خاص بـ"موقع الحرة"/ مصطفى هاشم
انخفض التضخم في مصر، ثالث اقتصاد في أفريقيا، لأول مرة إلى خانة الآحاد بعد بلوغه 33 في المئة بعد تعويم عملتها في أواخر 2016، لكن نيجيريا اتخذت مسارا آخر فبقيت في أعلى مستويات التضخم في العالم.
هكذا قارنت وكالة "بلومبيرغ" بين الاقتصادين المصري والنيجيري، مشيرة إلى أن انخفاض التضخم يعد أحد المؤشرات الواضحة على أن مصر بدأت في جني الفوائد الاقتصادية لتعويم العملة قبل أكثر من ثلاث سنوات.
لكن هذه النظرة تلقت كثيرا من الانتقادات، من محللين وصفوها بـ"غير المكتملة".
وتباطأ التضخم في مصر، ثالث أكبر اقتصاد في أفريقيا، لأول مرة منذ تعويم الجنيه في عام 2016، ووصل إلى 9.4 في المئة هبوطا من 33 في المئة وقت التعويم.
كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد قال إن هناك حاجة للتعويم لتخفيف النقص الحاد في العملة الأجنبية والحصول على قرض بـ 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، كانت الإجراءات مؤلمة للمصريين، لكنها أسالت لعاب مشتري السندات لارتفاع العوائد.
في المقابل كانت نيجيريا الأكثر إنتاجا للنفط في أفريقيا في ظروف اقتصادية مشابهة لمصر، وتعاني من ضغوط الدولار، لكنها اختارت بدلا من ذلك السيطرة على عملتها من خلال نظام متعدد لأسعار الصرف وقيود على الاستيراد من الخارج.
لم تعد العملات الأجنبية نادرة في نيجيريا، ولكن معدل التضخم في نيجيريا كان 11.2 في المئة في يونيو، وهو أحد أعلى المستويات في القارة، وأعلى أيضا من المستهدف من جانب البنك المركزي النيجيري والذي كان بين 6 في المئة إلى 9 في المئة لمدة أربع سنوات.
في المقابل تقول المحللة الاقتصادية بيسان كساب لـ"موقع الحرة"، إن انخفاض التضخم لا يعني تحسن الوضع الاقتصادي والمعيشي للمصريين "التضخم انخفض لأنه يقارن بين نفس الفترة من العام الماضي التي كانت فيها الأسعار مرتفعة في الأساس"، مشيرة إلى أن تعويم الجنيه أدى إلى ارتفاع الدولار لمستوى قياسي، "وأصبح التضخم معتمدا على أنه ارتفع لأكبر نسبة ممكنة".
توضح بيسان أن "ما حصل عمليا من إجراءات اقتصادية رفع الأسعار بشدة واستمر التأثير لفترة طويلة، لأن الناس أصبحت تضغط على نفسها ولا تشتري إلا أقل الاحتياجات لأنها لا تستطيع الشراء، وانخفاض التضخم يعني أن الأسعار لا تزال ترتفع لكن بنسبة أقل مما مضى لأن السوق أصبح متشبعا بالتأثير فلم يعد قابلا لمزيد من ارتفاعات الأسعار".
وتتوقع بيان أن يستمر ارتفاع الأسعار لأنه لم يحدث تغيير جوهري مثل تخفيض الواردات أو تصنيع أشياء كنا نستوردها".
الاستثمار
رضخت مصر لخطة صندوق النقد الدولي لهيكلة اقتصادها، بما فيه من إنهاء للدعم على الوقود والطاقة، واستطاعت أن تجذب الاستثمار المباشر إليها خلال العام الأخير أكثر من أي دولة أفريقية أخرى.
في المقابل اجتذبت نيجيريا الكثير من الأموال الساخنة من خلال الحفاظ على ارتفاع عوائد السندات، في نفس الوقت الذي تعهدت فيه الدولة بعدم السماح للعملة "النيرة" بالضعف، لكن الاستثمار الأجنبي المباشر انخفض.
والمال الساخن هو مصطلح يستخدم على نطاق واسع في الأسواق المالية للإشارة إلى تدفق رؤوس الأموال من دولة إلى أخرى لكسب فائدة بسيطة على سعر الفائدة لتغيير سعر الصرف، وقد أطلق عليه هذا الاسم لسرعة تحرك الأموال داخل الأسواق وخارجها، مما قد يؤدي إلى عدم استقرار السوق.
يقول صندوق النقد الدولي إن نظام العملة النيجيري يردع المستثمرين ويضر بالاقتصاد، الذي ينمو ببطء أكثر من السكان. يقول الرئيس النيجيري محمد بوهاري إنه من الضروري تعزيز المصنعين المحليين ووقف تسارع التضخم.
تقول بيسان كساب لـ"موقع الحرة": "نعم نحن فعلا من أعلى مستويات النمو في العالم، لكن خطة صندوق النقد الدولي كانت تتحدث عن اقتصاد يقوده القطاع الخاص، لكن ما يحدث عمليا هو اقتصاد تقوده الدولة عبر مزيد من الاستثمارات".
وتقول: "بحسب الموازنة العامة للدولة فإن هناك طفرة في الاستثمارات العامة بنسبة 42 في المئة".
النمو
وبقارن تقرير بلومبيرغ بين مصر ونيجيريا من حيث نمو الناتج المحلي حيث تبدو مصر أفضل من نيجيريا أيضا في النمو حيث يبلغ 5.5 في المئة وهو ثلاثة أضعاف نظيره النيجيري ومعظم دول الشرق الأوسط.
لكن بيسان كساب تتساءل: "أليس من المفترض أن ينعكس ازدياد نمو الناتج المحلي على زيادة مؤشرات التنمية الأساسية وخاصة الإنفاق على الصحة والتعليم؟"
وتشير كساب إلى أن "نسبة الصحة إلى الناتج المحلي 1.19 في المئة من الناتج المحلي في حين أن الدستور نفسه يقول إنها يجب أن تكون 3 في المئة من الناتج المحلي".
وذكر محللون في "سوسيتيه جنرال" توقعهم بارتفاع قيمة الجنيه بنسبة إضافية تبلغ 4 في المئة، أي سيصل إلى 16 جنيها تقريبا بعد أن كان قد وصل إلى نحو 18 جنيها، وذلك بعكس النيرة النيجيرية التي يقدرها بنك الاستثمار "رينيسانس كابيتال" أنها أعلى من قيمتها الحقيقية بنحو 20 في المئة.
وتبقى المخاطر الأمنية والسياسية في البلدين مرتفعة، حيث يكافح نظام السيسي المتشددين في سيناء، واعتقل عشرات الآلاف من المعارضين ومرر تعديلات دستورية تتيح له البقاء في الحكم حتى 2030، فيما تحارب نيجيريا تنظيم داعش، فضلا عن اشتباكات عنيفة بين الفلاحين ورعاة الماشية.