تجري محاولات حثيثة في لبنان للاستعانة بـ"كورونا" لتعويم حكومة حسان دياب التي شكلها تحالف "8 آذار" وعلى رأسه "حزب الله". يجري بث أخبار مكثفة عن "قصة نجاح" لبنانية في مواجهة الفيروس، والحال أن "الاستثناء" اللبناني هنا يحضر في ظل فشل عالمي في مواجهة الجائحة.
فشل العالم ونجح لبنان! هل تصدقون؟ ووزير الصحة اللبناني كان سباقا بين زملائه في كل العالم إلى إطلاق وعد بأن النصر قريب، وأننا على أبواب مرحلة ما بعد "كورونا"، وهو إذ فعل ذلك، فاته أن ولوجنا تلك المرحلة سيعيدنا إلى حقائق أكثر فداحة من حقيقة الفيروس. سيعيدنا إلى حقيقة الانهيار، وهذه الحقيقة ستترافق هذه المرة مع قوة دفع جديدة نحو الهاوية، فالإفلاس هذه المرة سيحضر معززا بما أحدثه "كورونا" من كوارث موازية، لن تستطيع معها حكومة تحالف الممانعة من مواكبته بخطاب "التكنوقراط" المضجر، ولا بابتسامة رئيسها المستعادة من كتاب الإنجازات الذي أعده عن نفسه يوم كان وزيرا للتربية.
لكن قصة النجاح اللبنانية التي سبقت العالم في الحرب على الفيروس وأطاحته، تقف وراءها حكومة لن تتمكن، على الرغم من تكنوقراطيتها، من الكف عن كونها حكومة النظام نفسه الذي سطا أركانه على ثروات اللبنانيين وعلى ودائعهم ومدخراتهم.
حقائق ما بعد كورونا تنتظرنا. أعداد العاطلين من العمل ستتضاعف، والمصارف ستزيد من إجراءاتها بحق المودعين
نظام الفساد هو من رشح حسان دياب، وهو من اختار الوزراء، وهذه حقيقة لن يتمكن النظام من تحويل أنظار اللبنانيين عنها، حتى لو استعان بلحظة ضعف يعيشونها في ظل تفشي الفيروس في مدنهم وقراهم. وقصة النجاح الذي يُستعان خلال الترويج لها بحملة تعمية كبرى عن حقائق الفيروس، وعن أرقامه المتوهمة، لن تسعف النظام في مساعيه للنجاة بفعلته.
والحال أن الاعتماد على كسل سعد الحريري للقول إن حسان دياب يستيقظ باكرا، أو على ضعفه أمام جبران باسيل، للقول أيضا إن دياب تصدى للتعيينات في مصرف لبنان، ليس كافيا لتمرير وجه الرئيس الناعس. ثمة حقائق أثقل من أن تطيحها مساعٍ ركيكة من هذا النوع. حقيقة أن نظام الفساد والاستتباع ما زال هو نفسه، وأن أركانه يديرون اللعبة من وراء وجه الرئيس الناعس، لا يمكن حجبها في كل تفصيل من تفاصيل إداء السلطة.
لا يشك أحد في لبنان في أن جبران باسيل ما زال حاضرا في كل شيء وأن نبيه بري شريك أكبر في هذه الحكومة وأن "حزب الله" هو الآمر الناهي، وأن قرار الإفراج عن ودائع الناس تحت الثلاثة آلاف دولار صدر استجابة لخطاب حسن نصرالله الأخير.
تعتقد "8 آذار" أن "كورونا" هو فرصتها لتوجيه الضربة الأخيرة لسعد الحريري. وهي، إذا صح هذا الاعتقاد، تكون قد ارتكبت خطأ استراتيجيا بحق نفسها. فالشريك الذي تعرفه خير من الشريك الذي لا تعرفه، وحسان دياب لا يصلح لأن يكون وريثا. الأرجح أن "حزب الله" يدرك ذلك، لكن يبدو أن حلفاءه يسبقونه نحو طموح من هذا النوع.
نزق جبران باسيل يدفعه نحو هذه المغامرة، والأرجح أن في محيط الحزب من يشارك جبران هذا الطموح. هذه لعبة هُواة على الأرجح، سيعود "حزب الله" ليتحكم بها في اللحظة الأخيرة، ذاك أن تفتيت زعامة الحريري، وهو أمر باشرته السعودية قبل "8 آذار"، سيضع الممانعة أمام مهمة البحث عن شريك قد يكون أثقل عليها من الحريري.
هذه الحكومة لن تتمكن من الكف عن كونها حكومة النظام نفسه الذي سطا أركانه على ثروات اللبنانيين وعلى ودائعهم ومدخراتهم
على هذا النحو يشتغل نظام الفساد والنهب والارتهان في لبنان. أركانه يشكلون ماكينة غير منسجمة، لكنها تعمل على نحو متناغم وفعال. فحسان دياب وظيفته إدارة مرحلة دقيقة في حياة النظام. عليه أن يكون ماكينة تعيد إنتاج نظام اهتز بفعل انتفاضة أكتوبر. لا بأس بتأديب سعد الحريري لإعادته إلى بيت الطاعة، ويبدو أن الرجل قابل للتأديب وينتظر.
وفي هذا الوقت لا بأس ببعث "الاستثناء اللبناني" وهو استثناء له جذر فولكلوري قوي في وعينا الوطني. وها هي وسائل الإعلام تتحول بلحظة واحدة من منابر للثورة إلى منصات للحكومة وإنجازاتها.
تهب المصارف للتمويل مجددا، وتتولى محطة تلفزيونية ليست بعيدة عن "القوات اللبنانية" مهمة تظهير صورة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة بصفته نيلسون مانديلا لبنان، فيما يأخذ تلفزيون الثورة الآخر على نفسه مهمة تحويل حسان دياب إلى قصة نجاح من خارج المتوقع.
استيقظ النظام على هدية اسمها "كورونا". حقائق ما بعد كورونا تنتظرنا. أعداد العاطلين من العمل ستتضاعف، والمصارف ستزيد من إجراءاتها بحق المودعين، وما تبقى من قطاعات إنتاجية هو اليوم في طريقه نحو الهاوية. و"كورونا" الحقيقي لا يمت بصلة إلى "كورونا" الرسمي. كل هذا لا يضعف من حقيقة أننا أمام قصة نجاح!