تتطلع الحكومة المصرية إلى أن يسفر مؤتمر "دعم وتنمية الاقتصاد المصري" في شرم الشيخ عن عدة نتائج إيجابية تعكس الهدف المنشود من عقده، من أهمها قدرة مصر على تنظيم المؤتمر في منطقة تعج بعدم الاستقرار، فضلا عن التعهدات الخليجية باستثمارات جديدة، والدعم الأميركي الواضح من خلال حضور وزير الخارجية جون كيري، إلا أن التحديات أمام مصر، مع ذلك، لا تزال كبيرة.
تهيئة المناخ
تضمنت الصفحة الرئيسية للمؤتمر على الانترنت التي صممت باللغتين العربية والإنكليزية، أهم إنجازات الحكومة في الفترة الماضية والإجراءات التي اتخذتها لجذب الاستمارات لدعم الاقتصاد المتردي. بحسب البيانات المتوفرة، حققت مصر معدلات نمو ثابتة نسبيا بلغت 2.1 في المئة العامين الماضيين، خاصة في مجال الصناعة الذي حقق نموا 27 في المئة.
تبنت مصر برنامجا للسيطرة على عجز الموازنة والدين الحكومي من إجراءات أهمها رفع جزئي عن دعم الوقود. عملت الحكومة على ضخ استثمارات حكومية، إلى جانب استمارات القطاع الخاص ، لكن ظلت هناك حاجة إلى الاستمارات الأجنبية.
تقدم الحكومة المصرية من خلال المؤتمر رؤيتها استراتيجيتها للتنمية حتى عام 2030 وخططها للإصلاح خلال خمس سنوات. وأشار السيسي في كلمته أمام المؤتمر إلى فرص استثمارية أهمها مشروعات الطاقة والمشروعات التنموية وتطوير الطرق والمراكز السياحية.
من أهم الخطوات التي سبقت المؤتمر التعديلات اليت أدخلت على قانون الاستثمار فيما يخص التيسير على المستثمرين وتسوية المنازعات وديا والمعاملة الضريبية والجمركية.
لكن الخبير الاقتصادي أحمد خزيم، قال في لقاء مع موقع "الحرة" إن الإعلان عن التعديلات دون الإشارة إلى اللائحة التنفيذية وقبل أيام قليلة من عقد المؤتمر يعني أن الحكومة المصرية "ليس لديها إرادة سياسية بالفعل".
وأشار إلى أن المعالجة الحقيقية تحتاج لتنقية التشريعات والقوانين وإيجاد إدارة فعالة لديها رؤية جديدة بعيدة عن البيروقراطية وتضع خططا واضحة تزيد من معدلات النمو وخلق فرص العمل.
رسالة خليجية
اتفقت كل من السعودية والكويت والإمارات على ضخ استثمارات بقيمة 12 مليار دولار، ما يعكس دعما خليجيا اقتصاديا وسياسيا في آن واحد، مثلما صرح خبراء اقتصاديون لموقع قناة "الحرة".
في كلمته أمام المؤتمر، أشار أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح إلى "نظرة تفاؤل" لمستقبل مصر"، وذكر ولي العهد السعودي الأمير مقرن بن عبد العزيز من جانبه أن بلاده أكبر مستثمر في مصر وأن الأخيرة تحتل المرتبة الـ20 في قائمة الدول المصدرة لبلاده.
هذا الإعلان هو رسالة واضحة بأن دول الخليج "تقف مع مصر مهما كانت الظروف" بحسب ما صرح به الباحث الاقتصادي محمود سعدي لموقع قناة "الحرة". وأشار كذلك إلى أن المصالح الخليجية تتجاوز أي خلافات قد تكون قد حدثت مع مصر خلال الفترة الماضية.
يقول سعدي "أجواء المؤتمر إيجابية وفيها إشارة إلى استقرار الأوضاع وأن مصر تبحث عن الاستقرار والسلام، لكن المؤتمر بمثابة استثمار سياسي أكثر من استثمار في مشروعات بعينها".
