An Iranian woman wearing a protective face mask against the novel coronavirus, walks down a street in the capital Tehran, on…
إيران ليست جدية في مكافحة وباء كورونا المستجد بين سكّانها

يشتكي المسؤولون الإيرانيون أن العقوبات الأميركية على بلادهم قاسية، ويتهمونها بعرقلة جهودهم الرامية إلى مكافحة تفشي وباء كورونا المستجد بين صفوف الإيرانيين. وفعلا، انطلت أكاذيب النظام الإيراني على المسؤولين حول العالم، بما في ذلك في الأمم المتحدة وعلى البعض في واشنطن، حيث وقّع عدد من المشرعين عرائض طالبوا فيها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتعليق هذه العقوبات، وإن مؤقتا، لأسباب إنسانية، وللسماح لطهران باستيراد المستلزمات الطبية المطلوبة للتصدي لهذا الوباء العالمي.

ومن نافل القول إن التضامن الإنساني مع المصابين الإيرانيين واجب لا لبس فيه، وإننا نتمنى لهم ولكل شعوب العالم الشفاء العاجل والخروج من نفق هذه الأزمة القاسية. على أننا لو كنّا نصدّق نظام إيران، ولو للحظة، لكنا في طليعة الموقعين على عرائض مطالبي الرئيس ترامب برفع العقوبات عن إيران، على الأقل إلى حين انحسار كورونا المستجد وعودة الحياة إلى سابق عهدها.

لكننا، للأسف، لا نصدّق المسؤولين الإيرانيين، ولا نصدّق أن نواياهم صافية وهادفة لمكافحة كورونا فحسب، فلو كان نظام الملالي صادقا في صبّ اهتمامه على التصدي لجائحة كورونا، لأوعز للميليشيات الموالية له بوقف هجماتها في عموم المنطقة، وبفرض هدنة ذاتية للسماح لإيران، ولهذه الميليشيات وأهاليها وبلداتها، بالتفرغ لمواجهة الوباء.

السبيل الوحيد الذي يعرفه نظام الملالي للتخلص من أزمة كورونا المستجد هو رمي المزيد من الصواريخ في عموم المنطقة

لكن طهران لم تصدر أوامر من هذا النوع لميليشياتها، بل أنه في خضم الوباء الذي يجتاح إيران والدول التي تقع تحت سيطرتها، قامت الميليشيات الموالية لها في العراق باستهداف قواعد عسكرية أميركية ومواقع قريبة من السفارة الأميركية في بغداد. 

أما في اليمن، فأطلقت ميليشيا الحوثي الموالية لطهران صواريخ باليستية في اتجاه السعودية، وخرقت بذلك هدوء كان سائدا، وعرقلت مساعي سعودية كانت ترمي إلى رعاية مفاوضات بين الحوثيين والحكومة اليمنية برئاسة عبد ربه منصور هادي. 

حتى في لبنان، حيث الحدود هادئة عادة مع إسرائيل، قام "حزب الله" بإرسال طائرة مسيرة عن بعد لاختراق الأجواء الإسرائيلية، ما أجبر الإسرائيليين على إسقاطها، حسب بيانات صدرت عن قيادتهم العسكرية.

ولتتويج الهجمات التي تقوم بها الميليشيات الموالية لها في عموم المنطقة، أرسلت طهران، الأسبوع الماضي، قائد فيلق القدس في "الحرس الثوري" الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد، تحت حراسة أمنية مشددة، وهو ما يطرح السؤال التالي: إذا كان اهتمام إيران ينصب على مكافحة كورونا المستجد، ما الذي يفعله جنرالاتها في بغداد؟

الأوساط الحكومية في واشنطن تعتقد أن قاآني يخطط لهجوم كبير ضد قوات التحالف الدولي، الذي ما زال يحرس المناطق التي انتزعها والحكومة العراقية من تنظيم "داعش" الإرهابي. وعلى إثر التقارير الاستخباراتية المتواترة إلى العاصمة الأميركية، قامت واشنطن بتحذير طهران، سرا عبر وسطاء وعلنا، من مغبة استهداف أي قوات أميركية. 

ولتأكيد جديتها، نشرت الولايات المتحدة بطاريتي دفاع جوي باتريوت في قواعدها العراقية، وهو ما يشي أن واشنطن تستعد لضربة إيرانية ستحتم ردا أميركيا داخل الأراضي الإيرانية نفسها، وهو ما يجبر طهران على الرد من داخل أراضيها ضد القواعد الأميركية في العراق، على غرار رد إيران على مقتل قاسم سليماني، سلف قاآني.

وإلى تصعيد ميليشياتها على الأرض ومخططات قاآني في بغداد، رفضت إيران عرضا أميركيا ـ عبر سويسرا الوسيطة ـ للمساعدات الطبية المباشرة، ووصف علي خامنئي المساعدات الأميركية المعروضة بـ "السمّ"، وقال إن الأميركيين يريدون إرسال كوادر طبية إلى إيران، لا لمساعدة الإيرانيين على مواجهة وباء كورونا المستجد، بل للتأكد من أن الفيروس الذي صنعته أميركا في مختبراتها خصيصة لاستهداف الإيرانيين، سيقتلهم بالفعل.

عند ملالي إيران، غالبا ما تقتصر الحلول على إشعال الحروب ورمي الصواريخ

إيران ليست جدية في مكافحة وباء كورونا المستجد بين سكّانها، ولا هي جدية في طلب رفع العقوبات الأميركية عنها لأسباب إنسانية، بل أن إيران تستغل الوباء ومعاناة الإيرانيين لتحقيق مآرب النظام، بما في ذلك محاولة إحراج أميركا دعائيا، وتصويرها على أنها شيطان بلا قلب ولا روح ولا إنسانية بإبقائها العقوبات، وثانيا في اعتقاد طهران أنه لو علّقت واشنطن العقوبات مؤقتا للسماح لإيران باستيراد ما تشاء، تتوفر بذلك فرصة للجنرال قاآني ورفاقه للحصول على تمويل يساهم في تعزيز ترسانة إيران الصاروخية، وترسانات الميليشيات الموالية لها.

لو كانت إيران جدّية في صبّ اهتمامها على مكافحة وباء كورونا، لكانت أعلنت هدنة مع كل أعدائها، ولكانت طالبت برفع العقوبات عنها ووضعت ما تجنيه من صادراتها النفطية في صندوق مالي يمكن للمنظمات الدولية مراقبته، وتأكيد أن لائحة المشتريات الإيرانية تقتصر على الدواء والغذاء وما من شأنه مكافحة الوباء، لا لتمويل الميليشيات وتعزيز عتادها وعتاد إيران.

لكن إيران لا يعنيها الوباء، ولا تعنيها مكافحته، بل أن السبيل الوحيد الذي يعرفه نظام الملالي للتخلص من أزمة كورونا المستجد هو رمي المزيد من الصواريخ في عموم المنطقة لإشعالها ولتشتيت انتباه الإيرانيين، والعراقيين واليمينيين واللبنانيين، عن الأزمة الحقيقية المتمثلة بفساد مسؤوليهم وانعدام قدرتهم على مكافحة الوباء.

عند ملالي إيران، غالبا ما تقتصر الحلول على إشعال الحروب ورمي الصواريخ، أو على قول المثل الأميركي: إذا كان كل ما تملكه هو مطرقة، فستبدو كل الأشياء لك كالمسامير.

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.