خاص بـ"موقع الحرة"/ مصطفى هاشم
مواصلات واتصالات، بنزين وغاز، كهرباء ومياه، سلع وخدمات قلبت حال المصريين في 2018، اشتعلت الأسعار وبدأ المواطن بالشكوى من راتب يتقلص أمام غلاء المعيشة.
أما الحكومة فلا ترى من ذلك الارتفاع بدا للمضي قدما في خطط الإصلاح الاقتصادي وإنعاش مرافق الدولة، حتى وإن كان الثمن باهظا.
مواصلات
إن كنت تسكن في مدينة 15 مايو جنوب القاهرة، وعملك في العباسية، ولا تملك مركبة، فستدفع جنيهين للميكروباص الذي سيقلك لمحطة المترو، ثم تدفع جنيهين للميكروباص الذي يقلك من محطة المترو إلى مكان عملك.
إذا حسبنا تكلفة المواصلات ذهابا وإيابا، فإنك ستدفع 22 جنيها كل يوم. أي 110 جنيهات أسبوعيا، 440 جنيها شهريا.
هذا حال الشاب المصري رضا غالي الذي تحدث لـ"موقع الحرة" عن حاله عام 2018 والذي شهد ارتفاعا في أسعار المواصلات، خاصة تذكرة المترو.
يقول رضا إن رحلة الذهاب للعمل عام 2017 كانت تكلفه 11 جنيها يوميا، أي 55 جنيها أسبوعيا، 220 شهريا، ما يعني أن عبئ المواصلات زاد عليه بنسبة 50 في المئة. أما راتبه فبقي محافظا على ذات الرقم.
تلك هي حال كثير من المصريين الذين يشتكون ارتفاع الأسعار وضعف قدرتهم الشرائية لأن رواتبهم تآكلت خاصة مع قرار الحكومة تعويم الجنيه عام 2016.
تذكرة المترو 2018.. كم محطة ستقطع؟
نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون مصري يستقلون المترو يوميا، تلك وسيلة مواصلات لا يستغني عنها الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى.
كان سعر التذكرة جنيها واحدا حتى 2017، فارتفعت إلى جنيهين، ثم بلغت سبعة جنيهات، حين ارتبطت التسعيرة بعدد المحطات.
فركوب المترو في منطقة لتسع محطات يكلف ثلاثة جنيهات، ومنطقتين لـ16 محطة بـخمسة جنيهات، وثلاث مناطق لأكثر من 16 محطة بـسبعة جنيهات.
أما تذكرة ذوي الاحتياجات الخاصة فبات بـ50 قرشا، بعد أن كانت مجانية.
مثال بسيط : مواطن ساكن في المرج وشغله في المعادي .. كان بيدفع ايام التذكرة بجنيه : 52 جنيه في الشهرلما زادت التذكرة ل 2 جنيه .. بقي يدفع 104 جنيه في الشهرلما زادت تذكرته ل7 جنيه ( حسب المحطات ) مفترض يدفع 364 جنيه في الشهريعني أكتر من ضعفين اللي كان بيدفعه#المترو#الظلم
— Moataz Mahmoud (@m_moataz) May 10, 2018
بنزين
ماذا لو استبدل رضا السيارة بالمترو؟
لو قرر رضا ترك المترو والاستعانة بسيارة خاصة ذات محرك يعمل بالبنزين بقوة 1600 سي سي؟ هل سيوفر المال؟
المسافة من مدينة 15 مايو إلى العباسية تبلغ نحو 40 كم، وسعر ليتر البنزين 92 أوكتان 6.75 جنيها. وتقول نشرات وكلاء السيارات الرائجة في مصر بقوة 1600 سي سي إنها تقطع نحو تسعة كم، في كل ليتر بنزين تستهلكه.
إذن، يحتاج رضا إلى تسعة ليترات تقريبا كي يقطع مسافة 80 كم تمثل رحلة الذهاب والإياب اليومية. ما يعني أنه بحاجة لإنفاق 60 جنيها يوميا، أي 300 جنيها أسبوعيا، ليكون المجموع 1200 جنيه شهريا، ما يشكل ثلث راتبه تقريبا.
في أواخر حزيران/ يونيو الماضي قررت الحكومة المصرية رفع سعر لتر البنزين من نوع 92 أوكتان من خمسة جنيهات إلى ستة جنيهات وخمسة وسبعين قرشا.
