خاص بـ"موقع الحرة"/ مصطفى هاشم
ارتفاع فاتورة الديون الخارجية المصرية إلى أرقام قياسية، يرفع مستوى القلق بشأن كيفية دفع هذه الأموال في المستقبل، خصوصا مع تسلم القاهرة الأربعاء الشريحة الأخيرة من قرض صندوق النقد الدولي بقيمة ملياري دولار.
وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية من عمر برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي شرعت فيه مصر منذ بدء الحصول على قرض الصندوق، قفز الدين الخارجي الحكومي من 48 مليار دولار ليتخطى حاجز الـ96 مليار دولار تقريبا، حسب البنك المركزي المصري.
ولا يبدو أن برنامج "الإصلاح الاقتصادي" سيتوقف حتى بعد حصول مصر على الدفعة الأخيرة من القرض، إذ ستظل مصر ملتزمة بتنفيذ خطوات تحرير أسعار الطاقة بالإضافة إلى البنود الأخرى.
يقول مساعد مدير صندوق النقد الدولي سابقا الدكتور فخري الفقي في حديث لـ"موقع الحرة" إن "البرنامج مستمر حتى نوفمبر هذا العام، كما تم تمديد خطة خفض الدعم عن بعض الخدمات حتى عام 2021".
هل نجحت مصر في جذب الاستثمارات؟
ويرى الأستاذ المساعد في الجامعة الأميركية في القاهرة عمرو عدلي أن إعادة توليد النمو الاقتصادي في مصر قد اعتمد على التوسع الكبير في الاقتراض الخارجي، أكثر مما استند إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية في صورة استثمارات مباشرة.
كانت مصر تبرر لجوءها للتوسع في الاقتراض الخارجي إلى تهيئة البيئة لجذب الاستثمارات الأجنبية، لكن الأرقام الرسمية تشير إلى أن معدلات نمو الدين الخارجي كانت أكبر بكثير من نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة منذ 2016.
وباستثناء قطاع النفط، يكابد اقتصاد مصر لجذب المستثمرين الأجانب منذ انتفاضة 2011 التي أطاحت الرئيس الأسبق حسني مبارك بعد حكم استمر 30 عاما.
وانكمش نشاط القطاع الخاص غير النفطي في مصر للشهر الثاني على التوالي في يونيو، وفقا لمؤشر مديري المشتريات التابع لبنك الإمارات - دبي الوطني الخاص بمصر. ونما نشاط القطاع الخاص في خمسة أشهر فقط على مدى السنوات الثلاث الماضية.
ولا يرى عدلي أن لدى مصر رؤية بعيدة المدى في سياسات جذب الاستثمارات الخارجية.
ويقول عدلي لـ"موقع الحرة" إن "جذب رؤوس الأموال دائما ما كان مدفوعا بمقتضيات علاج العجز في ميزان المدفوعات، مشيرا إلى أنه "ليس لدينا خطة للتركيز على قطاعات معينة في الصناعات التحويلية للاستثمار فيها".
وتعتمد مصر على الاقتراض الخارجي وتدفقات الأموال الساخنة من الأجانب في أدوات الدين لتوفير الدولار بجانب مصادر الدخل الرئيسية مثل إيرادات قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين في الخارج، في حين لم تشهد الصادرات نموا يضاهي خطوة تحرير سعر صرف العملة والتي أفقدت الجنيه نحو نصف قيمته في نوفمبر 2016.
لكن فخري الفقي يشير إلى أن قرض صندوق النقد ساعد مصر في تخفيض العجز ومضاعفة النمو مقارنة بما كان عليه قبل القرض، ووصل إلى أكثر من 5.5% وهو أكثر من ضعف النمو السكاني الذي يبلغ تقريبا 2.4%، كما ساهم في زيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي.
ويقول عمرو عدلي إن "هذه الديون هي التي سهلت إعادة بناء الاحتياطات الأجنبية، وحققت ما يبدو أنه استقرار في سعر العملة، حيث نجح البنك المركزي المصري في رفع الاحتياطي النقدي الأجنبي من 17 مليار دولار في 2015 إلى نحو 44.3 مليارا في يونيو 2019".
