وحسان دياب لا يصلح لأن يكون وريثا. الأرجح أن "حزب الله" يدرك ذلك، لكن يبدو أن حلفاءه يسبقونه نحو طموح من هذا النوع. 

نزق جبران باسيل يدفعه نحو هذه المغامرة، والأرجح أن في محيط الحزب من يشارك جبران هذا الطموح. هذه لعبة هُواة على الأرجح، سيعود "حزب الله" ليتحكم بها في اللحظة الأخيرة، ذاك أن تفتيت زعامة الحريري، وهو أمر باشرته السعودية قبل "8 آذار"، سيضع الممانعة أمام مهمة البحث عن شريك قد يكون أثقل عليها من الحريري.

هذه الحكومة لن تتمكن  من الكف عن كونها حكومة النظام نفسه الذي سطا أركانه على ثروات اللبنانيين وعلى ودائعهم ومدخراتهم

على هذا النحو يشتغل نظام الفساد والنهب والارتهان في لبنان. أركانه يشكلون ماكينة غير منسجمة، لكنها تعمل على نحو متناغم وفعال. فحسان دياب وظيفته إدارة مرحلة دقيقة في حياة النظام. عليه أن يكون ماكينة تعيد إنتاج نظام اهتز بفعل انتفاضة أكتوبر. لا بأس بتأديب سعد الحريري لإعادته إلى بيت الطاعة، ويبدو أن الرجل قابل للتأديب وينتظر.

وفي هذا الوقت لا بأس ببعث "الاستثناء اللبناني" وهو استثناء له جذر فولكلوري قوي في وعينا الوطني. وها هي وسائل الإعلام تتحول بلحظة واحدة من منابر للثورة إلى منصات للحكومة وإنجازاتها. 

تهب المصارف للتمويل مجددا، وتتولى محطة تلفزيونية ليست بعيدة عن "القوات اللبنانية" مهمة تظهير صورة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة بصفته نيلسون مانديلا لبنان، فيما يأخذ تلفزيون الثورة الآخر على نفسه مهمة تحويل حسان دياب إلى قصة نجاح من خارج المتوقع.

استيقظ النظام على هدية اسمها "كورونا". حقائق ما بعد كورونا تنتظرنا. أعداد العاطلين من العمل ستتضاعف، والمصارف ستزيد من إجراءاتها بحق المودعين، وما تبقى من قطاعات إنتاجية هو اليوم في طريقه نحو الهاوية. و"كورونا" الحقيقي لا يمت بصلة إلى "كورونا" الرسمي. كل هذا لا يضعف من حقيقة أننا أمام قصة نجاح!

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.