ريم دسوقي
ريم دسوقي

ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن السلطات المصرية اعتقلت مواطنة أميركية من أصل مصري بتهمة انتقاد الحكومة على فيسبوك.

وقالت الصحيفة إن ريم محمد دسوقي، وتعمل مدرسة في مدينة بلانكستر بولاية بنسلفانيا، تقبع حاليا في السجن، وهي تحمل الجنسيتين الأميركية والمصرية.

​​ووفقا للصحيفة فقد وصلت ريم إلى مطار القاهرة الشهر الماضي قادمة من واشنطن مع ابنها البالغ من العمر 13 عاما، وفور نزولها أرض المطار احتجزتهما السلطات المصرية في المطار لساعات وصادرت هواتفهما.

واتهمت السلطات المصرية ريم دسوقي بإدارة صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد الحكومة المصرية، لكن معارف المعتقلة يقولون إن هذه الصفحات هي منتديات تناقش في الغالب ظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مصر.

ويقول الناشط في مجال حقوق الإنسان محمد سلطان، الذي دشن حملة لإطلاق سراح ريم ويدير مجموعة حقوقية مقرها واشنطن، إن "اعتقالها يمثل دليلا على مستويات القمع الذي وصلت إليه مصر في عهد السيسي".

​​ولم تستجب السلطات المصرية لطلبات صحيفة واشنطن بوست التعليق على اعتقال ريم دسوقي، فيما قال المتحدث باسم السفارة الأميركية في القاهرة مايكل هاركر في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "نحن على دراية بحالة السيدة دسوقي ونقدم الخدمات القنصلية في هذا الوقت"، من دون إعطاء أية تفصيلات.

وتشير الصحيفة إلى أن شقيق دسوقي زارها الأسبوع الماضي في السجن لكن تم اعتقاله هو الآخر.

ويقيم ابنها ويدعى مصطفى حامد مع أقاربه في القاهرة، على أمل أن يتمكن هو وأمه من العودة إلى منزلهما في بنسلفانيا، قبل أن تبدأ المدارس بنهاية هذا الشهر.

مصر

المسؤولية الطبية في مصر.. عكاز حماية المرضى أم ضماد كفاءة الأطباء!

غادة غالب - واشنطن
25 يناير 2025

تستيقظ فجرا، تلملم أغراضها سريعا، ثم ترتدي عباءتها السوداء وتسند زوجها الذي لا يمكنه السير إلا بمساعدة عكازين، بعدما بُترت إحدى قدميه. قبل رحيلهما تتأكد أن طفلهما، آدم، ذو الـ7 أعوام، في عناية جيرانهما.

تنطلق في رحلة "عذاب يومية" لأحد مستشفيات وسط العاصمة المصرية القاهرة، حيث يخضع زوجها لعملية غسيل الكليتين.

بدأت معاناة سمية، وهي سيدة أربعينية يناديها كل من يعرفها بأم آدم، كما ترويها لموقع "الحرة"، عندما "أجمع أكثر من طبيب على أن خطأ طبيا وقع أثناء عملية إزالة المرارة تسبب في إصابة زوجها محمد بفشل كلوي، نتج عنه فيما بعد مضاعفات أخرى وصلت لبتر إحدى قدميه".

أضيف اسم محمد إلى لائحة طويلة ممن تعرضوا لأخطاء طبية رصدتها وسائل الإعلام في مصر على مدى سنوات، في غياب إحصاء رسمي يحصر عددها.

قفزت هذه القضية من جديد إلى واجهة الأحداث وباتت محل نقاش مجتمعي واسع بعد طرح الحكومة، في ديسمبر الماضي، لمشروع قانون المسؤولية الطبية، الذي يتضمن مواد تتيح معاقبة الأطباء بالحبس والغرامة بسبب الأخطاء الطبية.

"يوم أسود في تاريخ الصحة".. مخاوف في مصر من تداعيات قانون "تأجير المستشفيات الحكومية"
دخل قانون "منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية"، المعروف بقانون "تأجير المستشفيات الحكومية"، في مصر حيز التنفيذ بعد أن صدق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي الاثنين رغم اعتراضات برلمانيين ونقابة الأطباء والعديد من المؤسسات المهنية والاجتماعية والحقوقية الأخرى. 