ورفعت مصر سعر الديزل وبنزين 80 أوكتان الأقل جودة من ثلاثة جنيهات و65 قرشا لليتر الواحد، إلى خمسة جنيهات ونصف الجنيه. وهذه الزيادة كانت أكثر تأثيرا على شرائح المصريين لأن هذا النوع من الوقود يستخدمه غالبية المصريين ووسائل النقل العمومية.
وارتفاع أسعار الوقود يعني زيادة في أسعار المواد الغذائية نظرا لارتفاع تكاليف النقل، وكل الخدمات المرتبطة بالإنتاج أو الاستيراد.
بيان الحكومة المصرية حول ارتفاع أسعار الوقود في حزيران/ يونيو كان قد أوضح أن الزيادات الجديدة ستؤدي إلى ارتفاع تعرفة ركوب المواصلات بين 10 و20% في كافة المحافظات المصرية في 2018، لكن الزيادة في أسعار المواصلات تجاوزت حاجز الـ30 في المئة، في بعض الخطوط.
رضا، لن يستطيع التفكير في السيارة خيارا بديلا عن المترو، فظل يفكر في أسعار المواصلات التي أصبح ارتفاعها الشغل الشاغل في أحاديث المصريين في 2018، إذ يقول مواطنون إن زيادة الأسعار طالت كل شيء.
كهرباء
مثل غيره يعيش رضا في شقة محدودة المساحة في مدينة 15 مايو، لكن حرارة القاهرة التي تصل في الصيف إلى 45 درجة مئوية تجبره على الهروب إلى مكيف يخفف وطأة الحر داخل الشقة المغلقة.
في 2018 أصبح رضا مخيرا، بين حرارة الجو، وأسعار الكهرباء التي اشتعلت لدرجة قادرة على صهر جزء يسير من راتبه الشهري.
"اقفلوا التكييف" عبارة يكررها رضا منبها أولاده الثلاثة وزوجته من الإمعان في فتح التكييف "لأنه سيخرب بيتنا في الفاتورة" حتى اعتادت الأسرة العيش بدونه "وسأحاول بيعه لأننا أصبحنا لا نستخدمه".
يضيف رضا لـ"موقع الحرة" "أنبه أولادي دوما بالاقتصاد في استخدام الإنارة داخل الشقة".
وتقول بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء التي تعود لعام 2015 إن 91.5 في المئة من المصريين يسكنون في شقق في الحضر (حوالي 90 مليون شخص) فيما تبلغ النسبة 79% في الريف، و0.2 بالمائة فقط يسكنون في فلل.
وتعاني مصر التي يفوق عدد سكانها 98 مليون نسمة، أزمة اقتصادية منذ احتجاجات كانون الثاني/يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك بعد أن حكم البلاد 30 عاما.
كان متوسط فاتورة الكهرباء لشقة رضا 290 جنيها. وفي عام 2018 أصبح المتوسط 350 جنيها، و" في الصيف تتجاوز 400 جنيه"، يقول الشاب المصري لـ"موقع الحرة".
أما صفاء عبد الحميد التي تسكن في منطقة العجوزة فتدفع فاتورة كهرباء شهرية بمتوسط 600 جنيه، وهو المبلغ الذي قيد آخر فاتورة كهرباء استلمتها، وتشكو لـ"موقع الحرة" هذا الارتفاع، وذات الأمر مع أحمد فتحي الذي يعيش في مدينة السادس من أكتوبر، الذي يؤكد لـ"موقع الحرة" أنه يدفع فاتورة تقدر بمتوسط "200 جنيه".
في حزيران/ يونيو 2018، رفعت الحكومة المصرية أسعار الكهرباء بنسبة 26 في المئة.
الزيادة في أسعار الكهرباء عام 2018، توزعت حسب فئات الاستهلاك:
الشريحة الأولى:
من صفر إلى 50 كيلو وات ارتفعت تسعيرتها من 13 قرشا إلى 22 قرشا بنسبة 69.2 في المئة.
الشريحة الثانية:
من 51 إلى 100 كيلو وات ارتفعت تسعيرتها من 22 قرشا إلى 30 قرشا بنسبة 36.4 في المئة.
