ظلت سيناء على مدى تاريخها منطقة ملتهبة، تموج بصراعات وحروب نظامية، أو هجمات انتحارية بين حين لآخر، لكن السنوات الأربع الأخيرة شهدت صعودا غير مسبوق للجماعات المسلحة، انتهى بمبايعة أكثر هذه الجماعات نشاطا لأكثر التنظيمات تشددا في العالم.
داعش في مصر
في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أصبح لتنظيم الدولة الإسلامية داعش وجود في مصر بإعلان جماعة "أنصار بيت المقدس" مبايعتها له وإقامة "ولاية سيناء". موقع لونغجورنال، المتخصص في متابعة شؤون الجماعات المسلحة، اعتبر الإعلان تطورا كبيرا للجماعة وتنبئا بمستقبلها على المدى البعيد، من حيث الدعم الذي ستتلقاه من مقاتلي داعش في العراق وسورية.
ظهور داعش في مصر لم يكن مفاجأة بالنسبة لكثيرين، فبعض التقارير ذهبت إلى أن أعضاء في الجماعة كانوا على اتصال به مذ أكثر من عام. ونقل عن أحد قياديي "أنصار بيت المقدس" أن داعش أعطاهم تدريبات على الفنون القتالية، وكيفية إنشاء خلايا إرهابية تستطيع المناورة.
ظهر بوضوح مدى تأثير فكر داعش على الجماعة، خاصة بالنسبة لخطابها الإعلامي ومقاطع الفيديو التي تبثها، وزيادة انتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي، تماما كما يفعل التنظيم الأصلي.
الكثير من هذه المواد أصبح يحاكي في إنتاجه وإخراجه بعض أشرطة داعش في سورية والعراق، مثل تصوير عمليات استهداف النقاط الأمنية أو الاعتداء على جنود، أو تنفيذ عملية إعدام بحق "متعاونين " مع الجيش.
القدرات القتالية
في تقرير لها حول القدرات لداعش في مصر، كتبت صحيفة نيويورك تايمز أن الهجوم الذي استهدف قافلة عسكرية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي يشير إلى أن الجماعة باتت تعرف جيدا تحركات أفراد الجيش والطرق المستخدمة، وأنها طورت من قدراتها على استخدام قذائف الهاون والمواجهة القتالية تحت ضغط النيران.
وتشير حادثة إسقاط مروحية عسكرية شمال سيناء إلى استخدام المسلحين للأسلحة الثقيلة ومضادات الطائرات، كما قال لموقع قناة "الحرة" اللواء المتقاعد طلعت مسلم.
لا يستبعد مسلم حصول المسلحين كذلك على مضادات للدبابات لكنه يرى أنها "غير متطورة". ويرى أنها مع ذلك لا تزال تعتمد على أساليب تقليدية مثل استخدام السيارات المفخخة وقذائف الهاون.
لكن عضو المعهد العربي الأوروبي للدراسات السياسية والاستراتيجية عادل عامر كتب في مقال له أن اعتماد المسلحين على قذائف الهاون التي تطلق من مسافات بعيدة مكنهم من المناورة والاختباء. ورأى في كثرة الثنايا الرملية والطبيعة الجغرافية للمنطقة عاملا ساهم في نجاح هذ الأسلوب.
وقدر تقرير لمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط في واشنطن عدد مسلحي الجماعة بحوالي ألف شخص، بعضهم له خبرات طويلة مع العمل المسلح، وكشف أن لديهم أسلحة متطورة كأنظمة الدفاع الجوي المحمولة MANPADS والقذائف الصاروخية والصواريخ الهاون وغراد.
يقول الخبير العسكري المصري محمد مظلوم في لقاء مع موقع قناة "الحرة" إن أحد المعوقات هو زيادة قدرة هذه الجماعة على استخدام وسائل شديدة الانفجار غير تقليدية وأكثر تطورا من مادة تي إن تي.
ويشير مظلوم أيضا إلى صعوبة تأمين الجيش لمواقعه خاصة في مناطق مترامية الأطراف: "في طريق طوله 40 كيلو مترا نحتاج إلى نقاط أمنية كل خمسة كيلومترات.. هذا جهد كبير للغاية".
الخطر القادم من الخارج
تشير دراسة للمعهد الدولي لدراسات التطرف إلى مشكلة تهريب الأسلحة، من قطاع غزة عبر الأنفاق، وغربا من ليبيا التي تعج بالفوضى، ثم تهريبها بريا عبر منفذ السلوم حتى سيناء.
ولمعالجة هذه المشكلة، دمرت قوات الجيش مئات الأنفاق على الحدود مع غزة، وقررت إخلاء الشريط الحدودي لمسافة 500 كيلو متر ثم زادته إلى 1000 كيلومتر.
وتتهم مصر، في خطابها السياسي والإعلامي، بشكل مستمر حركة حماس، بتنفيذ عمليات أو بالتعاون مع مسلحين في سيناء، وتوجه أيضا اتهامات لجماعة الإخوان المسلمين بتمويل ودعم هذ الجماعات بشكل غير مباشر.
