انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش الأربعاء بشدة قانون الجمعيات الأهلية المصري الجديد، وقالت إنه "يُظهر نية الحكومة المصرية سحق المنظمات المستقلة"، مؤكدة أنه أبقى على قيود مشددة على عمل المنظمات، وطالبت الرئيس المصري بإعادة القانون إلى البرلمان.
ووافق البرلمان المصري على قانون جديد للمنظمات غير الحكومية في 14 يوليو الجاري، بعد طلب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تعديل القانون الذي كان قد صادق عليه شخصيا في 2017 وذلك بعدما واجهت مصر انتقادات دولية وضغوطا داخلية وخارجية للرجوع عن القانون.
وألغى القانون الجديد مواد كانت تقضي بحبس العاملين في هذه المنظمات جراء عملهم السلمي، لكنه "أبقى على قيود مشددة على عمل المنظمات"، وفق ما قالت "هيومن رايتس ووتش".
وبحسب المنظمة فإن القانون الجديد "يحظر مجموعة واسعة من الأنشطة"، مثل "إجراء استطلاعات الرأي أو نشر أو إتاحة نتائجها أو إجراء البحوث الميدانية أو عرض نتائجها" دون موافقة حكومية، كما يحظر أنشطة أخرى بموجب "مصطلحات فضفاضة الصياغة"، مثل الأنشطة "السياسية" أو أي أنشطة من شأنها الإخلال بـ "الأمن القومي".
ويسمح القانون للحكومة بحلّ الجمعيات جراء مجموعة واسعة من "المخالفات" ويفرض غرامات تصل إلى مليون جنيه مصري (60 ألف دولار أميركي) على المنظمات التي تعمل دون ترخيص أو التي ترسل وتتلقى الأموال دون موافقة الحكومة.
كما يفرض القانون غرامات تصل إلى نصف مليون جنيه (30 ألف دولار أمريكي) على المنظمات التي تنفق تمويلها بأشكال تراها الحكومة "في غير النشاط الذي خصصت من أجله أو بالمخالفة للقوانين واللوائح" أو المنظمات التي ترفض تقديم أي بيانات أو معلومات حول أنشطتها بناء على طلبات الحكومة بذلك.
كما يحظر القانون الجديد التعاون مع منظمات أجنبية أو خبراء أجانب، ويفرض نظاما صارما بالموافقة المسبقة للمنظمات الأجنبية حتى تتمكن من العمل في البلاد، ويسمح للحكومة بمراقبة ورصد الأنشطة اليومية للمنظمات.
وتقول المنظمة إن القانون يسمح للمسؤولين الحكوميين وأجهزة الأمن بالتدخل في الأعمال اليومية للمنظمات، حيث ينص على أن أي موظف في منظمة ما "يمتنع عمدا عن تمكين الجهة الإدارية من متابعة وفحص أعمال الجمعية يُعاقب بغرامة من 50 ألف إلى 500 ألف جنيه مصري (3 آلاف إلى 30 ألف دولار)".
وأضافت أن القانون يفرض غرامة باهظة بصورة غير متناسبة أيضا على مخالفات إدارية صغيرة، مثل عدم الإبلاغ بتغيير عنوان المنظمة في غضون ثلاثة أشهر.
وينص القانون على إنشاء "الوحدة المركزية للجمعيات والعمل الأهلي" تحت إشراف الوزارة المختصة، على أن تختص الوحدة بالإشراف والرقابة على أعمال المنظمات غير الحكومية.
وحسب المنظمة، فإن السنوات الأخيرة شهدة زيادة استخدام الحكومة المصرية لتُهَم الإرهاب ضد المعارضين السلميين ومصادرة أصول آلاف الأشخاص والمؤسسات التجارية والجمعيات، ووضعها على قوائم الإرهاب دون مراعاة الإجراءات القانونية الواجبة.
المنظمات الأجنبية والدولية
ترى المنظمة أن "القانون يفرض قيودا في غاية التسلط على عمل المنظمات الأجنبية والدولية".
ويفرض القانون على المنظمات الدولية الحصول على تصريح (بثلاثة آلاف دولار تقريبا) بالعمل من وزارة الخارجية يكون ساريا لفترة محددة، قبل بدء أي نشاط في مصر.
وحسب المادة 69 في القانون فإنه "يجب أن يكون نشاط المنظمة الأجنبية غير الحكومية المصرح لها به متفقا مع أولويات واحتياجات المجتمع المصري وفقا لخطط التنمية. وألا تعمل أو تمول نشاطا يدخل في نطاق عمل الأحزاب، أو النقابات المهنية، أو العمالية أو ذا طابع سياسي أو ديني، أو يضر بالأمن القومي للبلاد، أو النظام العام، أو الآداب العامة، أو الصحة العامة، أو يحض على التمييز أو الكراهية أو إثارة الفتن".
ويتعيّن على المنظمات الدولية تقديم أي "تقارير أو بيانات أو معلومات" حول أنشطتها إذا طلبتها "الجهة الإدارية". كما يحظر القانون على المنظمات الدولية تقديم أو تلقي أي تمويلات دون موافقة وزارية.
ويُجيز القانون للوزير المختص إلغاء تصريح أي منظمة دولية دون مراعاة الإجراءات القانونية الواجبة، بذريعة أن المنظمة تُخِلّ بـ "السلامة العامة أو الأمن القومي أو النظام العام" أو جراء مخالفتها لشروط ترخيصها.
وطالبت المنظمة الرئيس السيسي بعدم التصديق على القانون وأن يعيده إلى البرلمان لتعديله.
وقال نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش مايكل بَيْج إن "القيود في القانون الجديد، مقترنة بسعي الأجهزة الأمنية المصرية الحثيث لقمع المجتمع المدني بلا هوادة، تُظهر نية الحكومة المصرية سحق المنظمات المستقلة". وتابع بيج "إذا كانت هناك ذرة واحدة من النية الحسنة لتمكين المجتمع المدني من العمل باستقلالية، فعلى الرئيس السيسي إعادة القانون للبرلمان حتى يعالج عيوبه الخطيرة".