الشريحة الثالثة:
وحسبتها مختلفة، فإذا بلغ استهلاك الفرد 200 كليو وات، تخرج الحسبة من الشريحتين السابقتين ليصبح سعر كل كيلو وات 36 قرشا بدلا من 27 قرشا، بنسبة زيادة بلغت 33.3 في المئة.
الشريحة الرابعة:
من 201 إلى 350 كيلو وات ارتفعت تسعيرتها إلى 70 قرشا بدلا من 55 قرشا بنسبة 27.3 في المئة.
الشريحة الخامسة:
من 351 إلى 650 كيلو وات ارتفعت تسعيرتها إلى 90 قرشا بدلا من 75 قرشا بنسبة ارتفاع بلغت 20 في المئة.
الشريحة السادسة:
من 651 إلى 1000 كليو وات ارتفعت تسعيرتها 135 قرشا بدلا من 125 قرشا، بنسبة ارتفاع بلغت ثمانية في المئة.
وأزال التغيير الجديد الدعم عن المستهلكين الذين يستخدمون أكثر من 1000 كيلو وات شهريا، وتحاسبهم على 145 قرشا لكل كيلو وات بدلا من 135 قرشا بنسبة زيادة 7.4 في المئة.
خطوط غاز الطهي واسطواناته
في مصر نوعان من خدمة غاز الطهي، بيوت المدن تزود بهذه الخدمة عبر خطوط الغاز، وفي الريف أسطوانات الغاز هي الوسيلة الوحيدة للحصول على هذه الخدمة. لكن إن كنت هنا أو هناك، فعليك أن تتعامل مع أسعار جديدة.
في حزيران/ يونيو 2018 رفعت الحكومة أسعار اسطوانات غاز الطهي 66.6 بالمئة، مواصلة بذلك خططها لتقليص الدعم عن هذه الخدمة.
سعر اسطوانة غاز الطهي تدرّج من ثمانية جنيهات في 2016، إلى 15 جنيها في 2016، ثم 30 جنيها في 2017، لتصبح بـ50 جنيها في 2018.
الماء
يقول خبراء البيئة إن القاهرة من المدن الأكثر تلوثا في العالم، وفق معايير طبقات الهواء غير النقي في أجواء القاهرة، ودرجة الحرارة العالية، والضوضاء.
لذا يصبح الإقبال على الماء أكثر من المعتاد، شرب واستحمام وغسيل ملابس، وتنظيف البيوت. لكن ماذا عن أسعار الماء في 2018؟
عام 2018 شهد زيادة جديدة للأسعار لتصل إلى 46.5 بالمئة، رغم أنها كانت قد ارتفعت في آب/أغسطس 2017 بنحو 50 بالمئة.
القرار الحكومي شمل رفع تكلفة الصرف الصحي التي تحسب في فاتورة المياه لتصبح 75% بدلا من 63 بالمئة.
وحسب شرائح الاستهلاك، باتت أسعار المياه في 2018 أعلى بكثير:
الشريحة الأولى:
من صفر إلى 10 متر مكعب، ارتفع سعرها من 45 قرشا إلى 65 قرشا بنسبة زيادة 44 بالمئة.
الشريحة الثانية:
من 11 إلى 20 متر مكعب ارتفع سعرها من 120 قرشا إلى 160 قرشا بنسبة زيادة 33 بالمئة.
الشريحة الثالثة:
من 21 إلى 30 متر مكعب ارتفع سعرها من 165 قرشا إلى 225 قرشا بنسبة زيادة 36 بالمئة.
وإذا تجاوز الاستهلاك 31 متر مكعب حتى 40 متر مكعب، يخرج المستهلك من آلية احتساب الشرائح السابقة، ليدفع 275 قرشا بدلا من 200 قرش. والأمتار المكعبة بعد الـ40 يحتسب سعرها بــ315 قرشا بعدما كانت 215 قرشا.
وتخشى مصر أن يؤثر سد النهضة العملاق الذي تبنيه إثيوبيا على حصتها من نهر النيل وبذلت جهودا في السنوات القليلة الماضية لتوفير مصادر جديدة للمياه العذبة ولترشيد الاستهلاك.
ويبلغ إجمالي موارد المياه العذبة المتاحة في مصر حاليا نحو 77 مليار متر مكعب سنويا، تمثل نسبة مياه النيل منها 72 بالمئة، وتمثل المياه الناتجة عن تدوير الصرف الزراعي 16 بالمئة، حسب تصريحات اللواء مصطفى أمين مدير عام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية في كانون أول/ ديسمبر.