وفي لقاء مع موقع قناة "الحرة" قال الخبير الأمني الفلسطيني نظام صلاحات إن جهود هدم الأنفاق خففت من تأثيرها بالفعل، لكن لا تزال المنطقة بحاجة إلى "سياسة أمنية واضحة للتعامل معها". واقترح تطوير التقنيات المستخدمة في مكافحة الإرهاب، وأساليب التدريب، ونظم الاستخبارات.
يشير اللواء طلعت مسلم إلى إشكاليات التعامل مع مشكلة الأنفاق، من بينها طولها الذي يصل أحيانا إلى كيلومترين ومرور عربات ثقيلة وليس فقط أفراد". وقال إن هذه المشكلة دفعت الجيش المصري إلى زيادة مساحة المنطقة العازلة إلى كيلومتر وربما تزيد إلى كيلومترين في المستقبل.
وأشار أيضا إلى أن الأنفاق ليست خطا متصلا بين نقطتين لكنها شبكة لها تفرعات كثيرة ما يعطى للطرف الآخر فرصة للمناورة.
مناطق منزوعة السلاح
بعد هجوم آب/أغسطس 2012 الذي استهدف جنودا مصريين خلال تناولهم الإفطار في شهر رمضان، خرجت عدة أصوات مصرية للمطالبة بتعديل اتفاقية السلام مع إسرائيل باعتبار أن حجم التواجد الأمني المصري في المناطق منزوعة السلاح الذي تنص عليه الاتفاقية لا يكفي.
على إثر ذلك، سمحت إسرائيل لمصر فعليا بنشر 50 دبابة وطائرتين مقاتلتين، ومقاتلتين إف 16 في هذه المناطق وسط وشرق سيناء.
بحسب المعهد الدولي لدراسات التطرف، كان الهدف من إقامة هذه المناطق عام 1979 منع اندلاع حرب جديدة بين جيشين نظاميين. أما الآن تدور حرب بين جيش نظامي ومجموعات غير نظامية تخترق الحدود وتهرب الأسلحة، وأصبحت سيناء مصدر الوقود والسلاح والغذاء الوحيد لغزة، ومعبرا لمرور آلاف الأفارقة الذين يحاولون التسلل لإسرائيل.
يقول مسلم إن إسرائيل تتفهم الظروف الأمنية والتواجد غير المسبوق للجماعات الإرهابية في المنطقة. وتوقع بالمقابل دخول الطرفين في مفاوضات مستقبلية حول تكثيف تواجد القوات هناك.
رحلة الصعود
خلال السنوات التي أعقبت سقوط الرئيس المصري حسني مبارك في 2011، برز اسم جماعة "أنصار بيت المقدس" كأبرز الجماعات التي تنشط في سيناء، خاصة في المنطقة التي تمتد من رفح شرقا إلى العريش غربا على مساحة حوالي 35 كيلومترا.
بعد سقوط مبارك، ركزت الجماعة على استهداف مصالح إسرائيلية وخطوط الغاز قبل أن تلفت الانتباه في أغسطس/آب 2012 بالهجوم على معسكر مصري قرب الحدود مع إسرائيل، أسفر عن مصرع 16 جنديا.
وعقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي، زادت من عملياتها ضد أفراد ومنشآت الجيش والشرطة في سيناء والقاهرة. وفي مؤشر على تطور قدراتها تمكنت من إسقاط مروحية عسكرية، وأعقب ذلك تنفيذ عمليات نوعية أبرزها ذبح "متعاونين" مع الجيش، وقتل 31 جنديا لدى مرور قافلتهم العسكرية.
أعلن الجيش المصري رسميا الحرب على الجماعة بضرب مخابئهم المحصنة وتدمير الأنفاق، إلا أن أسلوب القصف المباشر للمخابئ أثبت فشله لأن المسلحين يعرفون جيدا تضاريس المنطقة، وذلك بحسب ما جاء في تحليل لوكالة رويترز حول الموضوع.
وعلى الرغم من أن طائرات الآباتشي تطلق يوميا صواريخها على هذه المخابئ في البيوت والمزارع، و تكثف رصد أنشطة "الإرهابيين"، فضلا عن إطلاق عمليات نوعية لمجموعات الصاعقة والمظلات، إلا أن المسلحين ظلوا يتنقلون في دروب القرى حيث يصعب رصدهم من الجو.
ويرى مظلوم أن الكثافة السكانية المرتفعة في المنطقة الممتدة من رفح إلى العريش ساعد المسلحين على الاختباء وسط الأهالي.
ويرى أن الجغرافيا تلعب أيضا دورا كبيرا في إعاقة عمليات الجيش في سيناء بالنظر إلى مساحتها التي تمتد لـ60 ألف كيلومتر، أي حوالي خمسة أضعاف مساحة دول مثل الكويت ولبنان. قال مظلوم إن "سيناء مثلث قاعدته في الشمال محاطة بالماء من جميع الجهات ماعدا المناطق الحدودية مع إسرائيل وغزة ومناطق أخرى، وهذه المناطق تنتشر فيها الجبال والمغارات المرتفعة التي يختبئ فيها المسلحون ما يصعب من مهمة الوصول إليهم".