مشروع قانون ترفضه نقابة الأطباء

أثار مشروع قانون المسؤولية الطبية خلافا كبيرا بين الحكومة والبرلمان، من جهة، ونقابة أطباء مصر، من جهة أخرى، بعدما وافق مجلس الشيوخ المصري، في 24 ديسمبر 2024، على نسخته الأولى، تمهيدًا لإحالته على مجلس النواب (الغرفة الثانية للبرلمان) لمناقشته وإقراره.

خلال مناقشته بمجلس الشيوخ، رفضت نقابة الأطباء المصرية كل المواد التي تُقر الحبس في القضايا المهنية أو الحبس الاحتياطي.

وقالت إن لجنة الصحة بمجلس الشيوخ لم تستجب لأي من مطالب النقابة "العادلة المطبقة في العالم كله"، ودعت إلى جمعية عمومية طارئة في الثالث من يناير، لتأكيد رفضها مسودة القانون، قبل أن تعلن في 7 يناير، إرجاءها لمدة شهر، وذلك عقب توافق مبدئي داخل لجنة الصحة على تعديلات تتعلق بإلغاء مادة الحبس الاحتياطي للأطباء واستبدالها بغرامة مالية.

وكانت المواد 27 و28 محل الجدل الأكبر، بعدما ساوت بالحبس والغرامة بين من يرتكب أخطاء طبية ومن يرتكب أخطاء طبية جسيمة.

كما اعترضت النقابة على المادة 29 التي أعطت جهات التحقيق الحق في حبس الطبيب احتياطيا ومده على ذمة التحقيق، بحسب بيان النقابة.

واعترضت النقابة كذلك على المادة 18، التي تجيز استعانة جهات التحقيق بتقرير اللجنة الفنية التي تفصل في درجة الخطأ الطبي أو حدوثه من قبل الطبيب أو نتيجة مضاعفات طبية، مطالبة بأن يكون تقرير اللجنة ملزما.

ووسط تصاعد الجدل، أكد مجلس الوزراء المصري في بيان أن مشروع قانون المسؤولية الطبية يهدف إلى دعم "الحقوق الأساسية لمتلقي الخدمة الطبية أيًا كان نوعها، والارتقاء بتنظيم هذه الحقوق، مع توحيد الإطار الحاكم للمسؤولية المدنية والجنائية التي يخضع لها مزاولو المهن الطبية".

وبحسب ذات البيان، يتضمن القانون إنشاء "لجنة عليا للمسؤولية الطبية وحماية المريض" تكون تابعة لرئيس مجلس الوزراء من أجل "إدارة المنظومة الصحية في الدولة من خلال آليات محددة قد يتم التوسع فيها مستقبلا بعد تقييم التجربة وقياس نتائجها".

لكن الأمين العام الأسبق لنقابة الأطباء، الدكتور إيهاب الطاهر، يرى أن "مشروع قانون المسئولية الطبية المعروض لم يستوف الحد الأدنى المطلوب لمعايير القانون المأمول، إذ يحوي سلبيات خطيرة تؤثر سلبا على المنظومة الصحية وعلى المريض والطبيب في آن واحد".

ويذكر في حديث لموقع "الحرة": "من المعروف أن محاسبة الأطباء في قضايا ممارسة المهنة بمعظم دول العالم تصدر له قوانين علمية وليست جنائية، لأن الغرض هو حصول المريض على حقه والحد من نسبة حدوث الأخطاء ودون وقوع ظلم على الأطباء أو التأثير سلبا على المنظومة الصحية"

ويضيف الطاهر "أما المشروع الحالي فهو قد يؤدى لما يسمى بالطب الدفاعي وذلك بامتناع عدد من الأطباء عن التدخل الناجع لعلاج الحالات المعقدة، خوفا من سيف الحبس والعقوبات المبالغ فيها، ما يؤثر سلبيا على المريض".

أرواح الناس مش لعبة

"لازم يكون فيه عقاب شديد لأن أرواح الناس مش لعبة"، بصوت مبحوح يعرف من يسمعه أنه يخرج من جسد معلول، يحكي محمد، زوج سمية، لموقع "الحرة"، بداية مأساة قلبت حياته رأسا على عقب.