ويتوقع فخري الفقي أن يتعدى الاحتياطي النقدي الأجنبي حاجز الـ45 مليار دولار نهاية الشهر الجاري مع وصول الدفعة الأخيرة من قرض صندوق النقد، وهو ما يعزز قيمة الجنيه المصري مع توقعات باستمرار تعافيه أمام الدولار".
هل ستفي مصر بالتزاماتها المالية؟
يقول الفقي إنه "على الرغم من أن مبلغ الديون الخارجية يولد للوهلة الأولى بالصدمة، لكن صندوق النقد يهتم بنسبة الدين الخارجي من الناتج المحلي الإجمالي".
وأضاف أن نسبة الدين الخارجي من الناتج المحلي تبلغ 36%، وهي ضمن النسبة الآمنة التي تبلغ ما بين 30 إلى 50%.
ويتفق مع هذا الرأي، عدلي الذي يقول "ليس لدي تخوف في المدى المتوسط لخدمة الدين في ظل الظروف القائمة، لكننا من البلدان المعرضة لهزات اقتصادية خاصة وأن أسواق العالم مضطربة".
"ليس لدينا تحكم"
ويوضح الفقي أن لمصر خمسة مصادر للعملة الأجنبية وهي تحويلات العاملين في الخارج والصادرات والاستثمارات المباشرة والسياحة ثم قناة السويس، غير أنه يؤكد على أنها "كلها أمور لا يمكن التحكم فيها".
ويقول إن مصر تتأثر بالظروف الاقتصادية والسياسية والتوترات في المنطقة والمشاكل الاقتصادية عالميا حتى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون خطة سيكون له انعكاسات حتى على مصر، وبالتالي على مصر الاستعداد للتكيف مع التغيرات الحاصلة حاليا".
وتضيف الصحفية الاقتصادية بيسان كساب أن "مصر تعول على القطاع الخارجي لتحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، وهذه مشكلة لأنك ترهن الاقتصاد الداخلي للوضع العالمي".
نمو جيد لكن الخطورة على التنمية
يرى عدلي أن الخطورة تكمن في تأثير ارتفاع فاتورة الديون الخارجية على فرص التنمية "لأن لدينا التزامات كبيرة يجب سدادها".
وتتوقع مصر ارتفاع فوائد الدين نحو 23.8 بالمئة إلى 541.747 مليار جنيه في 2019-2020 من 437.448 مليار جنيه في السنة المالية الحالية.
ويوضح عدلي أن ربع ما تولده الصادرات السلعية والخدمية التي تأتي بالعملة الأجنبية، سيذهب إلى خدمة الدين الأجنبي، وهو ما سيكون له آثار سلبية على التنمية.
ويعيش ملايين المصريين تحت خط الفقر ويكابدون لتوفير احتياجاتهم الأساسية. ويواجه هؤلاء ارتفاع تكاليف المعيشة منذ تحرير سعر الصرف.
وحسب الإحصاءات الرسمية، يعيش 28 في المئة من المصريين تحت خط الفقر، ويبلغ متوسط دخل الفرد الشهري حوالي 4000 جنيه (240$).
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، نفذت مصر جولة جديدة من خفض دعم الوقود، لترفع الأسعار بنسبة تتراوح بين 16 و30 بالمئة، مع اقترابها من نهاية البرنامج المدعوم من صندوق النقد الدولي.
وتقول كساب لـ"موقع الحرة" إنه "ليس هناك بالفعل ما يشير إلى أن مصر لا تستطيع السداد، لسبب بسيط أنها تستدين حتى تسدد، فالعجلة دايرة".
وأمام مصر جدول سداد ديون خارجية صعب للعامين القادمين، وهي تحاول توسيع قاعدة مستثمريها وتمديد أجل استحقاق ديونها والاقتراض بفائدة أقل.