أمين أوضح أن الزراعة تستهلك 62.7 مليار متر مكعب سنويا، أي 81.3 بالمئة من إجمالي الموارد، في حين يبلغ الاستهلاك المنزلي نحو 11 مليار متر مكعب سنويا.
هاتف محمول وفواتير محملة
يحمل جزء كبير من المصريين خطوط هاتف محمول مسبقة الدفع، يشتري الزبون بطاقة شحن بمبلغ محدد.
رضا يقبل على بطاقات الشحن فئة 10 جنيهات، "لكنه في الحقيقة يعطيك رصيدا بأقل من سبعة جنيهات".
في حزيران/ يونيو الماضي قررت الحكومة رفع أسعار خطوط المحمول نحو 75 جنيها بعد أن كان سعر الخط 20 جنيها، فضلا عن فرض 10 جنيهات إضافية على كل فاتورة شهريا، بخلاف الضرائب المختلفة التي تصل إلى أكثر من 30% من قيمة الاستهلاك.
ماذا عن 2019؟
لا يبدو كلف الحياة في مصر ستقف عن حدود الأرقام المذكورة أعلاه، فوزير الكهرباء والطاقة المتجددة محمد شاكر أعلن في كانون أول/ ديسمبر أن هناك زيادات جديدة ستطرأ على الأسعار، وأن الدولة تهدف إلى إلغاء الدعم، مشيرا إلى أن الزيادة الجديدة لن تتم قبل تموز/ يوليو 2019، أي قبل البدء بالعمل بميزانية الدولة الجديدة للسنة المالية التي تبدأ في تموز/يوليو من كل عام.
تشترى #البنزين بالسعر العالمى اه ..- تاخد عربيه بالسعر العالمى لا ..يترفع الدعم عنك زى اوروبا اه ..- يترفع الدخل عندك زى اوروبا لا ..تدفع ضرايب زى مخاليق ربنا اه ..- تاخد خدمات زيهم لا ..تفكر تعترض كحق من حقوق التعبير لا ادفع وانت ساكت يا حبيبي حاضر
— ahmed mahmoud hassan (@ahmedmahmoudha7) June 17, 2018
الجنية والدولار
ارتفاع الأسعار وكلف المعيشة في مصر، مرده تعويم الجنيه، ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2016، قرر البنك المركزي تعويم العملة الوطنية ليرتفع الدولار من 8.8 جنيهات الى حوالي 17.90 جنيها.
القرار هدف إلى جذب مستثمرين أجانب وفتح الباب أمام الاقتصاد الذي تضرر بعد انتفاضات الربيع العربي عام 2011.
أسعار المواد التموينية والخدمات ارتفعت، ولا أفق لخفض أي منها، لأن صندوق النقد الدولي وافق في 2016 على منح مصر قرضا بـ12 مليار دولار لثلاث سنوات، بعد أن اتفقا على إطلاق برنامج إصلاح اقتصادي، يعتمد على إلغاء الدعم بحلول 2020 في معظم القطاعات، و2022 في قطاعات أخرى.
عيش نملة تاكل سكراحنا النمل فين السكرالميه ويليها #الكهرباء pic.twitter.com/gF9AJ5zkPK
— خالد حمدي (@k7amdi) June 13, 2018
الخطة شملت تخفيض الدعم عن مشتقات بترولية وكهرباء وزيادة في الضرائب، لكبح العجز في الموازنة، وجذب الاستثمار الأجنبي الذي تراجع بعد ثورة 25 يناير 2011
وبلغ التضخم مستوى قياسيا مرتفعا في تموز/ يوليو 2017 بفعل تخفيضات دعم الطاقة. ووصل التضخم السنوي في ذات العام إلى 29.5%.
وقال الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء إن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين بالمدن تراجع إلى 15.7 بالمئة على أساس سنوي في تشرين الثاني/ نوفمبر من 17.7 بالمئة في تشرين الأول/ أكتوبر 2018.
يقول رضا ومصريون آخرون إن "الأسعار في 2018 مؤلمة، والدخل لا يكفي"، ولا يعرف هؤلاء إن كان 2019 سيأتي بانفراج اقتصادي، أم أن الأسعار ستواصل الصعود.
الدولار الأميركي= 17.90 جنيها تقريبا