يقول محمد:" قبل ثلاث سنوات، خضعت لعملية استئصال للمرارة بالمنظار، وكان من المفترض أن يستغرق الأمر بضع ساعات ثم أتوجه إلى المنزل في غضون يوم أو يومين بالأكثر، إلا أنني استيقظت بعد شهر لأجد نفسي في غرفة العناية المركزة، نتيجة دخولي في حالة إغماء، بين الحياة والموت، بسبب خطأ طبي نتج عنه فشل كلوي".

المضاعفات الصحية لـ"عم محمد"، كما يحب أن يُطلق عليه، لم تتوقف عند هذا الحد، فنتيجة الغسيل المستمر للكلى ونظرا لكونه مريض بداء السكري من النوع الأول، فقد أصيب بالغرغرينا وبترت قدمه اليسرى.

يرى محمد أن إقرار قانون يتيح حبس الطبيب الذي يُخطئ هو خطوة جيدة تحمي المرضى وتجبر ذويهم، لكنه يقول إن الحديث عن استبدالها بغرامة مالية يعد تعويضا عمليا ومناسبا للمتضررين.

ويوضح أنه بسبب حالته المرضية، توقف عن العمل في ورشة النجارة التي كان يمتلكها قبل أن يبيعها لسداد ديونه، فاضطرت زوجته للعمل في المنازل.

"غلطة الدكتور دا بتدفع ثمنها أسرة كاملة، وعملنا محاضر واشتكينا، ومفيش حد سمع صوتنا"، على حد تعبير سمية، التي قالت إنها تعيش مع زوجها "رحلة عذاب وخوف يومية"، تبدأ منذ لحظة دخولها المستشفى ولا تنتهي إلا بخروجها منه مع زوجها حيا.

مشاعر الخوف هذه لم تصب سمية وحدها، ففي أحد أروقة المستشفى، وتحديدا في قسم الجراحة العامة، يقف الدكتور محمود أبو العينين، وسط عدد كبير من الأهالي المكلومة والغاضبة التي جاءت تتفقد ذويها الذين تعرضوا لحادث انقلاب ميكروباص على الطريق الدائري، لكن بدلا من توجيه غضبهم للمسؤولين عن الحادث، قرروا لوم الأطباء المناوبين في هذا الوقت. 

بعد انتشار فيديو "طبيبة المراغة".. رئيس الوزراء المصري ومحافظ سوهاج يقدمان الاعتذار
خلال ساعات من انتشار فيديو "إهانة" محافظ سوهاج لطبيبة خلال تفقده مستشفى المراغة المركزي على مواقع التواصل الاجتماعي، خرج رئيس الوزراء ليقدم اعتذاره بعد أن تصاعد الحديث عن الأزمة وتقديم مجلس نقابة أطباء المحافظة استقالاتهم. 

الطبيب كبش الفداء الوحيد

"المنظومة الطبية والصحية في مصر تعاني من أزمات عدة، فهل من الطبيعي أنه بدلا من تطويرها أن يكون الطبيب هو كبش الفداء الوحيد؟" بهذا التساؤل عبر أبو العنين، في حديثه لموقع "الحرة"، عن رفضه لمشروع القانون الجديد، وتحديدا البنود المتعلقة بعقاب الأطباء.

ويرى أنه "ليس من المطلوب أبدا تخويف أو إرهاب الطبيب أو أن تصبح المستشفيات مكان لتخويف الأطباء"، ويقول إنه "يعرف العديد من زملائه الذين قرروا بالفعل رفض استقبال وعلاج الحالات الحرجة والحساسة لخوفهم من إلقاء المسؤولية عليهم بمفردهم".

ويقول الطبيب إن "مشروع القانون لم يقدم تعريفات واضحة للتفرقة بين المضاعفات الطبية والخطأ الطبي والخطأ الطبي الجسيم".

ويوضح أبو العنين أن الأطباء بالفعل يشعرون بالخوف من عدم توفير الحماية الكافية لهم أثناء ممارستهم عملهم، وشهدنا بالفعل خلال السنوات الماضية، الكثير من الحالات التي يعتدي فيها أهالي المرضى على الطاقم الطبي ويحملونهم مسؤولية ما يحدث لذويهم.