مصادر التمويل
ثارت تكهنات في الفترة التي سبقت المؤتمر، عن وقف الدعم الخليجي لمصر بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية وانعكاسات ذلك على انخفاض فوائض ميزانيات الدول الخليجية. ومع الإعلان
عن هذه الاستثمارات ثارت تساؤلات حول كيفية توفير هذه الدول التمويل اللازم لضخ استثمارات جديدة.
في لقاء مع موقع قناة "الحرة" تشير الباحثة إيمان قميحة إلى أن الدعم الخليجي يتجاوز فكرة الدعم السياسي فقط، فهذه الدول، بحسب رأيها، تبحث عن استثمارات جديدة خارج بلادها، بدلا من الاعتماد فقط على تصدير البترول.
ويقول زخيم أن امتلاك دول الخليج لصناديق سيادية للاستثمار طويل الأمد في كل أنحاء العالم، تمثل استراتيجية تتبعها هذه الدول لتجنب تأثر موازناتها المالية بالأوضاع الدولية.
أشار زخيم إلى أن الاستثمار في الدعم اللوجيستي يحقق عوائد مادية كبيرة للمستثمرين الخليجيين والأجانب، ويتوقع توجيه استماراتهم في مشروع تعميق قناة السويس.
تحديات أمنية
استأثرت التحضيرات التي سبقت عقد المؤتمر والدعوة إليه باهتمام إعلامي كبير للتأكيد على أن الأوضاع الأمنية تشجع الاستثمار، وحذرت مسؤولون مصريون من محاولات "إفشاله" على يد أطراف التي تعارض النظام الحالي.
يعتبر زخيم أن "مجرد عقد المؤتمر في حد ذاته بمشاركة عدد كبير من المسؤولين " هو رسالة بأن الأوضاع الأمنية في مصر مستقرة وأن مصر لديها مقومات الاستثمار وأن هؤلاء لم يأتوا من أجل إقامة "عرض احتفالي".
لا ينكر الباحث الاقتصادي محمود سعدي من جانبه المؤشرات الإيجابية التي صاحبت حضور المؤتمر الذي شهد مشاركة مسؤولين بارزين من دول مهمة مثل الولايات المتحدة والصين ومن منظمات دولية كبيرة، لكنه يؤكد بالمقابل أن الوضع الأمني والسياسي لا يزال يشكل "تحديا كبيرا".
يقول في هذا الصدد "التظاهرات لا تزال مستمرة، حتى وأن خفت حدتها، توجد إضرابات عمالية وتفجيرات شبه يومية، ولا يوجد برلمان منتخب".
المؤتمر رسالة تحدي
يقول سعداوي إن أبرز كلمات الحاضرين في المؤتمر كانت بمثابة رسائل تحدي للإرهاب والتشدد وعدم الاستقرار في المنطقة، واحتل الحديث عن مشكلات اقتصادية جانبا أقل من مساحة النقاش.
ومثل الانتشار الأمني حول مكان انعقاد المؤتمر في المنطقة السياحية التي عاشت انخفاضا ملحوظا في أعداد السائحين، وتحليق طائرات الأباتشي "رسالة مصرية"، حسب الكثيرين تعكس أهمية الأمن من أجل الاستثمار.
ولم يتعهد جون كيري بأية استثمارات ولا مساعدات جديدة في الفترة القادمة، لكنه أشار في كلمته إلى أن التقدم الاقتصادي يتناسب طرديا مع تقدم الوضع السياسي والأمني. وصرح مسؤول أميركي مرافق له لقناة "الحرة" بأن واشنطن تتطلع إلى حل مشكلة تأجيل الانتخابات البرلمانية.
المسؤول الاميركي أضاف أيضا في تصريح خص به قناة "الحرة" أن المشاورات الأميركية المصرية لا تزال مستمرة بشأن محاربة الإرهاب، لكن لم يتخذ قرار بشأن الإفراج عن المساعدات العسكرية، التي أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأسبوع الماضي ضرورتها لدعم الأمن في منطقة.