ويؤكد أنه شهد بنفسه أكثر من "واقعة اعتدى فيها الأهالي على الطبيب بتهمة أنه المتسبب في تدهور حالة نزيل أصيب بالطعن بآلة حادة في مشاجرة، وذلك بدون دلائل أو إثباتات على ذلك، وفي ظل ضعف وجود عناصر الأمن التي تحمي الطبيب وباقي الطاقم الطبي المناوب وقتها".

ويرى الأمين العام الأسبق لنقابة الأطباء، الدكتور إيهاب الطاهر، في حديثه "للحرة" أنه "يجب إجراء تعديلات جوهرية على مشروع القانون، أبرزها وضع تعديل تعريف الخطأ الجسيم (الذي عقوبته حبس وغرامة)، ليكون علميا وغير قابل للتأويل، وإلغاء العبارات المطاطة، مثل الإهمال – الرعونة – عدم الاحتراز".

ويقول إنه "يجب أن يكون تعريف الإهمال الجسيم (الجريمة الطبية) هو وقوع ضرر نتيجة أحد الأسباب الحصرية الآتية، ممارسة المهنة بشكل متعمد خارج نطاق الترخيص في غير حالات الطوارئ، أو تعمد الإيذاء، أو العمل تحت تأثير مسكر أو مخدر، أو استخدام طرق علاجية تجريبية في غير حالات التجارب السريرية بضوابطها المعتمدة، أو العمل بالمخالفة لقوانين الدولة".

ويضيف أنه "يجب إلغاء أي غرامات كعقوبة على الخطأ الطبي الوارد، خاصة أن الخطأ الطبي في حدا ذاته ليس جريمة، لكن خطأ مهني وارد حدوثه بالعالم كله عند ممارسة مهنة الطب، على أن يتم تعويض المتضرر من صندوق التعويضات بالكامل".

وأكد على "أن الخطأ الطبي يجب أن يعامل بموجب قانون المسؤولية الطبية فقط لأنه ليس جريمة".

رفع كفاءة وجاهزية المنظومة الطبية

أما أستاذ جراحة العظام والعمود الفقري أحمد هاشم، فتطرق إلى جانب آخر من الأزمة الطبية في مصر، والذي يعتقد أنه عنصر أساسي في الأخطاء الطبية، حيث يقول إن "ضعف جاهزية المستشفيات والوحدات الصحية يؤثر سلبا على قدرة الطبيب في الوصول لأفضل النتائج العلاجية، وبالتالي إذا أرادت الحكومة إصلاح المنظومة الصحية وتقليل الأخطاء الطبية، فعليها أولا زيادة الإنفاق الحكومي على القطاع الصحي".

ويضيف في حديثه لموقع "الحرة": "لا أحد يغفل أن المنظومة الطبية في مصر، خاصة المستشفيات والوحدات الصحية التابعة للحكومة، تعاني من نقص في ميزانيتها، وهذا بدوره يؤثر على مدى جاهزية غرف العمليات وتوفر المواد العلاجية والتعقيمية، لدرجة أن الكثير من الأطباء يشترون الكثير من المستلزمات المطلوبة على نفقتهم الخاصة".

وخصص مشروع موازنة العام المالي الجديد 2025/2024 نحو 200 مليار جنيه لقطاع الصحة، وفقًا للبيان المالي للموازنة، ليمثل الإنفاق على الصحة في السنة المالية الجديدة 1.16% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنسبة 1.25 % في العام المالي السابق 2023/2024، وهو ما يقل عن نصف الاستحقاق الدستوري.

وينص دستور 2014 على أن تلتزم الدولة بتخصيص ما لا يقل عن 3% للإنفاق على الصحة، وذلك بدءًا من السنة المالية 2017/2016.

وبينما يرغب "عم محمد" وغيره الكثير من المرضى في سن "قوانين عادلة لحماية حقوقهم وتعويضهم بشكل عادل وأسرهم"، يطالب أبو العنين ومثله العديد من الأطباء بضرورة "تحسين مناخ عمل الطواقم الطبية في مصر وتوفير بيئة مناسبة تحترم آدميتهم وتطور مهاراتهم".

غادة غالب